محمد رُضا
بعد أسابيع قليلة من نهاية حفلة الأوسكار الحادية والتسعين، أعلنت أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في لوس أنجليس تغيير اسم إحدى أهم جوائزها. أوسكار «أفضل فيلم أجنبي» تسمية تغذي روح التفرقة بين ما هو محلي وغير محلي، لذلك بات الاسم الجديد هو أوسكار «أفضل فيلم عالمي».
ما زال القصد واحداً، لكنّ هناك من سيعتبر أن في التسمية إجحافاً للسينما الأميركية التي هي (بالنسبة للدول الأخرى) عالمية. مهما يكن، ومع صعوبة إرضاء فرقاء كثر، فإن التسمية الجديدة أفضل وقعاً مما كانت عليه.
— لا يستحق الوجود
ما يطفو على السطح في كل عام في مثل هذه الأيام، هو رغبة أكثر من 80 دولة حول العالم إرسال ما هو (على نحو أو آخر) أفضل ما لديها من أفلام. والمسألة لا تختلف هذه السنة بصرف النظر عن المسمّى. وحتى الآن، وعلى بعد أسابيع من إغلاق باب الترشيحات بالنسبة لهذه الجائزة، هناك 64 بلداً بعث بـ64 فيلماً لدخول السباق الكبير رسمياً. من بين هذه الدول عشر دول عربية ليس من بينها – بعدُ – لبنان الذي وصل إلى الدور النهائي في ترشيحات هذه المسابقة في العام الماضي، عبر فيلم نادين لبكي «كفرناحوم». كذلك ليس من بينها، وحتى الآن أيضاً، السعودية، من خلال فيلم هيفاء المنصور الجديد «المرشحة المثالية»، أو أي فيلم آخر حديث.
الدول الإحدى عشرة التي بعثت بأفلامها هي (الدولة متبوعة بعنوان الفيلم ومخرجه)
- الإمارات العربية المتحدة: «رشيد ورجب» لمحمد سعيد حريب.
- البحرين: «طربال رايح جاي» لأحمد عبد الله صالح.
- مصر: «ورد مسموم»، لفوزي صالح.
- عُمان: «زيانا»، لخالد الزدجالي.
- فلسطين: «لا بد أنها الجنة»، لإيليا سليمان.
- المغرب: «أدم»، لمريم توزاني.
- قطر: «جهاد في هوليوود»، لعمر الدخيل.
- تونس: «ولدي»، لمحمد بن عطية.
- الجزائر: «بابيشا»، للينا خضري.
- ليبيا: «ميادين الحرية»، لنزيهة عربي.
- السودان: «إكاشا»، لحجوج كوكا.
أتيح لهذا الناقد مشاهدة ستة من هذه الأفلام حتى كتابة هذا التقرير، لكنه ليس من الصعب التكهن بأن الفيلم الذي قد يستحقّ أكثر من سواه دخول المسابقة رسمياً هو فيلم إيليا سليمان «لا بد أنها الجنة».
يؤكد ذلك أن المقدمات الإعلانية لبعض الأفلام تشي بمستوى لم يكن يصلح حتى للتفكير لإرسالها إلى أي جهة خارج بلدانها أو مناطقها. «رشيد ورجب»، على سبيل المثال، كوميديا تتبدّى سريعاً كتركيبة تلفزيونية الشكل جماهيرية في المقام الأول من دون أي اشتغال على النواحي الفنية، وهو شرط ضروري للوصول إلى مصاف الترشيحات.
«طربال رايح جاي» يعاني المشكلة ذاتها مضاعفة. المقدّمة الإعلانية تحتوي على مشاهد يعود تاريخ نفاذها من التعامل إلى أيام السينما اللبنانية والمصرية في مطلع الستينات.
على أن الملاحظ أن اختيار كل من ليبيا وقطر مال لصالح فيلمين تسجيليين، وهذا مسموح به لكنه ليس معتمداً لوجود قسم خاص للسينما التسجيلية يتضمن أفلاماً أميركية وغير أميركية.
— مصر وليبيا والسودان
الفيلم المصري الذي تقرر إرساله إلى ترشيحات الأوسكار هو «ورد مسموم» لفوزي صالح. شوهد في الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي ويستحق الإشادة لأسلوب عرضه لحياة وبيئة خفية عن الأعين وتقع تحت مستوى التهميش الذي اعتادت عرضه الأفلام المصرية المختلفة عن السائد.
لكنه ليس فيلم أوسكار بعناصر لافتة يلتقطها المحكمون هناك بعناية. هذه العناصر يمتلكها فيلم مصري جيد آخر لم يتم اختياره هو «تراب الماس» لمروان حامد. وفي حين أن شغل حامد على الموضوع كلاسيكي الإطار، يعكس «ورد مسموم» تلك الرغبة في الذهاب إلى أقصى درجات الواقعية ضمن إنتاج محدود التكلفة. صحيح أن الميزانية لا تدخل شرطاً لدى اللجنة الأكاديمية التي تعاين الأفلام، إلا أن تبعاتها على الفيلم من حيث قدرتها على تأمين «لوك» جيد لها أهميتها الكبيرة في هذا المجال.
الفيلم الليبي «ميادين الحرية» أجدر بالمتابعة، لكن من المستبعد جداً أن يصل إلى المرحلة الختامية سواء في مسابقة أفضل فيلم عالمي أو عبر مسابقة الفيلم التسجيلي.
