ناصر الحزيمي
أكثرنا قد شاهد مسلسل العاصوف في جزئه الثاني، والذي تناول فيه مؤلفه مرحلة السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، وقد تناول مؤلفه ناصر العزاز (مؤلفه الثاني) بعد أن تناول أبو جهاد عبدالرحمن الوابل في الجزء الأول مرحلة الستينيات وما حدث فيها من أحداث، وقد تابعت ما جاء من ردود فعل في مواقع التواصل الاجتماعي حول هذا العمل فوجدت أن أغلب المشاهدين والمتابعين يتعاملون مع هذا العمل على أنه عمل تاريخي صرف، وينتقدونه بنفس أدوات نقد الوقائع التاريخية.
وهناك فرق شاسع بين الواقعة التاريخية التي قدمت في عمل وثائقي والواقعة التاريخية التي قدمت كعمل إبداعي، فالأولى ينطلق نقدها من خلال الصح والخطأ والصدق والكذب. وهي عناصر نقد لعمل تاريخي أما تقديم المادة التاريخية كعمل إبداعي فأدوات نقدها تنحصر غالبا في الجوانب الجمالية والإبداعية. فمسلسل العاصوف عمل إبداعي بالدرجة الأولى وليس تاريخيا وأدوات نقذه تنحصر غالبا في الجوانب الإبداعية. وما دعاني إلى الاسترسال في هذه المقدمة هو ما قرأته من تعليقات للبعض من نقد واعتراضات يغلب عليها عليها الالتباس والوهم فالعمل يغلب عليه جانب الإبداع التحريري وجانب الابداع التقني. وهي عناصر كل عمل درامي مشهدي، وأنا أذكر أن مؤلف العمل الرئيس الأستاذ عبدالرحمن الوابلي رحمه الله كثيرا ما حدثني عن هذا العمل، وكيف أنه يريد من خلاله أن يرصد المراحل التي مر عليها المجتمع السعودي من خلال عائلة الطيان، وقد وافته المنية قبل أن يبيض الجزء الثاني من هذا المسلسل.
وأتذكر أننا كثيرا ما تحدثنا حول حادثة الحرم وما حدث فيه وانعكاسات هذه الحادثة على المجتمع. وقد كان أبو جهاد واعيا لحركة التاريخ والأحداث. وقد أحسن صنعا حينما جعل الاقتصاد هو المحرك الرئيس للأحداث والأفكار، فمرحلة السبعينيات هي مرحلة الانتعاش العمراني بسبب البنك العقاري وانتعش في هذه المرحلة الزراعة والتجارة والوظائف.
هذا الانتعاش على جميع الأصعدة أوجد نوعا من الرخاء الفكري تمثل على وجه الخصوص في التيارات الدينية، و أذكر في تلك المرحلة وجود عدة تيارات دعوية في الثانوية الواحدة حيث تجد مثلا جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وجماعات ليس لها انتماء لأي فئة معروفة هذه الجماعات انتعشت اقتصاديا.
وفي تلك المرحلة حيث نلاحظ انتعاش شريط الكاسيت وانتعاش الكتاب الحركي والمجلات الحركية، مثل مجلة المجتمع والتي كانت تصدر عن جمعية الإصلاح الاجتماعي، وأتذكر أن افتتاحية مجلة الإصلاح الاجتماعي كانت تقرأ ضمن البرنامج التثقيفي الإسبوعيي لجماعات الإخوان المسلمين، وكان يُقرأ في هذه الاجتماعات شيء من كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب، وشيء من كتاب فقه السنة لسيد سابق وافتتاحية مجلة المجتمع لسان حال جماعة الإخوان المسلمين في الخليج العربي.
وقد انتشرت حينها الكتب الحركية بشكل لافت للنظر مثل كتب فتحي يكن المراقب العام للجماعة الإسلامية في لبنان. وكتب سعيد حوا المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا فرع حلب وحماة، وذلك قبل أن يستبعد الاثنان من هذه الجماعة وتقاطع لهذا السبب كتبهما من قبل الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، إلا عناوين معدودة بقيت ضمن المنهج التثقيفي للجماعة مثل هذه الوقائع التفصيلية الدقيقة ليس من مستلزمات العمل الدرامي الفني أن يخوض فيها مراعيا جميع تفاصيلها فالعمل الإبداعي يتناول شريحة معينة، قد أثرت وتأثرت بمحيطها فرحم الله أبا جهاد عبد الرحمن الوابلي رحمة واسعة، فغياب نفسه عن الجزء الثاني كان واضحا وبينا.
المصدر: العربية نت