ناجح حسن
تناولت السينما العربية صورة الطفل كفعل درامي مؤثر في واقع الحياة اليومية على نحو محدود، لا يعكس ما تنجزه صناعة الأفلام بالمنطقة.
فعلى رغم ما تلفظه استوديوهات السينما العربية من أعداد متزايدة من الإشتغالات المتنوعة الأساليب بشقيها التسجيلي والروائي الطويل أو القصير، الاّ انها ظلّت عاجزة عن رواية فصول من قصص وحكايات تدور حول هموم وآمال متعلقة بعالم الطفل.
ففي تلك الأفلام، الروائية الطويلة منها بشكل خاص، جرى تناول شتّى الأمور والحكايات، مازجةً – في سياقاتها الدرامية والحكائية – انغماس اطفال في تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية، على حدود القضايا الإنسانية المختلفة–التصدي للظلم ومواجهة الإحتلال–أو في انخراط البعض منهم بعوالم الإجرام المتنوّعة (قتل، ارهاب، سرقة، تهريب..).
تكاد صورة الطفل تتمظهر في صناعة الفن السابع عربيا بأكثر من هيئة وطيف، وهي تتنقل داخل بيئة حاضنة، مشرعة على تفاصيل عالم أشمل، إذْ تتوسّل أنماط إشتغالاتها من عناصر جمالية سائدة في اللغة السينمائية، تسعفها في عملية تشييد بنية درامية، لعلها تسهم في تحقيق منجز سينمائي متين الحبكة يثير متعة المُتلقي، وقادرة في الوقت نفسه، على اثارة الجدل والتفكير في ما تطرحه من رؤى وأبعاد في التعبير السمعي البصري.
لقد افتقدت نصوص الكثير من الأفلام العربية السائدة، عناصر التركيز على شخصيات الأطفال بوصفهم محاور رئيسة تؤشر على تناقضات الواقع، الأمر الذي نجحت فيه قلّة من الأفلام العربية طوال مسيرتها المديدة على غرار: «احلام المدينة» 1984 للسوري محمد ملص، «بحب السيما» 2004 للمصري هاني فوزي، «عصفور على السطح» 1990 للتونسي فريد بوغدير، «زنديق» 2014 للفلسطيني ميشيل خليفي، «جوقة العميان» 2015 للمغربي محمد مفتكر، «وجدة» 2013 للمخرجة السعودية هيفاء المنصور التي صورت في فيلمها الروائي الطويل الأول مجموعة من الأسئلة حول المجتمع السعودي المعاصر بعيني طفلة لديها حلم شراء دراجة هوائية لتتسابق مع ابن الجيران، بالإضافة الى «3000 ليلة» 2015 للفلسطينية مي المصري التي حققته بدعم من الصندوق الأردني لتمويل الأفلام.
في هذا المناخ الصعب، استطاعت السينما الأردنية، أن تطلق وتفجّر طاقاتها الفردية التي عملت على سبر أغوار إنسانية من دواخل طفل، هو محور الاحداث في الفيلم الروائي الأردني الطويل المعنون «ذيب» 2015 أول اشتغالات المخرج الشاب ناجي أبو نوار، الذي قطف عنه جوائز رفيعة في مهرجانات دولية، ونافس على جوائز الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، حيث نأى أبو نوار متسلحا باسلوبية جمالية مبتكرة عن تلك الانشغالات التي درجت عليها السينما العربية الجديدة، والتي أفرزت أعمالا هي أشبه بالخطابات الدعائية التي تفتقد لعناصر اللغة الفنية والدرامية.
وفي الوقت الذي ظهر فيه فيلم «ذيب»، حضرت كاميرا الفيلم التسجيلي الطويل «لسّة عايشة» 2016 للمخرجة اسماء بسيسو، وهي تتبع حياة فتاة وجدت نفسها تحت وطأة ظروف عائلية صعبة نزيلة في احد اماكن ايواء الفتيات، إلا أنها أخذت على عاتقها محاولة إثبات وجودها كفتاة متعلمة وعاملة وهي تمتلك قراراتها الصعبة متجاوزة نظرة المجتمع التقليدية.
مثل هذا النوع من الأفلام والعديد من الأفلام التسجيلية والتجريبية والروائية القصيرة، تظل ترنو إلى الإستزادة من إمكانيات السينما الجديدة في التناول والتأمل الشاعري لمأساة الواقع، والمزنرة بألوان من أساليب المعالجات السينمائية المبتكرة التي تتدفق في إنحياز إلى بيئتها الإجتماعية والسياسية والثقافية.
المصدر: الرأي
