عبيد التميمي
مسلسل “The Marvelous Mrs. Maisel” يعتبر أحد أروع الأعمال في وقتنا الحالي، ويقود دفة المسلسلات الكوميدية بجدارة، من كتابة إيمي شيرمان بالادينو، صاحبة الخبرة الكبيرة في عالم التليفزيون، ومن بطولة رايتشل بروزناهان وأليكس بورستين وتوني شلهوب ومارين هينكل ومايكل زيغان. يتحدث المسلسل عن ”ميدج ميزل“ التي تنقلب حياتها رأسًا على عقب بعد انفصالها عن زوجها واكتشافها لشغفها الأول في الحياة، ممارسة الستاند آب كوميدي، وصراعها لإنجاح هذه المهنة الصعبة وكيفية تأقلم مَن حولها مع هذا القرار.
يحقق المسلسل النجاح تلو الآخر مع الجماهير والنقاد؛ فقد تجدد لموسم رابع بعد عرض الموسم الثالث بعدة أيام، وهو حاضر بشكل دائم في جميع المحافل المعنية؛ حيث حصل المسلسل على ثلاث جوائز جولدن جلوب (قابلة للزيادة فجر يوم الإثنين في حفل الجولدن جلوب)، وحصل على 16 جائزة إيمي خلال سنتين فقط، تتوزع الجوائز على عدة فئات؛ كالتمثيل والإخراج والكتابة والتصوير والموسيقى.
ليس من المبالغة القول إن إيمي بالادينو استطاعت صناعة عالم متكامل في هذا المسلسل، عالم يحتوي على جاذبية حقبة زمنية معينة في أمريكا؛ على جميع المشكلات المصاحبة لهذه الحقبة، وعلى الشخصيات المناسبة للحقبة والمستوحاة بشكل رائع منها.. الانطباع أنك تشاهد عملًا تليفزيونيًّا في الخمسينيات الأمريكية ينطلق مع أولى لحظات المسلسل ولا يتوقف إطلاقًا. هو مسلسل عصري وكلاسيكي في الوقت نفسه، يمتلك سحر الأعمال الكلاسيكية والرونق الخاص بها، ولا يتنازل عن سرعة وتماسك الأعمال العصرية والحدة التي تتصف بها.
صناعة العالم ليس بالأمر السهل، يتطلب الأمر تحوُّل المسلسل إلى آلة متكاملة تربط كل العناصر سوية؛ فكل شيء يجب أن يكون متوافقًا مع النظرة الجوهرية للمسلسل وجميع العناصر يجب أن تخدم هذا الأمر.. في حالة مسز ميزل، كان الهدف الرئيسي هو تصوير حقبة الخمسينيات في أمريكا مع رواية إحدى أمتع القصص في وقتنا الحالي، وهذه النقطة مهمة جدًّا؛ فحتى حين يتراجع مستوى المسلسل أو يتخذ خيارات سردية خاطئة، فهو لا يتوقف عن كونه عملًا ممتعًا للغاية لا يملّه المشاهد؛ لكن هل هو مسلسل ممتع فحسب؟ لا يبدو ذلك.
الجهود المبذولة في تجسيد الحقبة الزمنية بأكثر الطرق جاذبية ممكنة، وتسخير الكادرات الضخمة التي يمتلكها المسلسل في مشهد مدته خمس دقائق أو مونتاج يحكي قصة مختصرة، تعني أن المسلسل لا يكتفي بسرد اعتيادي يتضمن نقل الكاميرا من شخصية إلى أخرى حسب الحوار المكتوب، كما هي الحال مع عديد من طرق التصوير المستخدمة في الأعمال التليفزيونية؛ لكنه يحاول جاهدًا أن يتخطى حدود الشاشة الصغيرة ويتحول إلى قطعة سينمائية فريدة، وهو ينجح في كثير من الأحيان في هذه المحاولات الشجاعة.
الإمكانيات المادية والميزانيات الضخمة لا تعني بالضرورة نجاح أي مسلسل في هذه النقطة؛ فكم من عمل فشل في تسخير إمكانياته وميزانيته بالشكل السليم، لكن يمكن اختصار طريقة النجاح في تحول العمل إلى آلة متكاملة كما سبق وذكرنا؛ فكل العناصر في مسز ميزل يكمل بعضها بعضًا بطريقة خلابة.. الحوارات ممتعة وسريعة، تصوير الكاميرا لا يقل سرعةً أو جنونًا، وتحاول بالادينو -التي تقوم بإخراج معظم الحلقات- التحكم في الحيز المحيط بالشخصيات وجعل موقع التصوير واقعًا ملموسًا ومتفاعلًا مع الشخصيات الرئيسية، ويعطيك ذلك شعورًا منعشًا بأن هذا عالم مستقل قائم بذاته، والشخصيات الرئيسية موجودة فيه مثل باقي الناس، والكاميرا موجودة بمحض الصدفة لتصوير حياتهم.
إضافة إلى كل ذلك، يقدم المسلسل أحد أجمل المشاهد المصورة على التلفاز؛ فاستغلال الألوان وطريقة تصميم مواقع التصوير واستخدام كل تفصيل ممكن صغيرًا كان أم كبيرًا، يحول كل المشاهد إلى لوحات فنية متحركة مفعمة بالحياة والموسيقى، كل ذلك يتوافق مع الأداء الممتاز لطاقم التمثيل الذي يتأقلم مع حدة الكوميديا المكتوبة والنسق الكثيف للحوارات؛ لذلك لا عجب في مشاهدة عدة أسماء من طاقم التمثيل في قوائم الجوائز ما بين مرشح وفائز.
في زمن تتدفق فيه المسلسلات والبرامج التليفزيونية من كل حدب وصوب بكثافة لم يسبق لها مثيل، وأصبح التركيز في كثير من الأحيان على الكم أكثر من الكيف، لا يزال “The Marvelous Mrs. Maisel” بعد عرض ثلاثة مواسم منه وثبات المستوى خلالها جميعًا، يستطيع التعمُّق في شخصياته الحالية وإعطاءها أكثر استقلالية وأبعادًا درامية، وفي الوقت نفسه تقديم شخصيات جديدة لا تخل بتوازن معادلة المسلسل وتضيف نكهة جديدة إليه.. كل ذلك يجعل منه عملًا يستحق التوقف والإشادة الحارة.
المصدر: كيوبوست