سوليوود «خاص»
لم يحصل مسلسل تشيرنوبيل على جائزة أفضل مسلسل قصير في حفل توزيع جوائز إيمي لهذا العام من فراغ، وإنما فعلياً استحقها عن جدارة، كونه كان لهذا العام بمثابة المفاجأة الممتعة التي أسعدت كثيرين، إذ ليس من السهل أبدًا أن تتناول حدث حقيقي وقع بالفعل بتلك الكيفية المثيرة والمكتملة الأركان!
المسلسل الذي قام بتأليفه كاتب السيناريو الأمريكي كريج مازن خرج من طور المتتالية المعتادة لسرد الأحداث التاريخية، إذ لم يتدرج الكاتب في التمهيد للأحداث عبر تمثيل أجوائها وحتى الوصول إلى الذروة، وإنما على الفور ومن أول لحظة وضع المشاهد في قلب انفجار نووي، حيث أعمدة الدخان النووي تتصاعد في سماء مدينة بريبيات الأوكرانية، بينما فرق الإنقاذ السوفيتية تبذل جهدها في السيطرة على الأمر لكن دون طائل.
انتقل المسلسل آنفًا إلى متابعة أحداثه وشرح كيف تمت عملية إنقاذ الموقف والخروج بالمواقف إلى بر أمان تكون فيه الخسائر التي هي حادثة بالفعل في أضيق ما يكون، لتأتي الحلقة الأخيرة منه مباغتة حين عادت بالزمن إلى الوراء ساردة جميع الحقائق التي أوصلت المفاعل رقم 4 إلى ذلك الانفجار الكارثي غير المتوقع.
مازن اعتمد في كتابة المسلسل على مؤلف آخر رصين هو “أصوات من تشيرنوبيل” وهو مؤلف للكاتبة البيلاروسية الحائزة على جائزة نوبل للآداب سفيتلانا أليكسييفيتش، حيث يرصد الكتاب شهادة السكان المحليين لمدينة بريبيات حول مشاهداتهم وتجاربهم النابضة بالألم والمعاناة موازةً مع كارثة تشرنوبل.
مزج درامي رائع وظِف في مسلسل قوي أخرجه السويدي يوهان رينك، حيث العبقرية الفذة تتجلى في عديد من الجوانب بداية من السند التاريخي الذي يتكأ عليه الكاتب وصولاً إلى التبسيط الغير مخل الذي استطاع به المخرج وفريق عمله إيصال رسائل علمية شديدة التعقيد ربما إلى جمهور غير متخصص.
ما بين سطور المسلسل تتجلى عديد من المفارقات الهامة حيث السياسة في مواجهة العلم، رمزية عميقة تتجسد في شكل مناورة الأخيرة مجسدة في هيئة عالمين إنقاذ الموقف، عبر التماهي أولاً مع مطالبات السياسيين السوفتيين تضييق خناق الكارثة والتقليل من شأنها، ثم لاحقاً السير قدماً دون هوادة باتجاه البحث والتحليل وكشف الحقيقة دون خوف.
إن العمل وإن كانت تفوح منها رائحة التوجيه السياسي كونه إنتاجًا أميركيًا بريطانيًا مشتركًا، إلا أنه ذو مخزى ويمتلك وجهة نظر تحترم مبنية على أسانيد تاريخية مشهود لها، وهو الأمر الذي استحق معه عن جدارة جائزة إيمي كأفضل مسلسل قصير لعام 2019، والأهم من ذلك جائزة الجمهور الذي احتفى به حول العالم أيما احتفاء، ولعل ذلك ظاهر بوضوح على منصة IMDB والتي نال عليها التقييم الأعلى في التاريخ لمسلسل، حيث حصل مسلسل تشرنوبل على ما نسبته 9.5 من عشرة، وهو التقييم الذي لم يحققه بعد أي مسلسل آخر سواء من الفئة القصيرة أو الطويلة.