سوليوود «وكالات»
حقق فوز فيلم «بارازيت» للكوري بونغ جون هو بالسعفة الذّهبية لمهرجان «كان» في الشهر الماضي، توقعات الذين وجدوا فيه ما يستحق الفوز: دراما مع لمسات كوميدية سوداء عن واقع معيشي واجتماعي محاط بالحاجة للتّطور المادي والحاجة الموازية للتّعبير العاطفي. كلا الحاجتين محاطتان بأسلاك شائكة تمنعهما من المضي بعيداً عن الواقع المعاش، وذلك كما ورد في صحيفة الشرق الأوسط.
جزء من توقعات الفوز يبدو لنا تلقائياً: الفيلم في محصلته جيّد التنفيذ وجيد المضمون. لكنّ الجزء الآخر من هذا التوقع يعود بنا إلى ذهبيات «كان» السابقة (لنقل في غضون السنوات القليلة الأخيرة)، إذ ذهبت خمس من الجوائز في السنوات التسع الأخيرة إلى أفلام تطرح قضايا اجتماعية وبيئية. في السنوات الأربع الأخيرة تحديداً، ذهبت السعفة الذّهبية تباعاً إلى «ديبان» لجاك أوديار (2015) و«أنا، دانيال بليك» (2016)، و«الميدان» لروبن أوستلند (2017)، و«النشالون» لهيروكازو كوريدا (2018)، والآن «بارازيت»، وكلها تلتقي عند ذلك الخط الذي يطرح حياتنا في المدن المكتظّة بالمشاغل والمشكلات.
— نجاح لبناني
«بارازيت» لديه خاصيته بالتأكيد، وقبل أن ندلف إليها نرقب اتجاهات ينجزها الفيلم الكوري تبدو كما لو أنّها تتجه به لتحقيق ذهبيات نقديّة هذه المرّة. ففيلم بونغ جون هو حصد منذ افتتاحه في المهرجان، 35 مليون دولار أميركي. طبعاً هذا ليس بالرقم القياسي، لكنّنا نتحدّث عن فيلم كوري وليس هوليوودياً، وعن حقيقة أنّ الأفلام السّابقة لم تنجز إيرادات افتتاح عالية كهذا الرقم. إذا ما استمر على هذا المنوال (وهو ما يزال في عدد محصور من الأسواق)، فلربما يبلغ ما بلغه فيلم مايكل مور «فهرنهايت 11 – 9» الذي أنجز 222 مليون دولار عالمياً سنة 2008، ذلك الفيلم تسجيلي وسياسي، وهما عنصران من غير المعتاد لهما قيادة فيلم صوب النجاح.
«فهر نهايت 11 – 9» حقق 24 مليون دولار كافتتاح، وهذا كان أكثر مما حقّقه سنة 1994 فيلم كونتن تارنتينو «بالب فيكشن» الذي افتتح عروضه بأكثر من 9 ملايين دولار بقليل. هذا بعد أشهر من فوزة بالسّعفة في دورة ذلك العام.
أسطع الإيرادات الأخيرة بالنسبة لفيلم لم ينل السعفة الذهبية (ولو أنّه رشح لها)، هو من نصيب فيلم نادين لبكي «كفرناحوم» الذي أنجز حول العالم، نجاحات تجعل لبكي في مقدمة صفوف المخرجين الذين ستعتمد شركات الإنتاج والتوزيع عليهم لتحقيق نجاحات مستقبلية.
آخر نجاحات الفيلم اللبناني – الفرنسي، تتجه بنا إلى الصين. فقد حقق الفيلم في أسواقها 54 مليون دولار. بذلك تجاوز عراقيل الثّقافة باعتماده على اللغة العالمية الأم وهي لغة الصورة.
هذا الفيلم الدّرامي بدوره، هو واحد من الأعمال التي تُنتج للحديث عن آلام المجتمعات وأفرادها. ومجلة «سكرين» الإنجليزية تتحدث في مقال لها عن تأثير الفيلم في رجال بكوا في صالات السينما تأثراً بما عرضته نادين لبكي عن ذلك الصّبي المتشرد.
