سوليوود «القاهرة»
حادث سيارة تعرض له الكاتب والمخرج المكسيكى جييرمو أرياجا فى فترة العشرينيات من عمره فى منطقة جبلية بالمكسيك، كاد يفقد خلاله حياته، وأثر ذلك الأمر فترة طويلة على حاسة الشم لديه بعد كسر أنفه، لكنه فى نفس الوقت كان شاهدا على انطلاقته الفنية، إذ اتخذ من مشاهده مادة فنية لأعماله.
«الكتابة هى المرحلة الأصعب فى العمل السينمائى.. أحيانًا أضطر للسفر لعيش التجربة ولا توجد قواعد تتحكم فى شكلها».. «لا تؤثر العوامل التجارية على توجهاتى»، «لا أسمح للمخرجين بالتدخل فى محتوى القصة»، عبارات رددها جييرمو أرياجا أكثر من مرة خلال الحوار مع «المصرى اليوم» فهو يرفض بشكل قاطع المعايير التقليدية للكتابة السينمائية.
وتطرق خلال حواره مع صحيفة المصري لمحطات حياته الفنية ، كما ألقى الضوء على طبيعة السينما فى بلاده بحضور السفير المكسيكى بالقاهرة خوسيه أوكتابيو، حيث أبديا سعادتهما باختيار المكسيك كضيف شرف فى الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائى.
و إلى نص الحوار:
بداية.. ماذا يمثل لك تكريمك فى مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الحالية؟
– سعيد للغاية بمشاركتى فى مهرجان القاهرة السينمائى، وفخور بتكريمى من إدارة المهرجان، وأيضاً باختيار بلدى ضيف شرف لهذه الدورة. تلك هى زيارتى الأولى لمصر ولمست عن قرب عظمة هذا البلد، حيث تبادلت الحوار مع المشاركين فى فعاليات المهرجان، كما أننى زرت أهم المعالم الأثرية مثل الأهرامات والمتحف المصرى الشاهدين على عظمة المصريين القدماء. وأتطلع لعمل فيلم فى مصر، فأنا كتبت وأنتجت العديد من الأفلام فى العديد من دول العالم، لكن هذه الزيارة كانت خاصة وملهمة لى، فبلادكم تحظى بمزيج قوى بين الماضى العريق والحاضر الذى نعيشه.
بعد اختيار بلادكم ضيف شرف لهذا المهرجان كيف ترى انعكاس ذلك على السينما فى المكسيك؟
– تأثير إيجابى للغاية، فالسينما المكسيكية طموحة وتحلم بالانتشار فى جميع ربوع العالم، وأتمنى استمرار التعاون مع مصر سواء على مستوى المشاركة فى الفعاليات السينمائية الكبرى أو تبادل الخبرات بين البلدين، فهما يمتلكان مواهب فنية كبيرة.
على ذكر التعاون بين البلدين.. أنتجت المكسيك فيلما مأخوذا من رواية «زقاق المدق» للأديب المصرى العالمى نجيب محفوظ، وقامت ببطولته الفنانة سلمى حايك.. هل من الممكن أن نرى تكرارا لهذه لتجربة؟
– أتمنى تكرار تلك التجربة، فنجيب محفوظ أديب عالمى أثرت كتاباته فى العالم أجمع، وأنا كروائى وكاتب تأثرت بالطبع بما كتبه ويحظى عندى بمكانة كبيرة، وتقديم أعماله فى السينما المكسيكية ساهم فى نقل الثقافة المصرية الأصيلة للقارة اللاتينية، لذلك أتمنى أيضاً أن تنتج مصر قصصا مكسيكية لإطلاع المنطقة العربية على ثقافتنا. وبكل صراحة أتمنى أن أشاهد أفلاما مصرية مترجمة بلغات مختلفة، فما يصلنا من المنتج المصرى فى السينما ضئيل للغاية رغم أنكم تملكون مواهب كبرى، سواء على مستوى الكتابة أو التمثيل، وهنا أتذكر بالطبع الممثل العالمى عمر الشريف الذى حظى بشهرة كبيرة فى دول عدة.
نعود سنوات للوراء.. كيف بدأت قصتك مع الكتابة؟
– بدأت الكتابة عندما كان عمرى 14 عاما، وقتها كنت أكتب المسرحيات والقصص القصيرة، وبعد تجاوزى 18عاما بدأت فى تسويق أعمالى، وبالأخص قصص الأطفال، وكتبت أيضاً فى الصحافة والراديو. وبعد تجاوزى الـ23 كتبت 3 روايات ومجموعة قصص قصيرة، وتُرجمت إحدى رواياتى لـ21 لغة أجنبية، وتعرضت فى فترة العشرينيات من عمرى لحادث كبير أثر على إحدى حواسى لكن حولت الآثار السلبية له إلى كتابة أعمال سينمائية مستغلا أحداث الإصابة التى تعرضت لها.
