أحمد الجزار
بعد انتظار ما يقرب من 20 عامًا، شهد مسرح المارينا، أمس، مولد أول فيلم رسوم متحركة مصري طويل، وهو فيلم “الفارس والأميرة” الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي، في دورته الثالثة، التي تقام حاليًا.
هي تجربة لولا تأخرها كل هذا الوقت لظروف إنتاجية، لكانت من أبرز التجارب الرائدة ليس في مصر فقط ولكن في المنطقة العربية.
الفيلم يضم عمالقة ونجوما يصعب جمعهم في عمل واحد، منهم أمينة رزق، سعيد صالح، عبلة كامل، غسان مسعود، محمد الدفراوي، عبدالرحمن أبوزهرة، محمد هنيدي، مدحت صالح، دنيا سمير غانم، واَخرون، كما قام بكتابته وإخراجه بشير الديك بعد رحيل مخرجه الأصلي محمد حسيب، ووصلت ميزانية ما يقرب من 10 ملايين جنيه.
يتناول الفيلم قصة محمد بن القاسم الثقفي، الفارس العربي الذي حرر نساء وأطفالا عربا من أسر قراصنة المحيط الهندي، وعمره 15 عامًا، وبعدها بعامين فتح بلاد السند كلها، وخلال رحلته الأولى تعرف على أميرة هندية، وأحبها، ثم عاد، وتزوجها في أثناء قيامه بفتوحات بلاد السند.
ويتعرض الفيلم لإنسانية محمد بن القاسم مع بداية الفيلم حين خسر سباقًا للخيل لينقذ طفلًا، وشهامته عند قرر أن يقود الجيوش لتحرير نساء العرب من الملك “داهر”، كذلك إنقاذه لأميرة هندية أثناء توجهه لإنقاذ النساء، وعلى الجانب الآخر، رصد الفيلم استعانة الملك داهر بالقراصنة للاستيلاء على مراكب التجار وأيضا بالكهنة لتحقيق رغباته.
الفيلم تم تنفيذه بالكامل بطريقة البعد الثاني، وهي الطريقة التي يكون التحريك فيها يدويًا عن طريق تحريك الرسوم واللوحات بصورة دقيقة، وتحتاج إلى مجهود مضاعف، لدرجة أن هذا الفيلم الذي استغرق 96 دقيقة على الشاشة تقريبًا عمل فيه ما يقرب من 230 فنان جرافيك، هي من أصعب الطرق مقارنة بالطريقة ثلاثية الأبعاد التي يتم تنفيذها عن طريق الكمبيوتر، والتي جعلت تنفيذ هذا النوع من الأفلام أكثر سهولة ويُسرًا، ولكن رغم إصرار الشركة المنتجة على استكمال الفيلم بنفس الطريقة البدائية التي انطلق منها فإن النتيجة كانت جيدة، والولادة كانت موفقة، خاصة على مستوى التحريك والجرافيكس، باعتبار أن الطريقة ثنائية البعد تظل الأكثر إخلاصًا لهذا النوع من الفن.
حرص السيناريست بشير الديك على أن يضفي حالة من الفكاهة والبهجة على قصته، باعتبار أن هذا النوع من الأفلام موجه للأطفال، وكان مخلصًا في هذا الجانب أكثر من الاهتمام بتفاصيل القصة التي يطرحها، ويمنح للشيطانين “هنيدي وماجد الكدواني” الذي استخدمهم كاهن الملك “داهر” للقضاء على محمد بن القاسم، مساحة أكبر لإطلاق الإفيهات عن التركيز بشكل معمق في شخصية محمد بن قاسم التي تعد من الشخصيات الاستثنائية في تاريخنا العربي، حتى إن أسلوب الكتابة والحوار الذي قدمه بشير الديك منذ ما يقرب من 20 عامًا أصبح الاَن مختلفًا، وأعتقد أنه لو كانت أتيحت الفرصة لبشير الديك أن يعيد كتابة القصة نفسها بمعايير السوق الحالية وحالة التطور التي شاهدناها خلال الـ20 عامًا الماضية لخرج الفيلم بصورة مختلفة تمامًا، خاصة أن هذا النوع من الأفلام الاَن لم يعد مرتبطًا بالأطفال كما كان من قبل، وهناك شريحة كبيرة من الجمهور أصبحت متعلقة بهذا النوع من الأفلام، وقد نجحت هوليوود خلال السنوات الماضية في أن تحقق قفزة كبيرة في أفلام الرسوم المتحركة حتى أنها أصبحت تنافس وبقوة الأفلام الواقعية في شباك التذاكر.
فضلًا عن أن الفيلم أسهب في تقديم شخصية “أبو البحار” الذي أداها بصوته الفنان الراحل سعيد صالح واستكملها عبدالرحن أبو زهرة الذي قام أيضا بأداء شخصية “الكاهن”، حيث أرفق ظهوره أغنية تزيد عن 3 دقائق بلا داعٍ، فيما لم يهتم الفيلم بالتركيز على فتوحات محمد بن القاسم، لبلاد السند، وأيضا فشل العرب في البداية من مواجهة الملك داهر بعد أن أرسل لهم جيشين قبل الاستعانة بابن القاسم، وغيرها من التفاصيل الخاصة بإحدى الفتوحات الهامة والبارزة في التاري العربي والإسلامي.
أفلام التحريك في حد ذاتها لها تاريخ كبير، وكانت الانطلاقة مع الفرنسي إيميل كول الذي صنع أول فيلم رسوم متحركة عام 1908، وكان بعنوان “الأوهام” واستغرقت مدته دقيقتين، واستخدم ما يقرب من 700 لوحة لتنفيذ هذا الفيلم. إنه فن عريق وكبير وشهد تطورًا كبيرًا بفضل شركة ديزني التي قدمت آلاف الأفلام من هذا النوع، وسيطرت على السوق العالمية، بينما مصر التي كانت من أوائل دول العالم التي عرفت السينما تقدم الاَن أول فيلم مصري طويل وبإنتاج سعودي خالص، إنها بالتأكيد خطوة متأخرة وتحتاج إلى رعاية من بعض الجهات، خاصة أن لدى العرب العديد من القصص التراثية والحكايات الممكن تقديمها في هذا النوع من الفن، وقد سبقتنا السعودية أيضا قبل 3 سنوات في تقديم أول فيلم رسوم متحركة طويل وهو فيلم “بلال” مؤذن الرسول، والذي واستعان في تنفيذ بأبرز المتخصصين العالميين في هذا المجال، وتم الاحتفاء كثيرا بالتجربة على المستوى العالمي.
الحقيقة أن “الفارس والأميرة” تجربة سينمائية مهمة ليس فقط كونه أول فيلم رسوم متحركة مصري طويل، ولكن كونه ابنًا ضائعا عثر عليه بعد 20 عامًا، وتحول لوثيقة سينمائية منحها الزمن قيمة وأهمية، وأفقدها النضج أيضًا.
المصدر: مصراوي