سوليوود «القاهرة»
نشر موقع إندي واير الشهير للأفلام قائمةً بأفضل 100 فيلم، أخرجتها نساء في مارس الماضي، لكنَّ الناقد السينمائي جوزيف فهيم استنكر خلوّ القائمة من الأفلام العربية؛ لهذا طرح في موقع «ميدل إيست آي» البريطاني قائمةً بـ11 فيلما من أفضل أفلام المخرجات العربيات. فإليك نص تقريره، وذلك تبعًا لما ورد في “القبس الإلكتروني”:
ضمت القائمة الطويلة لموقع إندي واير أسماءً متوقعة، لكن لم يوضع أي فيلم من أي نوع من المنطقة على القائمة. وحتى مع الشهرة المتزايدة التي نالتها أفلام عربية خلال العقود الأخيرة، والترشيحات الأخيرة لصانعات أفلام عربيات في جوائز الأوسكار، مثل ترشيح نادين لبكي عن فيلم «كفر ناحوم»، والمصرية جيهان نجيم عن فيلم «الميدان»، واليمنية سارة إسحاق عن فيلم «ليس للكرامة جدران»، لم ير مصوتو الموقع الشهير أنَّ أي صانعة أفلام عربية قديماً أو حديثاً تستحق الوجود في القائمة.
فدائما ما يكون الخطاب النقدي العام للسينما العربية يفتقر إلى المنهجية، ويمتلئ بالمعلومات الخاطئة.
لكنَّ العناوين الستة التالية غير المرتبة هي عرض لمجموعة كبيرة من المخرجات العربيات، اللاتي تشير التقديرات إلى أنَّ أفلامهن تمثل نصف الأفلام العربية المستقلة المُنتجة الآن.
يتجلى إبداعهن ومقاصدهن السياسية الدقيقة وحساسيتهن اللافتة للنظر في مجموعةٍ منتقاة من الأعمال، تستكشف تجارب مختلفة تمر بها النساء العربيات، وتوثق في الوقت ذاته المناخ السياسي في المنطقة.
كان من الممكن إضافة أسماء أخرى للقائمة، مثل كوثر بن هنية، وسؤدد كعدان، وجوانا حاجي توما، وسارة فرانسيس، وليلى الكيلاني، لكن هذه قائمةٌ أخرى.
غيبوبة (2014)
أُنتج عدد كبير من الوثائقيات عن الحرب السورية منذ اندلاعها، لكنَّ القليل منها يُباري التصوير الدقيق في العمل الأول للمخرجة السورية سارة فتحي.
صُور فيلم غيبوبة في الشقة، التي قضت فيها سارة طفولتها في دمشق، وحوصرت فيها هي وأمها وجدتها لأشهر. يحدث لا شيء وكل شيء في هذا السجن البرجوازي: الملل، والانتظار اللانهائي، وهاجس الغموض، والإلهاءات النفيسة.
توثق سارة بمهارة أثر الحرب على الحياة اليومية الهادئة للأفراد؛ مما يجعل تصويرها المعد بدقة يكشف المخاوف، والإحباطات، والآمال المتلاشية لشخصياتها. تقف أفلام سارة كفعل مقاومة، لا فقط للحرب، بل للطبيعة الجمالية للعنف.
الخروج للنهار (2014)
وضعت صانعات أفلام معاصرات عديدات بصمتهن في السينما المصرية، منهن على سبيل المثال لا الحصر هالة خليل، وكاملة أبو ذكرى، وساندرا نشأت.
لكنَّ الإخراج المتميز والرؤية العنيدة للمخرجة والمنتجة هالة لطفي وضعاها في مكانة فريدة من نوعها.
يتتبع الفيلم يوماً في حياة أم من الطبقة الوسطى الدنيا (سلمى النجار)، وابنتها (دنيا ماهر)، بينما تنتظران موت الزوج والأب العاجز (أحمد لطفي)، والتوتر القائم في قلب هذه الصورة الهادئة المضللة مستخلص من أدق التعبيرات: الإيماءات، والنظرات، والرسائل المتبادلة.
قسوة الصورة البصرية عند هالة، والمعالجة الفجة للاختلال الأسري، تقابلها نزعة إنسانية ملموسة، مما يجعل عملها الوحيد تأريخاً لأصدق صورة عن الطبقة المتوسطة المصرية الموشكة على الفناء بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011.
كان ياما كان ــ بيروت (1995)
رحلت المخرجة اللبنانية جوسلين صعب في مطلع العام، لكنَّها لم تتلقَّ في حياتها التقدير اللائق بها قط. وزميلاتها اللبنانيات نادين لبكي ورندة الشهال ودانيال عربيد معروفات أكثر في الإخراج السينمائي، لكنَّ جوسلين وحدها تتفرد بكونها الأكثر أصالة، وعمقاً، وتحليقاً خارج السرب.
