أمجد المنيف
لطالما آمنت أن المعيار الرئيس لنجاح أي فيلم سينمائي هو قدرته في جعلك لا تستطيع التنبؤ بالأحداث. معظم الأفلام ذات تسلسل تقليدي، الأحداث تتشابه، والأفكار شبه مستنسخة. المخرج، أو حتى الكاتب، الذي يفشل في مفاجئتك طيلة الوقت، وجعل منسوب الدهشة عالياً، هو مجرد نسخة جديدة من أفكار قديمة.
فاز فيلم الجوكر بهذه الصفة، الأحداث غير المتوقعة طوال مدة العرض. منذ البداية، وحتى آخر شغف، والفيلم يبقيك على حافة الترقب، وسرد سيناريوهات اللحظة المقبلة، التي لا تتحقق غالباً. ثم يرميك في مساحات تساؤلات كبيرة، كبيرة جداً.
الفكرة الأهم، في نظري على الأقل، هي قدرة الفيلم على إرباك القرار في دواخلنا. الحيرة في تحديد الملامة، وكذلك الاصطفاف، والرغبة في إعادة تشريح كل مشهد في مسار أحادي. يشبه في ارتباكاته الفيلم الدنماركي “A Fortunate Man”، المقتبس عن قصة طويلة وضعها الروائي “هيريل بونتوبيدان” ما بين عامي 1898 و1904، والذي يستطيع -هو أيضاً- أن يكسبك صفة المحتار، والمتخبط ربما.
معظم الأصدقاء الذين تحدثت معهم، أو التقارير التي قرأتها عن الفيلم، كتبت عن أمرين أساسيين: (السوداوية والاكتئاب). يخرج المشاهدون من الصالات يحملون معهم الضيقة، والتساؤلات. ويختزلون في ذواكرهم شيئين: (الرقص والركض)، المشهدان الأكثر حضوراً في الفيلم الطويل، وقتاً، وجمالاً، وخوفاً، وأسئلة.
أظن أن الفيلم يكتسب أهميته من منطلقات مختلفة، لكن أهمها على الإطلاق -عندي- هو مقدرته على فرز الثوابت (إن صح وصفها بذلك)، وأعني بها على مستوى التعاملات الإنسانية والعلاقات، والعراك الأبدي بين الخير والشر. وكذلك تعريف الحق والظلم والجريمة والتبرير من جديد.
أفلح المخرج في جعل المشاهدين يتعاطفون مع البطل، حتى بعد ارتكابه عدداً من الجرائم والمخالفات، تماماً كما كان يفعل البطل في مسلسل “YOU”، وهذا الأمر في غاية الخطر والتعقيد، لأن المعيار الرئيس هو القانون، وتجاوزه لا يمكن أن يكون مقبولاً، وفقاً لما هو طبيعي.. وهذا ما يجعلنا أن ننظر إلى القوانين والمشاعر معاً. الجمود ليس دائماً على حق.. والسلام..
المصدر: جريدة الرياض