أميرة حمادة
تفاوت زمني ما بين صفحات الكتاب وكلمات الشاشات، وذكريات مخبأة داخل مخيلتك التي تخونك في بعض الأحيان، فتعود إلى العم “جوجل” للتأكد من تاريخ الروايات والأفلام، تقرأ المعلومة من أكثر من مصدر لتصل في نهاية المطاف إلى ما يروق عقلك وتفكيرك المنطقي، وهل يعقل أن يصدر فيلم بعد 40 عاما من صدور الجزء الأول؟ هل يعقل الربط بين هذه المسافة الزمنية التي تضم جيلين مختلفين كل الاختلاف؟ وماذا عن الفئة المستهدفة أهي الشبابية أم الأربعينية أم المسنة؟ كلها تساؤلات تتخبط في رأسي منذ أن شاهدت الإعلان عن فيلم “دكتور سليب” لستيفن كينج ملك أدب الرعب الأمريكي.
عندما يتم ذكر اسم ستيفن كينج أمامي يرتجف قلبي وأتخيل لوحة سوداء يخط عليها الأشباح، وفي أحيان كثيرة أرتجف وأنظر يمينا وشمالا بخوف مقولب بنمط كينجي، لكن ما صدر أخيرا جعلني أستفيق من سكرة الرعب والروايات إلى حقيقة هذا الفيلم أو بالأحرى حقيقة الرواية التي صدرت عام 2013 استكمالا لرواية “البريق” the shinning التي صدرت عام 1977، ويا لهذا البعد الزمني فما بين 1977 و2013 أعوام طويلة، فماذا خبأت هذه الأعوام من أحداث “البريق” و”دكتور سليب”، وهل المشاهد بحاجة للعودة إلى فيلم “البريق” قبل البدء بمشاهدة “دكتور سليب”؟
البداية عام 1980
يتناول فيلم “دكتور سليب” مصير الابن داني تورانس، يؤدي دوره إيوان مكريجور، وقد كبر وأصبح مدمن خمر ومشردا وعاطلا عن العمل، ومصابا باضطراب ما بعد الصدمة بسبب الأحداث المأساوية التي وقعت في نهاية فيلم “ذا شايننج”، وبعد أن توفيت والدته وندي، تؤدي دورها أليكس إيسو، بدأ داني يعاني قوته التخاطرية التي تسمى “البريق”، لكنه طور قدرة للتخلص من شياطين فندق أوفرلووك بوضعهم في صناديق خيالية داخل عقله.
قرر داني دخول برنامج علاجي جماعي للتخلص من الإدمان، وتطوع رفاقه في البرنامج لمساعدته في الحصول على مأوى ووظيفة في دار مسنين، حيث لقب بـ”دكتور سليب” بسبب قدرته التخاطرية التي تمكنه من دخول عقول كبار السن من المرضى ونقلهم برفق إلى مثواهم الأخير.
بين الخير والشر
في مكان آخر، ظهرت فتاة تدعى أبرا، تلعب دورها كايلي كيوران، تتمتع بقوى تخاطرية مثل داني، وتحتاج إلى نصائح تماما كما حصل مع داني نفسه عندما تلقى إرشادات من الحكيم ديك هالوران، أدى دوره في الفيلم الأول سكاتمان كروثرز، وهنا يؤديه كارل لمبلي.
ومن ناحية الشر، ظهرت أيضا عصابة من مصاصي الأرواح، تصطاد الأطفال وتقتلهم لتتغذى على أرواحهم بغرض إيقاف تقدم أعضاء العصابة في السن، وتقود العصابة روز ذا هات، تؤدي دورها السويدية ريبيكا فيرجسون، بمجرد السيطرة على الضحية تشعل العصابة نارا وتجتمع على الضحية وتمارس عملية شهيق جماعي. ولقد شارك في الفيلم عدد من نجوم فيلم “البريق” منهم الممثل داني لويد، الذي قام بدور “داني” وهو طفل، ثم اعتزل التمثيل بعد طرح الفيلم بأعوام معدودة، إلى أن أعلن أنه سيعاود الظهور كضيف شرف في “دكتور سليب”.
إخراج متقلب
لم يكن إخراج الفيلم مسليا إلى حد كبير، حيث ينتقل مايك فلاناجان كاتب ومخرج الفيلم بين لقطات سريعة عن داني الطفل وداني الرجل، داني المدمن على الشرب وداني الذي يقاوم الإغراء ويحطم زجاجة المشروب وسط ثرثرة ستصرع أي مشاهد اعتاد الثرثرة في الأفلام، كما ركز على روز ذا هات، وهي شخصية مملة وغير مثيرة للاهتمام ولا حتى مخيفة، بل هي حسناء وجذابة وليست مخيفة إطلاقا، ولعل سبب التخبط الإخراجي في الفيلم هو محاولة فلاناجان الجمع بين رؤية كينج وبين العالم شبه المستقل عن الرواية الذي صنعه ستانلي كوبريك الذي أخرج فيلم “البريق” عام 1980، الذي لم ينل إعجاب كينج آنذاك لخلافات بينه وبين كوبريك، ما دفع به إلى إعادة صنع “ذا شايننج” تلفزيونيا عام 1997 لإغاظة كوبريك الذي توفي بعدها بعامين.
لكن مع وجود كل هذا التخبط لا يمكننا القول إلا أن فيلم “البريق” حقق نجاحا باهرا، فالأسباب التي دفعت بفيلم “البريق” وجعلته ينطبع في الذاكرة هي الغموض الذي يعد العنصر الأساس في سينما الرعب، ففي الفيلم يحار المشاهد ويغرق بين مجموعة من الأسئلة، هل جاك مخمور أم مجنون؟ هل كان مجنونا قبل اعتزاله في فندق أوفرلووك أم أن الفندق كان مسكونا بالشياطين؟ هذا الغموض لم يتنبه إليه فلاناجان، فجاء الفيلم مملا إلى حد ما، لكنه تميز بروح كينج التي طغت على جميع المشاهد، فرأينا التركيز على كليشيهات كينج الأدبية المكررة في كل قصصه، وهي إذا كان طالبا بارعا في الرياضيات فسيكون محاسبا عندما يكبر، وإذا تعرضت الفتاة للضرب من قبل والدها فستتعرض للتنمر والضرب من زوجها عندما تكبر وهكذا.
التكرار بدلا من الابتكار
من الأخطاء الأخرى التي وقع فيها مخرج الفيلم أيضا تكراره لقطة للمرأة العجوز القبيحة التي تخرج من حمام كجثة تخرج من قبرها وتضحك بشكل يرسل قشعريرة في بدنك وتمشي باتجاه الكاميرا، وهي لقطة تميز بها فيلم “البريق” وهي جزء من مشهد يسبب توترا وكوابيس واضطرابا في النوم، والمشكلة أن فلاناجان يستخدم اللقطة نفسها ثلاث مرات وربما أربع مرات، فبان كأنه تكرار، مع العلم أنه كان يحتاج إلى الابتكار في المشاهد أكثر من التكرار أو الاستنساخ.
تجدر الإشارة إلى أن إيرادات فيلم الرعب “دكتور سليب” وصلت إلى 53 مليونا و765 ألف دولار، وبالتالي تخطى العمل أخيرا ميزانيته التي وصلت إلى 50 مليون دولار، وكان قد حقق العمل نحو 12 مليونا و600 ألف دولار، في أول أسبوع من عرضه، وانقسمت الإيرادات بين 24 مليونا و865 ألف دولار في الولايات المتحدة، و28 مليونا و900 ألف دولار حول العالم.
المصدر: جريدة العرب الإقتصادية الدولية