نهاد أبو القمصان
حضرت العرض الخاص لفيلم «بين بحرين»، وما إن أطفئت أنوار السينما، وجدت نفسى فى قلب الريف المصرى المحصور بين بحرين من العزلة عن التنمية والتعليم، وبين أفكار اجتماعية، وتأويلات دينية مليئة بالتناقض تُكثر الحديث نظرياً عن تكريم المرأة فى المنابر وإهانتها وسحقها فى الواقع، ما جعل المرأة تعانى معاناة مركبة لم تقف عند حد النساء، وإنما تمتد للأطفال البنات بجرائم تودى بحياتهن، ونساء تعلق حياتها على أوهام انتظار الفارس المخلص الذى ينشلها من الفقر، ونساء جائعات لكلمة عطف.
فيلم «بين بحرين» يخطف المشاهد من عالم روتينى إلى الغوص فى أعماق عوالم أخرى محيطة بنا نمر عليها كل يوم ولا نراها، أحداث الفيلم تبدأ أثناء زيارة قصيرة تقوم بها شابة متزوجة «زهرة»، ومعها بنتان لحضور زواج أختها، تتعرض فيها إحداهما لحادث مأساوى، تسعى «زهرة» بعده لاستعادة حق ابنتها، كما تصر على إكمال تعليمها وتنوير المجتمع من حولها، وفى مسار سعيها يتعرض الفيلم للعديد من القضايا بالتحليل دون مزايدة أو تقعير، منها دور الأب كحامى وامان، ويتعرض لجريمة الختان بصورة لم يتعرض لها من قبل فيلم سينمائى أو عمل درامى، تحليل ليس فيه تعالٍ أو إطلاق أحكام على الناس، فهى جريمة تتم بدوافع الحب والرعاية من قبل الأهل، ولا تستطيع الضحايا أن تقاوم لأنهن طفلات بالدرجة الأولى والثقة والحب لأهلهن، هى جريمة موجعة ومن يدرك ذلك يشعر بوجع الأب فى الفيلم
الفيلم تعاون مشترك بين المجلس القومى للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، هذا الثنائى الداعم للفيلم يجعلنا أمام فيلم غير عادى، فقد تم تدقيقه من خبرات مهمة لمراجعة القضايا المطروحة وأبعاد طرحها، فمع احترامى للكاتبة أو كاتبة السيناريو، لكن من خبرتى فى مراجعة بعض الأعمال الفنية، وجود جهات ذات فكر ورؤيا لمراجعة ما يكتب يجعل الرسائل منضبطة وغير متناقضة، ويجعل طرح القضايا الجادة يتخذ شكلاً يجمع بين العمق والإبداع ويبعد عن الملل أو الخطاب الإنشائى من جانب، والتسطيح من جانب آخر.
هذا الجهد المشترك جعل الفيلم علامة مهمة، ويذكرنى بأعمال سينمائية عالمية ناقشت قضايا حقوقية Lord of the war مثل الفيلم الذى قام ببطولته الفنان العالمى نيكولاس كيدج، وقامت بإنتاجه منظمة العفو الدولية، وأفلام أخرى عدة سواء على مستوى السينما العالمية أو العربية، لذا حصد فيلم «بين بحرين» العديد من الجوائز بمجرد الانتهاء منه، فقد حصل فيلم «بين بحرين» على أربع جوائز، منها اثنتان من مهرجان بروكلين السينمائى، واثنتان فى مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة.
الفيلم من إخراج أنس طلبة، وتأليف مريم نعوم، وسيناريو وحوار أمانى التونسى، وعدد كبير من النجوم الشباب والشابات، وإن كان الفيلم لم يعتمد على نجوم الدرجة الأولى ربما لأسباب إنتاجية، لكن كل من شارك فى الفيلم، سواء بالبطولة أو أطل بمشهد واحد أكد مكانته كنجمة أو نجم كبيرين، أداء رائع يأخذنا مع كم هائل من المشاعر بين الفرح والحزن والسعادة والقلق، وفى قلب هذا ينتزع من المشاهد بجانب الدموع ضحكات على طريقة شر البلية، إنه فيلم يستحق أن يعرض فى كل السينمات، ويشاهَد على نطاق واسع.
المصدر: صحيفة الوطن المصرية