حققت العديد من النجاحات فى هوليوود باقتحامك عالم الإخراج بجوار كتابة السيناريو ورُشحت للأوسكار فى عام 2006 لأفضل سيناريو بمشاركتك فى فيلم «بابل»، كما فزت فى تلك الفترة بجائزة مهرجان كان السينمائى.. هل يمكن أن تلقى الضوء على تلك التجربة الثرية؟
– قصتى مع هوليوود بدأت فى عام 2002، ومنذ تلك الفترة شاركت فى أربعة أعمال، سواء بالتأليف وكتابة السيناريو أو بالإخراج والكتابة، تجربة أعتبرها مهمة للغاية وأضافت لتاريخى الفنى الكثير من النجاحات، وأنا حاليا عضو فى الأكاديمية الأمريكية التى تصوت للأفلام المرشحة للأوسكار.
على ذكر جوائز الأوسكار هل تتدخل المعايير السياسية فى حسم الجوائز؟
– بكل صراحة لا أحد يتدخل فى اختياراتى، فأنا مكسيكى الجنسية وصوتى مؤثر فى اختيار الفائز.
حقق فيلم «بابل» الذى قمت بتأليفه انتشارا كبيرا فى جميع دول العالم، خاصة أنك مزجت بين 4 ثقافات مختلفة؟
– يعد فيلم «بابل» من أهم الأفلام التى قمت بكتابتها، وأخذ منى وقتاً فى البحث والسفر فى دول مختلفة، منها اليابان ومنطقة الصحراء المغربية، فضلاً عن تنقلى بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، والرسالة التى حرصت على نشرها هى أن الإرهاب يؤثر على حياة البشرية، فالطفلان اللذان أطلقا النيران على الحافلة خلال أحداث الفيلم أثّرا على مصير عائلات من دول مختلفة.
استطعت أن تمزج بين الإخراج وكتابة القصة والسيناريو.. أى من تلك المراحل هى الأصعب بالنسبة لك؟
– بالطبع الكتابة هى أصعب مرحلة، فهى تبدأ من مجرد ميلاد الفكرة وأقضى وقتا طويلا برفقة أوراقى لتطويرها، وأحيانا أضطر للسفر إلى عدة دول لمعايشة التجربة، لكن مرحلة الإخراج يساعدنى فيها عدد من المنفذين والمصورين، لذلك مرحلة الكتابة هى الأهم والأصعب بالنسبة لى.
فى بعض الأحيان يحاول المخرجون إبداء وجهة نظرهم فى بعض أحداث القصة فيغيرون فى سياقها وفقا لمعاييرهم ما رأيك؟
– أرفض تماماً أن يغير المخرج القصة بناء على وجهة نظره، فالكاتب هو صاحب الفكرة، لذلك أتفادى تلك الأمور عندما أخرج أعمالى بذاتى.
يعد الاتجاه السائد للسينما المكسيكية هو نشر قصص واقعية وسير الذاتية، ما سبب التركيز على مثل هذا النوع من الأفلام؟
– الأفلام التى تحمل السير الذاتية تُنشر فى المكسيك فقط، لكن بشكل عام أتحدث عن نفسى، فأنا اتجاهى مختلف عما يُنشر داخل المكسيك، والكتابة السينمائية بشكل عام لا توجد معايير لها.
لماذا؟
– لأن الكاتب بطبعه متحرر من قيود الكتابة الأكاديمية. أعلم أن البعض يرغب فى الحفاظ على الشق التقليدى لكن من ناحية أخرى لا توجد معايير مطلقة للكتابة، فهى تحمل العديد من وجهات النظر، لذلك أجد أنه لا فائدة من الكتب المنتشرة التى تحمل عناوين «كيف تكتب فيلما فى 18 يوما؟» أو «تعرف على طريقة كتابة السينما». لذلك أنصح الشباب بالتحلى بالثقة فى أفكارهم.