تتحدث مخرجته نزيهة عربي عن أول فريق كرة قدم نسائي تم تأسيسه في ليبيا بعد سنوات قليلة من الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي. تأسيس الفريق أثار المعنيين بين مؤيد ومناهض. يتساءل إمام المسجد: «أين الإسلام من هذا؟». بقيام المخرجة بإيراد موقف الإمام أمام المصلين ومستمعيه توجز موقف إحدى الجهات المحافظة التي واجهت فكرة قيام فريق كرة قدم قوامه فتيات طموحات.
لكن عزيمة الفتيات أدَّت إلى قيام الفريق، ولو أن النهاية لا تستطيع، في فيلم يعتمد الواقع وليس الخيال، طرح أي مستقبل حقيقي لهذا المنجز. ما تقوم به المخرجة هو تقديم بضع نساء يقدن الرغبة في تأسيس هذا الفريق، وبذلك يقدن الرغبة في تحقيق هذا القدر من الحرية على الأقل.
جابت المخرجة أماكن عدة لتقدم بعض أوجه المدينة ووضعها (أسواق، شوارع، ملاعب… إلخ) لكنها لم تعرف تماماً كيف تهتم بالصورة لتمييز العمل، فبقيت الكاميرا أداة ذات دور محدود. على ذلك، لا يفوت المخرجة التنويع، فتصوّر بطلاتها خارج الملاعب أو داخلها وتلتفت صوب بعض التفاصيل (كمشهد بعض الصبية ينادون: «بالروح بالدم نفديك يا فلسطين»). كونها امرأة تصوّر الفيلم بنفسها منحها القدرة على الحفاظ على عفوية شخصياتها الماثلة.
ليبيا ليست بلداً منتجاً للأفلام، كذلك الحال مع السودان الذي يتقدم فيلم «إكاشا» (كتبها الفيلم eKasha) باسمه.
قدرات هذا المخرج غير المعروف، حجوج كوكا، ما زالت تحتاج إلى مراس لكنه حقق عملاً جيداً ومختلفاً عن أفلام أفريقية تحدثت عن موضوع عاطفي وسط مشاكل وتبعات الحروب الأهلية.
تقع القصة في السودان (لا تقول أين تماماً) وتتناول حكاية جنديين ينتميان إلى ميليشيا ثورية فارين إلى قرية صغيرة. قوّة من تلك الميليشيا تبحث عنهما. أحدهما يحب فتاة القرية ويلجأ إليها، لكن أمره يُكشف وعليه أن يواصل محاولة الهرب من جديد.
يسرد المخرج حكايته هذه بمهارة وليونة. يدرك ما يتحدث فيه وعنه ويصيغه لعين تفاجأ بثراء المكان والنكهة الكوميدية التي يستخدمها الفيلم ليسرد موضوعاً يتناول، لجانب الحرب الأهلية، مسائل عن الرغبة في الانعتاق من الحروب واللجوء إلى سعادة توفرها الفتاة التي يحبها بطل الفيلم.
بعض الغموض موجود في نطاق التصرفات ومبرراتها، لكن ذلك لا يفسد القيمة الفنية والإنسانية التي يتشبع بهما هذا الفيلم. تمثيل تلقائي يواكب معالجة تطرح ما لديها ولو من دون قراءات خلفية كثيرة.
— حكاية مخرج
الفيلم التونسي، «ولدي» دراما موقوتة في هذا العصر. يدور حول زوجين (زكريا بن عياد ومنى مجري) يواجهان وضعاً عائلياً وعاطفياً صعباً عندما اكتشفا أن ولدهما ترك البلاد وانضم إلى «داعش» في سوريا. سيقوم الأب بمحاولة صعبة، وهي السفر وراءه عبر الحدود التركية لاسترجاعه.
كان يمكن لهذا الفيلم أن يكون أفضل مما جاء به. هناك موضوع مهم، وتنفيذ لا يعترف بأهمية الإيقاع، والتركيز على الناحية الصلبة من الموضوع لجعلها الواجهة الأساسية لكي تمرّ الأفكار الأخرى عبرها.
هذا كله يصل بنا إلى فيلم إيليا سليمان «لا بد أنها الجنة» الذي تناولناه في إحدى رسائل مهرجان «كان» الأخير.
من بين ما سبق، فيلم سليمان المقدم باسم فلسطين، هو أكثر الأفلام تمتعاً بأسلوب عمل جيد ينتمي إلى ما هو أبعد من حكاية على المخرج سردها. كأفلام المخرج السابقة، الحكاية ليست كنه العمل، بل مسيرة تمكن الشخصيات القابعة فيها من الإدلاء بمواقف وتؤمّن للمخرج طرح القضايا التي تشغل باله.
هو في الصورة في معظم مشاهد الفيلم، لأن «لا بد أنها الجنّة» يدور حول مخرج يترك فلسطين المكبّلة بمشاكلها وينطلق صوب باريس ليقابل بعض المنتجين لتأمين تمويل فيلمه. قبل الموعد تطالعه ملامح لم يكن يتوقعها، عبارة عن شوارع مفرغة من الناس واستعراضات عابرة ومشاهد تثير اهتمامه ولا توفر أجوبة. بعض ما يقع له يبدو تهديداً له لكن معظمها يبعث على تأمل موازٍ لما لتأملاته الصامتة. الحال لا يختلف كثيراً في الولايات المتحدة، ولا حتى بالنسبة للنتائج التي توخاها حين الحديث عن مشروعه السينمائي مع المنتجين المحتملين.
على كل ما يبرق به الفيلم من لفتات جاذبة التكوين، لا يحتوي على عمق أفضل لهذه الدلالات. الملاحظات هنا تبقى ملاحظات قابلة لتفسيرات قليلة و- إجمالاً – غير كافية.
المصدر: الشرق الأوسط