محمد رُضا
يمكن النظر إلى الدورة الثانية والسبعين من مهرجان لوكارنو، تلك التي بدأت في السابع وتنتهي في السابع عشر من هذا الشهر على أنها دورة ينتمي معظمها إلى تقليد الدورات السابقة وإلى المفهوم العام لهوية هذا المهرجان السويسري، وبعضها إلى محاولة المدير الفني الجديد، السيدة ليلي هنستين، توفير التجدد المنشود الذي عادة ما يأتي مع كل مدير فني جديد يحتل مقعده خلفاً لآخر سابق.
هي المدير الثالث عشر في سلسلة من تولوا إدارة هذا المهرجان الذي طرح نفسه قبل سبعة عقود كصلة وصل أولى بين السينما الجديدة والجمهور وآل على نفسه، اكتشاف المواهب التي لم تتح لها سابقاً فرصة الظهور دولياً في المحافل والمناسبات المشابهة. تم اختيار الأفلام من تلك التي تنتمي إلى مخرجين لم يمارسوا عملهم هذا أكثر من مرّة أو مرّتين وبذلك شق طريقه المختلف عن باقي المهرجانات الرئيسة حول العالم على هذا النطاق وبرهن عن جدارته.
لكن ماذا تفعل لو قرر مهرجان صندانس الأميركي توسيع دائرة أعماله التي كانت لحين ليس بالبعيد محلية الاهتمام لكي تجذب إليها الأفلام الشابة الآتية من كل أنحاء العالم؟ لوكارنو في السنوات الأخيرة خسر بعض حضوره نسبة للمنافسة التي تعرض لها من جانب صندانس.
تبعاً لذلك أقدم بدوره على تعزيز حضور الأفلام غير المنتمية إلى شرطه الأساسي على أساس عرضها في أقسام خارج المسابقة.
لهذا السبب نجد أن برنامجه هذه السنة يتكل على أفلام من خارج الهوية الخاصة به تماماً كما حال الدورات القليلة الماضية التي قام فيها كارلو شاتريان بإدارة هذا المحفل منذ سنة 2013 وهو اختار قبول عرض لا يمكن رفضه من مهرجان برلين الأكبر حجماً وعالمية مغادراً صرح لوكارنو الذي تم تأسيسه سنة 1946.
مزيج من الاهتمامات
على هذا الأساس سنجد، وإلى جانب أفلام مجموعة كبيرة من المخرجين الجدد، مجموعة كبيرة أخرى من الأفلام التي حققها سينمائيون معروفون وبعضها سبق وأن عُرض في مهرجانات سابقة هذا العام. سنجد مثلاً فيلم «ذات مرة في هوليوود» لكونتِن تارنتينو الذي كان جوهرة مهرجان «كان» السينمائي و«عشب أكثر اخضراراً» الذي سبق وأن عرضه مهرجان صندانس نفسه. بالإضافة إلى فيلم «7500» لباتريك فولراث الذي سبق وأن أنجز بعض الأفلام سابقاً وإن لم يتمتع بعد بحيز اهتمام كالذي يوليه له مهرجان لوكارنو.
ويوظف المهرجان الاحتفاء الذي يقيمه للممثلة هيلاري سوانك لتقديم عدد من أفلامها المعروفة ومن بينها «مليون دولار بايبي» لكلينت إيستوود و«الأولاد لا يبكون» للكمبرلي بيرس.
على أن الاهتمام بالمواهب الجديدة ما زال هو النطاق الأهم في حياة هذا المهرجان السويسري الذي يقع في منتصف الروزنامة بين مهرجان كارلوفي فاري التشيكي ومهرجان فينيسيا الإيطالي. في هذا الصدد سنجد 17 فيلماً في المسابقة الدولية قادمة من اليابان والبرتغال وإسبانيا وواحدا مقدما باسم سوريا عنوانه «في الثوثرة» لمايا خوري وآخر من بلغاريا (مع مساهمة بريطانية وفرنسية) بعنوان «قطة على الجدار» لمينا ميليفا وفاسيلا كازاكوفا.
وكما الحال في كل مهرجان آخر فإن هناك فجوة بين الأفلام المنتقاة وبين نجاحها في عرض ما ترغب في عرضه أو في تأمين المستوى المتوقع. صحيح أن اختيار اللجان المسؤولة يسعى جاهداً لتوفير مجموعة ناجحة فنياً من الأفلام المتوفرة لكن ما يحدث كذلك أن هذا السعي لا يكتمل أحيانا على نحو كامل.
يوفر فيلم «الفتاة ذات الأساور» قدراً كبيراً من الترقب في وضع فتاة متهمة بارتكاب جريمة هي بريئة منها. الفيلم هو اقتباس فرنسي لستيفاني ديموستييه عن فيلم أرجنتيني بعنوان «المتهمة» قام غونزال توبال بتحقيقه وتم عرضه في مهرجان فينيسيا في دورة العام الماضي. المعضلة هنا هي معرفة ما إذا كانت المخرجة الفرنسية أعجبت بالموضوع الذي وفّره ذلك الفيلم بحيث سارعت لتقديمه بنسخة فرنسية أم لا. على ذلك، فيلمها ليس استنساخاً لفيلم توبال بل تم تحييد الكثير مما ورد هناك من أحداث وصب اهتمامها على القضية ذاتها سعياً لا لاتهام الفتاة بل للتأكيد على أن الدلائل المساقة لا تكفي للإدانة.
