محمد رُضا
عدل المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، عن عرض فيلمه الجديد «الآيرلندي» في الدورة المقبلة لمهرجان فينيسيا، كما تكهن عديدون، واختار لعرضه العالمي الأول مهرجاناً أقرب إليه (جغرافياً كما ثقافياً وعاطفياً) هو مهرجان نيويورك.
فيه عرض أفلاماً كثيرة، منذ أن كان لا يزال يعمل في رحى الأفلام القصيرة. ففي عام 1967 عرض فيلمه القصير «الحلاقة الكبيرة» (The Big Shave)، وبعد سنوات قليلة عندما أنجز «شوارع لئيمة» (Mean Streets) عرضه في ذلك المهرجان الذي كان حينها أقرب إلى أمسيات سينمائية. بعد عام واحد أنجز «إيطاليانا أميركان» وتوجه به إلى هناك. وفي سنة 2011 عرض فيلمين له هناك: تسجيلي عن حياة المغني جورج هاريسون عنوانه «العيش في عالم مادي» وفيلمه عن المخرج الفرنسي جورج ميلييس «هوغو».
هناك تكهنات عدّة في السبب الذي من أجله فضل سكورسيزي عرض هذا الفيلم الجديد في نيويورك وليس في فينيسيا. والتساؤل جائز إذ إنّ مهرجان نيويورك (وقد كبر حجماً وازداد أهمية منذ ولادته سنة 1963)، ما زال مهرجاناً كامناً في صف خلفي إذا ما قُورن بمهرجان فينيسيا. هذا الأخير كان سيقدم الفيلم للعالم على نطاق أوسع بكثير مما يستطيع مهرجان توفيره في هذا النطاق.
أحد الأسباب المنطقية، هو أنّ المهرجان الإيطالي ربما فضل فيلم المخرج الياباني كوري – إيدا هيروكازو الجديد «الحقيقة» على ما عداه من أفلام. هيروكازو كان نال في العام الماضي سعفة مهرجان «كان» الذهبية عن «نشالو المحال» (Shoplifters) ، وهذا يساعده بالطبع على تسلق جدران المهرجانات الأخرى.
لكن بذلك، تفضيل فينيسيا الافتتاح بفيلم غير أميركي عوض فيلم آت من هوليوود، كما كان حال معظم السنوات الأخيرة. وهذا مبرر بالطبع حتى لا يؤخذ عليه تفضيله نتاج بلد معين في كل سنة.
سبب تتبادله الأوساط وله نصيبه من المنطق أيضاً، مفاده أنّ المخرج (وهو أحد أطراف الإنتاج أيضاً)، ارتأى وجماعته أنّ افتتاح مهرجان نيويورك الذي سينطلق في الثاني والعشرين من سبتمبر (أيلول)، ويختتم في الرابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول)، هو أجدى وقعاً، خصوصاً أنّها المرّة الأولى التي يفتتح فيها فيلم لسكورسيزي المهرجان النيويوركي العتيق.
هذا يعني أنّ «الآيرلندي» لن يُعرض كذلك في «مهرجان تورونتو»، الذي عادة ما يلعب دور الجوكر بين مهرجانات الخريف.
إلى ذلك يمكن استنتاج أنّ الشركة الأوروبية التي أنتجته بتكليف من محطة «نتفلكس» أرادت بدورها أن تؤكد وجودها الأميركي. هي شركة جديدة مسجلة في لوس أنجيليس باسم «فابركا دَ سينيه» (Fábrica de Cine)، و«الآيرلندي» ليس أول إنتاج لها، بل تعاقبت أفلامها منذ سنة 2013، وهي الشركة (الإسبانية الأصل) التي موّلت لسكورسيزي فيلمه السابق «الصمت» الذي شهد عرضه العالمي الأول في حضرة الفاتيكان بتاريخ 29 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2016. لكنّه لم يتوجّه بعد ذلك إلى أي مهرجان فعلي، بل اكتفى بجملة من الأسواق حول العالم.