حققت السينما فى المكسيك نجاحات كبرى على مدار العقدين الماضيين، وحصل صناعها على العديد من الجوائز الدولية.. ما هى المعايير التى تحتاجها بلادكم للوصول إلى مستوى السينما الأمريكية؟
– لدينا العديد من صناع السينما فى المكسيك الذين سطروا تاريخاً كبيراً فى هوليوود، مثل الكاتب والمخرج ميشيل فرانكو على سبيل المثال، وبالطبع لدينا العديد من النجوم الساطعين فى هوليوود، لكن بالطبع يؤثر التمويل على كم الأفلام التى يتم إنتاجها. والمكسيك عام 1995 أنتجت 7 أفلام فقط بسبب مشاكل التمويل لكن فى الفترة الماضية تخطت الأفلام حاجز المائة وثمانين فيلما، وأتوقع احتلال مكانة متقدمة فى الفترة القادمة بفضل المواهب التى نمتلكها. ومن ناحية أخرى السينما فى الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك العديد من مقومات النجاح فكل الإمكانيات متاحة لها.
شارك فيلمك الأخير NO ONE LEFT BEHIND فى العديد من المهرجانات الدولية، وألقيت الضوء خلاله على العلاقات بين المكسيك وأمريكا.. هل هناك رابط بين قرار الرئيس دونالد ترامب بناء سور بين البلدين وتوقيت الفيلم؟
– أولا قرار الرئيس ترامب بناء سور عازل هو قرار خاطئ وفكرة سيئة للغاية، فلا أحد يُغفل دور المهاجرين المكسيك الذين ساهموا فى نهضة الولايات المتحدة الأمريكية، فعدد كبير من المواطنين الحاصلين على الجنسية الأمريكية تعود أصولهم إلى المكسيك، لذلك حرصت خلال الفيلم على إلقاء الضوء على طبيعة العلاقات بين البلدين فهى علاقات متشابكة ومتنوعة الأوجه.
هل أثرت توجهات ترمب على تواجدكم فى السينما الأمريكية؟
– نحن كفنانين عبّرنا عن غضبنا تجاه قرار الرئيس الأمريكى، وعلى المستوى الشعبى نحن ندرك أن الهجرات لن تتوقف، كما أننا لا يمكن أن نخفى الحقائق التاريخية الرابطة بين البلدين، فالمهاجرون المكسيك هم من عمّروا الولايات المتحدة الأمريكية.
بعض المؤلفين يتمسكون بالاعتبارات التجارية من أجل تحقيق إيرادات كبرى للأفلام.. هل تؤثر عليك تلك الأمور فى اختيار القصة؟
– اتجاهى مختلف عن أغلبية الكتاب، فأنا ألتزم بالجانب الفنى فقط، وتلك النوعية من الأفلام تعيش فترة طويلة.
لاقى فيلم «الجوكر» ردود أفعال مختلفة فى العالم واعتبره البعض يروج للعنف.. ما هو تقييمك لهذه النوعية من الأفلام؟
– لا أكتب هذه النوعية من القصص، وأهتم بنوعية الأفلام التى يخرجها على سبيل المثال العبقرى ترانيتينو، وفيلمه الأخير Once Upon a Time In Hollywood لاقى إعجابى بشدة.
ما هى خطواتك القادمة فى مجال الكتابة؟
– أقوم الآن بالانتهاء من ترجمة روايتى الخامسة «المتوحشون» للعديد من اللغات الأجنبية، حيث حققت نجاحا بالغا فور نشرها فى عام 2016.
هل أثرت على أبنائك فى اختيارهم طريق الإخراج السينمائى؟
– لقد نقلت لهم بالطبع خبرتى فى مجال السينما لكننى لم أجبرهم على اختيار ذلك الطريق، فابنى وابنتى اختارا طريق الإخراج السينمائى.
فى الختام.. سألت السفير المكسيكى خوسيه أوكتابيو الذى كان حاضراً اللقاء : ما هى آليات تطوير التعاون فى مجال السينما بين البلدين؟
– بالطبع هذا المهرجان كان له تأثير قوى على العلاقات الثقافية بين مصر والمكسيك، وسيشجعنا جميعا على استمرار التعاون بين البلدين، ولمست بنفسى رد فعل المصريين حول الأفلام المكسيكية المعروضة بالمهرجان، حيث حظيت بتفاعل كبير معها، وعرض هذه الأفلام أظهر المواهب المكسيكية فى مجال السينما، وهو ما سيؤثر بالإيجاب على مستقبل صناعة السينما فى بلادنا. فالمكسيك كانت حاضرة بقوة هذا العام فى المهرجانات المصرية، ومنها مهرجان القاهرة السينمائى ومهرجان أسوان لأفلام المرأة ومهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية، وأتمنى أيضًا مشاركة الأفلام المصرية وعرضها فى بلدنا، ما سيسهم فى تبادل الخبرات بين البلدين.