في المسابقة الدولية تم عرض الفيلم الياباني «فتاة مختفية» لكوجي فوكادا (الذي سيعرضه مهرجان نيويورك لاحقاً). يشتغل المخرج فوكادا على الأجواء الغامضة مفضلاً تغييب الحقائق التي تفصل بين امرأة تعيش زمانين مختلفين (الممثلة ماريكو تسوتسوي). هناك الكثير مما يرد في نصف الساعة الأولى ما يؤسس لحكاية غامضة الدوافع بشخصيات تقدم على التصرف أولاً ثم التبرير ثانياً. هو فيلم جيد إذا ما تيسر ربط خيوط الحكاية ذات العلاقات الاجتماعية المتعددة بعضها ببعض وأقل من ذلك بعض الشيء إذا لم يتسن ذلك الربط.
في المسابقة الدولية شاهدت «ليل بلا نهاية» للمخرج إيلوي إنثيسو. تسعون دقيقة لدراما ذات منحى لافت للاهتمام وجدير بالتقدير. ليس هناك من حكاية بقدر ما هناك من مواقف. عودة رجل اسمه أنكسو إلى قريته الريفية تفتح باب التساؤلات حوله وحول التاريخ. هذه الحكاية تصلح لأن تكون مادة تقع أحداثها في أي بلد حول العالم، لكن المميز هنا هو أن الفيلم ينتمي إلى منطقة تقع على الحدود بين بولندا وأوكرانيا اسمها غاليسيا كانت، حتى سنة 1921 ملكاً لمن يستولي عليها مع العلم أنها كانت مملكة خلال قرون بعيدة (الثاني عشر وما بعد).
ما يتبادله الممثلون هنا يفيد في إلقاء نظرة على التاريخ والحاضر معاً. الشخصيات تبدو دائماً غير راضية. الفقر منتشر والحروب المتتابعة ما زالت تترك علاماتها على وجه شعب لا يشعر بأنه يريد الانتماء إلا لنفسه. المشكلة هي أن «نفسه» تلك لم تعد حاضرة ككيان.
مثله في تقديم حكاية شخصيات تبحث عن انتماءاتها نجد «الظرافة» التي تقع غالبية أحداثه في جزيرة لولاند الهولندية وتتحدث عن امرأة ألمانية تزور الجزيرة الصغيرة لكي تجري تحقيقاً حول مصير أبناء الجزيرة إذا ما تم بناء جسر مزمع يربطها بألمانيا. كيف سيشعرون؟ ما هي التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي ستقع في إطار حياة هؤلاء وما إذا كان المشروع سيؤدي إلى زعزعة استقرار بعض الذين تقع المنطقة التي يعيشون فيها عند الجسر أو قريباً منه.
هو ليس بالموضوع الذي يثير الاهتمام بحد ذاته، لكن المخرجة آنا صوفيا هارتمان تنجح في جعله كذلك. لديها الرغبة في الكشف عن كيف تؤدي قرارات تبدو لمتخذيها مهمة ومفيدة إلى ضياع هوية المواطنين الذين سيتعرضون لنتائج تطبيق تلك القرارات.
تيارات
ما زالت مسألة سيادة ستديو ديزني على الإيرادات الأميركية والعالمية تشغل بال هوليوود على أساس أن المسألة باتت احتكاراً أكثر منها منافسة. هذا في ضوء تقرير جديد وجد أن لا فيلم من بين ما أنتجته الشركات الأخرى (مثل وورنر أو يونيفرسال) تجاوز سقف الـ300 مليون دولار محلياً.
سيتم منح المخرج الفرنسي كوستا – غافراس جائزة شرف في مهرجان فينيسيا المقبل. مخرج «زد» و«علبة الموسيقا» و(الفيلم المنسي) «هانا ك.» سيعرض كذلك فيلمه الجديد «راشدون في الغرفة» (Adults in the Room).
كشف الممثلان جوش غاد وجيمس كوردن عن عدد من الأفلام التي كادا أن يقوما بالاشتراك في تمثيلها لولا أنهما طردا منها. من بين هذه الأفلام «هوبس وشو» و«ذات مرة في هوليوود». هناك مقطع متداول لهما في مشهد تجربة قاما به لحساب كونتن تارنتينو حيث فشل أحدهما في إشعال سيجارة. حسب قولهما إن المخرج سارع بعد ذلك باستبدالهما من خلال براد بت وليوناردو ديكابريو!
14 فيلماً جديداً سيتم عرضها بدءاً من يوم غد في الولايات المتحدة بينها سبعة ستتمتع بتوزيع شامل من بينها فيلم تقوم ابنة المخرج كلينت إيستوود (واسمها فرنشيسكا) ببطولته بعنوان Awake.
المصدر: الشرق الأوسط