سوليوود «دبي»
لطالما كانت دور العرض السينمائية وسيلة للترفيه أو لإثارة الأفكار، وهي إحدى أدوات الفن الحديث الشاهدة على الثقافة الإنسانية والتاريخ الحضاري، ولكنّ رؤية ذلك لم تصبح متاحةً إلا منذ اختراع السينما والأفلام في مطلع القرن العشرين، وبالنظر إلى الإرهاصات الأولى لظهور دور السينما في مدينة دبي، نجد أن الارتباط الحقيقي للظهور بدأ في سنة 1953، حيث أنشأ رجل الأعمال الكويتي مرشد العصيمي، أول دار عرض سينمائي في دبي، وأطلق عليها سينما «الوطن»، التي تقع في المكان المعروف حالياً بميدان بني ياس في ناحيته الشمالية الشرقية، وكان افتتاحها يعد في وقته شيئاً متطوراً، إذ لم تشهد المنطقة قبلها أي عمل من هذا القبيل، ما عدا سينما تحمل اسم «سينما المحطة» في إمارة الشارقة، التي تأسست سنة 1945، وكانت خاصة بالإنجليز وحدهم، ومخصصة فقط للترفيه عن جنود المحطة (المعسكر الإنجليزي بالشارقة) والعاملين بها، وكان تواصل المواطنين معها يتم في المناسبات العامة، بينما اكتسبت «سينما الوطن» صفة تجارية مستقلة، كي تلبي رغبة المقيمين بها، وكي تسهم بشكل غير مباشر ومتدرج في صياغة المشهد الثقافي، وقبل ظهور التعليم النظامي وإرسال البعثات الدراسية التخصصية إلى الخارج، وذلك كما جاء في البيان الإماراتية.
سرد
وبالبحث في المصادر التي تناولت مثل هذا الحدث الثقافي المهم التي تكاد تكون شبه معدومة في المدونات التاريخية للمنطقة، نجد أن المستشار إبراهيم محمد بوملحه، مستشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للشؤون الثقافية والإنسانية، سرد في كتابه «الفريج» بعض ملامح «سينما الوطن» التي كانت تضم قاعة عرض كبيرة مفتوحة، وكان القصد منها تهيئة الجو للمشاهدين، إذ لم توجد وقتها مكيفات أو مراوح لتلطيف المكان.
وكانت السينما عبارة عن ثلاث درجات، ثالثة وهي العادية التي يدخلها أغلب الناس، حيث يجلسون على كراسي جماعية من الخشب، وقيمة تذكرتها روبية واحدة، والدرجة الثانية وقيمتها روبيتان، وكانت على ارتفاع في آخر الدرجة الثالثة بينهما حاجز، ثم الدرجة الأولى بثلاث روبيات، وكانت كالبلكونات ويطلق عليها «لوجات». وكان للسينما بابان أحدهما للدرجة الثالثة وباب للدرجة الأولى والثانية، وكان يعرض في ممر هذا الباب من الداخل إعلانات مصورة على شكل بوسترات كبيرة لبعض الأفلام التي ستعرضها السينما مستقبلاً تشجيعاً للمشاهدين لحضورها واستقطاباً لاهتمامهم بهذه الأفلام، وكان الداخلون يقفون أمام هذه الصور ليشاهدوها باهتمام بالغ عند دخولهم إلى السينما وخروجهم منها لتحديد رأيهم فيها، إذا كانوا سيختارون دخول تلك الأفلام من عدمه.
دعايات
التسويق والترويج للأفلام السينمائية التي كانت تعرض في سينما الوطن كان يتم بطريقة تقليدية، حيث كان هناك رجل يحمل لوحة كبيرة على ظهره، عليها دعايات وصور لبعض الأفلام التي ستعرض في السينما يدور بها في الشوارع والأسواق لدى تجمعات الناس ويقف لدى التجمعات والناس يشاهدون هذه الدعايات على هذه اللوحة. وكانت السينما قبل رفع الستارة لعرض الفيلم تعرض على شاشتها بعض الأخبار وصوراً، ولقطات عن بعض الأفلام التي ستعرض مستقبلاً، كما كانت تعرض دعايات عن أعمال وخدمات الشركات التجارية والمنتجات كالعطور والساعات وغيرها.
باقة الأفلام
أما الأفلام التي تعرض فكانت من أفلام السينما المصرية، وأشهرها الفيلم المصري «عنتر وعبلة»، في بداية الستينيات من القرن العشرين، إضافة إلى الأفلام الهندية والعربية خاصة البدوية منها، وقد أسهمت هذه السينما بما يعرض فيها من أفلام في تثقيف الجيل فنياً وثقافياً، فأصبحوا عن طريق الأفلام الأجنبية والهندية يُلمون بكثير مما يدور في المجتمع الهندي مما تعرضه هذه الأفلام وتنقله لهم، كما أسهمت بعض الأفلام المصرية في تعريفهم بواقع المجتمع المصري وتثقيفهم تاريخياً بما تعرضه من قصص تاريخية، وغيرها من هذه الأنواع، وأصبحوا يعرفون كثيراً من الممثلين والمغنين في هذه الأفلام. وقد كانت السينما تعرض الأفلام بشكل يومي بحيث يبقى الفيلم يعرض إلى أن يقل إقبال المشاهدين عليه فيتم تغييره بفيلم غيره، وكانت بعض الأفلام حديث الشباب في مجالسهم ومنتدياتهم يحكون عنها بشيء كبير من التفاعل والاهتمام.
ويذكر أن هذه السينما استمرت إلى بداية السبعينيات ولم يعد مبنى السينما موجوداً الآن، حيث هدم وبنيت مكانه بناية حديثة.