عملها الفريد هو قصة خيالية عن فتاتين شابتين (ميشال تيان وميرنا ماكرون) تجازفان لاكتشاف بيروت العظيمة في أيامها الخوالي، بيروت بعيداً عن الأفلام، بيروت التي لم تعرفاها قط.
الذاكرة الجماعية التي يكتشفاها لاحقا عن المدينة المدمرة آنذاك لا يمكن فصلها عن الأسطورة التي روجت لها الأفلام، الأسطورة التي أراد الشعب الصامد تصديق أنَّها كانت حقيقية. ودوما كانت الذاكرة هي الفكرة الرئيسية في السينما اللبنانية بعد الحرب، لكن هنا في هذا الفيلم لا تتحرى جوسلين صدق الذاكرة، بل تحطم تماما احتمالية حدوثها.
صمت القصور (1995)
من بين كل الأفلام العربية التي صنعتها المخرجات خلال الأعوام الخمسين الماضية، يمكن أن يكون فيلم «صمت القصور» للمخرجة مفيدة التلاتلي أعظمها جميعا.
فاز الفيلم بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان، وهو نسخة سينما المرأة العربية من فيلم «المواطن كاين Citizen Kane»: الفيلم الذي غير كل شيء. فهو إدانة فاضحة للخدمات الجنسية والعبودية الاجتماعية التي خضعت لها عشرات النساء أثناء الحماية الفرنسية على تونس.
الفيلم دقيق في تعبيراته، لكنَّه يكشف الكثير، ويحمل قدرا من الغضب المكبوت والمشاعر المتضاربة. والنتيجة مرعبة ومدمرة عاطفيا أكثر من أي معالجة مباشرة وصريحة للموضوع. وتمخض عنه عدد لا نهائي من الأفلام التي حاولت تقليده، وألهم المخرجات في العالم العربي، ودعم مكانة مفيدة كأكثر صانعة أفلام مؤثرة في تاريخ الفيلم العربي.
وجدة (2012)
هو أول فيلم طويل للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، من أكثر الأفلام العربية نجاحا على المستوى التجاري على الإطلاق. والضجة التي استقبلت الفيلم كانت تدور كلها حول حداثة القضية.
كان فيلم «وجدة Wadjda» أول فيلم طويل يصور بالكامل في المملكة العربية السعودية، وأول فيلم طويل تصنعه مخرجة سعودية، ومثل أعلى مراتب الغرابة في دولةٍ كانت تُرى فقط من منظورٍ غربي حتى ذلك الحين.
وبعد مضي سبع سنوات منذ أثار الفيلم ضجةً هائلة في مهرجان البندقية السينمائي، لا زال فيلم «وجدة» مثيرا للصدمة، إذ مثل تمردا ضد النظام الأبوي الأعمى، والحكم الديني، وهيمنة ثقافة الخوف.
مبدأ الواقعية الجديدة الإيطالي البسيط في فرضية الفيلم يتجلى في فتاة عنيدة في العاشرة من عمرها (وجدة) تكافح لشراء دراجة، ما يفتح الطريق لاستكشاف وضع النساء في المجتمع السعودي المعاصر من خلال الدور الذي أُسند لهن، والمساحات الجسدية التي يُقيَّدن فيها، والحدود التي أمُرن ألا يتجاوزنها. وفي الوقت الذي ثبتت فيه صورية إصلاحات ولي العهد محمد بن سلمان، يواصل فيلم «وجدة» في التحلي بأهميةٍ كبيرة كما كان وقت إطلاقه.
واجب (2017)
الإنتاج الثالث لصانعة الأفلام الفلسطينية آن ماري جاسر وأفضل أفلامها ليس عن النساء أصلا. فهو فيلم طريق عن مدرس كهل يشرع في رحلةٍ في الناصرة مع ابنه المهندس المهاجر، الذي عاد ليوصل دعوات حفل زفاف ابنته. يتمعن «واجب» في انفصال الأجيال بين براغماتية الكبار، واختفاء المُثل عند الشاب المهاجر.
يقدم الفيلم صورةً دقيقة عن عالم رجال الطبقة الوسطى الفلسطينيين، والرجولة المجروحة، والقصص المعلقة، والعبء الذي لا يُطاق في أن تكون رجلا في مجتمع تقليدي.
الحوار في فيلم «واجب» محسوب بدقة، ويقدمه بشكلٍ مميز الممثلان محمد وصلاح بكري، وهما أب وابن أيضا في الحياة الواقعية. ولا يتضمن الفيلم أي خطابٍ قومي جاد ولو بسيطا كذلك الذي عكر صفو أعمال آن السابقة.
تتجلى المقاومة الجريئة في البقاء على قيد الحياة في وجه الاحتلال في صدارة وصلب الفيلم، لكنَّ «واجب» ليس فيلما صنعه شخص من الخارج يحاول تسليط الضوء على الوضع
بل هو عمل لفنانة عاشت في فلسطين فترةً كافية لتعرف أنَّ الحياة فيها ليست أبيض وأسود، ولا محددة أخلاقيا كما يتصور البعض.