بطبيعة الحال، فإنّ أي مهرجان سيعرض فيلماً لسكورسيزي سيفوز بحضور طاقم ممثليه. والثلاثة الرئيسيون هنا هم نيويوركيون وهم روبرت دي نيرو وآل باتشينو والوجه المألوف في كل فيلم عصابات حققه سكورسيزي سابقاً وهو جو بيشي.
دي نيرو في الفيلم هو أحد رؤساء اتحاد العمال لجانب آل باتشينو (يؤدي دور جيمي هوفا المدير العام لاتحاد العمال الأميركيين في الستينيات). أمّا بيشي فسيلعب دور رئيس عصابة مافياوية اسمه بولافينو.
كل من آل باتشينو ودي نيرو عملا معاً من قبل، في فيلم العصابات الأشهر «العراب 2» (1974). لكن ليس معاً في مشهد واحد. آل باتشينو كان ابن مارلون براندو في الجزء الذي يدور في الحاضر. دي نيرو هو براندو في الجزء الذي يسبر أحداث الماضي.
منذ ذلك الحين حاولت هوليوود الجمع بين اثنين من نجومها الممكن الاعتماد عليهما لإنجاح أي مشروع يجمعهما معاً. لكن الفرصة لم تقع إلّا سنة 1995، عندما حقّق مايكل مان فيلمه «حرارة».
«حرارة» كان، بدوره، فيلم عصابات (لكن عصابات حديثة) وأنجز نجاحاً تجارياً ونقدياً كبيراً. رغم ذلك لم يلتقيا مرّة أخرى إلّا سنة 2008، عندما قاما ببطولة فيلم تشويقي بعنوان «قتل مجاز» (Rightgul Kill) أخرجه جون أفنيت وندم عليه كل من شارك فيه.
بالنسبة لسكورسيزي وآل باتشينو نجدهما جديدين على بعضهما البعض على عكس الخلفية الطويلة التي ربطت بين سكورسيزي ودي نيرو.
هذه العلاقة المهنية بدأت سنة 1973 بفيلم «شوارع لئيمة»، وتوالت عبر عقود. أسند إليه شخصية سائق متطرف الميول سياسياً ودينياً في «تاكسي درايفر» (1976)، وشخصية موسيقي في الحب في «نيويورك، نيويورك» (1977)، وشخصية الملاكم جاك لا موتا في «ثور هائج» (1980)، من ثمّ دور الشّخصية التلفزيونية في «ملك الكوميديا» (1982).
هذا كان بمثابة شق أول من تعاونهما. من ثمّ التقطا الخيط مرة أخرى بفيلم «أصحاب طيبة» (Goodfellas) سنة 1990. وهذا كان بداية مرحلة جديدة من تعاونهما شملت «كايب فير» (1991) و«كازينو» (1995).
ساقا الفيلم الجديد طويلان قد توصله إلى الأوسكار. سكورسيزي، على كبر اسمه، فاز مرّة واحدة فقط، وذلك سنة 2007، عندما منحته الأكاديمية أوسكار أفضل مخرج عن فيلمه «المغادِر»، وهو رشح ثماني مرات قبل وبعد تلك السنة؛ آخرها بمناسبة فيلمه «ذئب وول ستريت» في نطاق أوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج.
روبرت دي نيرو تسنّى له الفوز مرتين (من أصل سبع مرات). الأولى سنة 1975، حين تسلّم أوسكار أفضل ممثل مساند عن دوره في «العراب 2»، والثانية سنة 1981 عن دوره الأول في «ثور هائج».
وبما أنّنا في مجال المقارنات، فإن آل باتشينو سجل فوزاً أوسكارياً واحداً، وذلك عن دوره الرئيسي في فيلم «عطر امرأة» سنة 1992، لكنّه خسر الأوسكار لصالح منافسيه في أفلام أفضل؛ أولها «العراب» وثانيها «سربيكو» وثالثها «العراب 2». في المجموع، تم ترشيحه ثماني مرات إلى الآن.
المصدر: الشرق الأوسط