والمفارقة هنا أنّ لبكي عرضت الفيلم أولاً في مهرجان «بيكينغ» في أبريل (نيسان) الأخير، قبل أسبوعين من سماح الرّقابة بتوزيعه محلّياً، ومنح الشّركة الموزعة الإذن بذلك. لكنّ الفيلم عرض بعد أن قصّت الشركة الموزعة، 10 دقائق منه (حسب المقال الوارد في مجلة «سكرين») من بينها مشهد إرضاع أم لطفلها.
هذا الرقم المنجز لفيلم صُنع في لبنان، هو الأعلى للفيلم حول العالم. الدّول الأخرى التي شهدت نجاح هذا الفيلم فيها، هي (على التوالي):
- الولايات المتحدة: مليون و661 ألف دولار
- إيطاليا: مليون و136 ألف دولار
- فرنسا: 635 ألف دولار
- هولندا: 489 ألف دولار
- إسبانيا: 424 ألف دولار
- الإمارات العربية المتحدة: 363 ألف دولار
هذه الدول (من الصين وحتى الإمارات)، هي بعض من 25 دولة عرضت الفيلم في أسواقها. والمبلغ الكلي لما أنجزه الفيلم حتى الآن هو 68 مليون و564 ألف دولار، وهذا أعلى رقم سجّله فيلم لبناني في تاريخ ذلك البلد.
— من القاع
الرابط بين «نشالون» (سعفة العام الماضي) و«كفرناحوم» (جائزة لجنة التحكيم في العام ذاته) والفيلم الجديد «بارازيت» (سعفة هذا العام التي لم تمنح لفيلم كوري من قبل) لا يمكن أن يُخفى. فالأفلام الثلاثة تدور حول عائلات براشدين ودونهم تحاول وتفشل في تحقيق معنى آخر مختلف عن الحياة المدقعة التي يعيشونها.
أحد أكثر صور فيلم «بارازيت» انتشاراً، هي تلك التي تصوّر العائلة في ذلك الفيلم وهي تفتح علبة بيتزا، عليها أن تكفي أربعة أفواه. وهي صورة تلخّص الكثير من أوجاع الطّبقة التي يتناولها فيلم بونغ جون – هو ضاماً صوته إليها.
بعد رسم ملامح الحالة المزرية لعائلة تعيش على ما تتيحه لها الظّروف، ينتقل بابن العائلة إلى مدار آخر يعتقد أنّه سيحقّق فيه لنفسه بعض الأحلام التي تراوده. ينساق إلى مشروع حكاية حب مع فتاة من مستوى أرقى، لكنّ تلك الأسلاك الشائكة التي أعتقد أنّه قفز فوقها تحيط به من جديد، وينتهي وقد تعلّم أنّ المال الذي تمنّاه لم يحقّق له السّعادة.
هذا المفاد ليس جديداً، لكنّه يختلف عن المفاد في «نشالون»، حيث سيبقى الوضع على ما هو عليه، وعن «كفرناحوم» حيث ستوفر عدالة البعض خلاصاً لائقاً ونهاية سعيدة (مفبركة في الوقت ذاته)، لمن شوهد وهو يعاني طويلاً في تلك الحكاية.
مع هذه البوتقة من الأفلام يمكن لنا أن نضمّ كذلك فيلمي البريطاني كن لوتش «أنا، دانيال بليك» (2016)، و«آسف، افتقدناك» (2019).
لدى لوتش الاهتمام ذاته بالمجتمع الدّوني، وجل أفلامه تتحدث عن رجال ونساء من الطّبقة التي لا تملك، وهي تحاول فقط دفع فواتير الحياة ووضع بعض الطّعام على الطاولة. «أنا، دانيال بليك» أنجز السّعفة الذهبية حينها، ولكن «آسف، افتقدناك» لم يفعل. نظرياً كان المزيد من الموضوع ذاته، على الرغم من إتقان لوتش الدائم لتفاصيل الحياة اليومية وإبطال مفعول المعالجة الدّرامية ومتطلباتها في مقابل نقل صدق الوضع الذي يصوّره.