سوليوود «الرياض»
استحق فنانون سعوديون لقب “سفير غير رسمي”، وهو اللقب الذي يطلقه الجمهور عادة على الفنان المتميز، الذي يمثل بلاده خير تمثيل، وتصل أعماله إلى عقول الناس وقلوبهم، وينقل صورة المملكة بالشكل الذي يليق بمكانتها.
يأتي ذلك بعد أن باتت الأعمال الفنية السعودية تشكل ضربا من “القوة الناعمة”، الرامية إلى تحسين العلاقات بين المجتمعات، ورسم صورة إيجابية عن المملكة، تماما كما تفعل الدبلوماسية العامة، وتحقيق نفوذ أعمق في قلوب الشعوب، وذلك كما ورد في صحيفة الاقتصادية.
نماذج مشرفة
تمتلئ الذاكرة السعودية بالفنانين الذين وصلت أعمالهم إلى المجتمعات الأخرى، وكانت خير ممثل للثقافة السعودية، ولعل أسمى مثال على ذلك أعمال الفنان الراحل طلال مداح، وأغاني الفنان محمد عبده، وغيره من مشاهير الغناء، وفي مجال السينما تبرز هيفاء المنصور المخرجة السعودية، التي شاركت عبر فيلمها “وجدة” في عدد من المهرجانات الدولية، ونالت ثلاث جوائز مهمة في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 2012، لتعاود المنصور الكرّة مرة أخرى في الدورة المقبلة للمهرجان عبر فيلمها “المرشحة المثالية”، متنافسا مع 14 فيلما عالميا على جائزة الأسد الذهبي، إحدى الجوائز العالمية المرموقة في مجال السينما.
كما تشارك شهد أمين المخرجة السعودية خارج المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا بفيلمها “سيدة البحر”، الذي سيعرض ضمن مسابقة “أسبوع النقاد الدوليين”، ويروي الفيلم في قالب فانتازي حكاية فتاة تواجه الأساطير التي تحكم القرية التي تعيش فيها.
حول هذين الفيلمين، قال الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، “مشاركتان تمثلان إنجازا لبلادنا؛ فيلم هيفاء المنصور في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، وفيلم شهد أمين في قسم أسبوع النقاد.. أفق جديد للسينما السعودية”.
فيما كانت عهد كامل الفنانة السعودية أول ممثلة سعودية تشارك في فيلم هوليوودي، حيث ستشارك في بطولة فيلم Being السينمائي الأمريكي، وهو فيلم رعب للمخرج دوجلاس ويليامز، وسيعرض أواخر العام الجاري، بعد مشاركتها في المسلسل البريطاني Collateral، لتصبح عهد أول ممثلة سعودية تلعب دورا رئيسا في مسلسل أجنبي.
الفن المعاصر
من الموسيقى والسينما إلى الفن المعاصر، حيث نجح الفنانون السعوديون في تحقيق إنجازات كثيرة في هذا المجال، خصوصا هذا العام، منهم الفنانة السعودية لولوة الحمود، التي سجلت أول مشاركة سعودية في معرض فني روسي، وشاركت أعمالها في معرض “الذكاء الصناعي وحوار الثقافات” الذي أقيم الشهر الماضي في مبنى هيئة الأركان العامة في متحف أرميتاج، في مدينة سان بطرسبورج الروسية.
بحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية، فإن الحمود سعت في أعمالها إلى إلقاء نظرة أعمق على القواعد الخفية للإبداع الفني بنمط رياضي، وباستخدام اللغة العربية، في سياق فكري يتماشى مع الطبيعة، ويجمع بين الفن والعلم.
ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، يشارك الفن السعودي أيضا في بينالي “بينالسور” للفن المعاصر الذي انطلق في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، ويستمر حتى شهر نوفمبر المقبل، متنقلا عبر القارات الخمس انطلاقا من أمريكا الجنوبية، وسيكون ختامه في جامعة طوكيو للفنون، ومن المقرر أن يزور “البينالي” المملكة لأول مرة في أكتوبر المقبل، في بادرة نوعية تؤكد حضور الفن السعودي كجزء رئيس من حركة الفن العالمي، حيث يشارك في “البينالي” ثلاثة فنانين سعوديين بدعم من وزارة الثقافة، هم فاطمة البنوي، أيمن زيداني وفيصل سمرة، بعد أن تم قبولهم من قبل منظمي “البينالي” من بين أكثر من خمسة آلاف فنان مرشح من جميع دول العالم.
أما الهنوف محمد الفنانة السعودية التي عرضت لوحاتها في معرض “اللوفر” في باريس، فأفصحت لـ”الاقتصادية” بأن أعمالها لم تعرض في الصالات السعودية، كونها لا توازي المعايير الفنية”، على حد تعبير المؤسسات الثقافية”، إلا أن اللافت هو عرض أعمالها في دور عرض عالمية، ما يسلط الضوء على مشكلة أساسية يواجهها الفنان السعودي، تتعلق بثقة المؤسسات الثقافية داخل المملكة بالفنانين، التي تمنح الفنان دفعة معنوية للانطلاق نحو آفاق أبعد خارج الحدود، مثل الدور الذي تسعى إلى تقديمه مؤسسة مسك الخيرية في مختلف صنوف الفن.
اليابانيون نجحوا
في مثال على قدرة الفنون والثقافة على إحداث تأثير غير متوقع في المجتمعات، لا بد أن نستذكر التجربة اليابانية، إذ تستحوذ الفنون والثقافة على حيز أساسي من “القوة الناعمة” اليابانية، التي شكل فنانوها سفراء غير رسميين لبلادهم، ونجحوا في تحويل الصورة النمطية لليابان من دولة استعمارية نالت هزيمة قاسية في الحرب العالمية الثانية، وتعرضت لضربتين بقنبلتين نوويتين في هيروشيما وناجازاكي.
العالم اليوم أكثر حبا للثقافة اليابانية، بعد أن تشبع بها في كل المجالات، خصوصا بعد تنامي فنيّ “الأنمي” و”المانجا”، ليكونا بمنزلة السحر الذي شجع على التعرف أكثر على الثقافة اليابانية، ودفع ملايين حول العالم لتعلم اللغة اليابانية وزيارة “منبع الشمس” كما يطلق عليها.
في التقرير العالمي للقوة الناعمة لعام 2018، حققت اليابان إنجازا كونها أول دولة آسيوية تصبح ضمن أفضل خمس دول عالميا بالقوة الناعمة، بعدما كانت أول دولة آسيوية تدخل ضمن قائمة أفضل عشر دول في تقارير القوة الناعمة السابقة، رغم تحديات اللغة والثقافة، حتى وصفتها مجلة “فورين بوليسي” بأنها قوة ثقافية عظمى.
وتواصل اليابان اليوم التأثير بشكل أكبر من ذي قبل في شعوب العالم، عبر “سفرائها غير الرسميين”، الذين يضعون نصب أعينهم هدف اليابان لاستقطاب 40 مليون سائح بحلول عام 2020، بالتوازي مع استراتيجية البلاد في الاستثمار في صناديق قومية هدفها التأثير في شعوب العالم مثل صندوق “كول يابان”، وإطلاق حملات تسويقية عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل حملة “اليابان المجهولة” السياحية، وتوفير الدعم اللوجستي للفنانين اليابانيين ليكونوا سفراء لبلادهم، وهي تجربة ثرية جديرة بالدراسة من قبل وزارة الثقافة السعودية، لتنتقل بالمملكة إلى قائمة أفضل الدول المؤثرة بقوتها الناعمة.