أحمد الحناكي
مسلسل “العاصوف” السعودي، الذي يعرض على قناة “إم بي سي” بجزئه الثاني، يثبت أن العمل الجماعي يثمر عملا كبيراً، كما أن الثبات على فريق العمل يقود إلى التجانس بين أعضائه؛ فالمنتج والمخرج والمؤلف والمشرف والممثلون والممثلات لم يتغيروا، وهذا يقود إلى إثراء وعمق في المسلسل.
يأخذ بعض السعوديين على “العاصوف” أنه لا يمثلهم، وأن الفترة الماضية -التي كان المسلسل يمثلها- لم يكن فيها مثل تلك الأحداث التي يعرضها هذا العمل الدرامي، بل إنهم يرون أنها فترة “الزمن الجميل”، أي فترة التدين والأخلاق والقيم والمثل العليا. فهل هذا صحيح؟
لا أعرف من الذي أوهم الشعوب في كل أنحاء العالم بأنهم الأفضل، فالأميركي والأوروبي وسكان باقي القارات، يحملون هذا الإحساس نفسه، وهو أنهم متميزون عن غيرهم، ومن هذا المفهوم، لا يشذ السعوديون عن ذلك، وكرس هذا الشعور كوننا نحمل الشرف بأن المسجد الحرام والكعبة المشرفة يقعان في مكة المكرمة إحدى المدن السعودية.
من السهل تفنيد هذا الشعور (الأفضلية)، فبعض الصحابة غفر الله لهم، كانوا من بقع مختلفة من العالم، كبلال الحبشي أو سلمان الفارسي أو صهيب الرومي، وكذلك كان التابعون يتبعون مدناً أخرى، أصبحت لاحقاً دولاً مستقلة، كمصر والعراق والشام وبلاد المغرب واليمن. كما أن القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لم تكن تفرّق بين المسلمين إلا بالتقوى، فمن أين أتتنا حكاية “الأفضلية”؟
يقودنا هذا إلى أحداث المسلسل الذي يتحدث عن عائلة الطيّان، إذ يركز على الإخوة الثلاثة ومعهم زوجاتهم القريبات لهم أصلا وأبناء خالتهم وأخوالهم وكذلك والدتهم وأختها، فالمسلسل اتخذ هذه العائلة نموذجاً للعائلات، كون الأحداث التاريخية التي مرت بالمملكة منذ نشأتها على يد الموحّد، مرت بمخاضات مهمة، أثّرت في سلوكيات الناس وغيرتهم، وهذا أمر طبيعي. وبالتالي، فإن هذا المجتمع تتباين فيه السلوكيات، من خالد (ناصر القصبي) الذي يمثل العصامي الذي بنى نفسه بنفسه والمحب لعائلته ويتميز بالعقلانية والهدوء والتزام القوانين، على عكس محسن (عبد الإله السناني) المشاكس الجشع الأناني المحب للسفر والمغامرات وميله إلى المظاهر، فيما يميل أخوهم محمد (عبدالعزيز سكيرين) إلى الالتزام والمحافظة.
لم تكن هناك مفاجآت صاعقة في الأحداث، أي أن يكون هناك شيء لا يمكن حدوثه. ولعل بعض المعترضين لم يمرّوا بهذه الأحداث، وبالتالي استنكروها، فيما يخشى غيرهم من أن يسيء إظهارها في مسلسل تلفزيوني إلى صورة المملكة. أما الآخرون، فهم يعلمون بما حدث ولكنهم لا يريدون لأبنائهم أو بناتهم أن يستسهلوا الأمر أو أن يعتبروه أمراً طبيعياً.
من المؤكد أن القصبي والمجموعة التي معه، وصلوا إلى النضج الفني الاحترافي، بعدما كانوا في السابق مجرد مقلدين، وبرأيي أن كل أفراد الطاقم من دون استثناء، أجادوا أدوارهم، وإذا اعتبرنا أن الأدوار الرئيسة كانت للقصبي والسناني والسكيرين والحبيب وريم عبدالله، فإنهم كانوا قمما فنية لا تجارى.
في الأخير، أعتقد أن النص كان بحاجة إلى إثرائه من قبل صاحب السيناريو، إذ نفاجأ أحيانا بلقطات غير مكتملة أو غير مقنعة. وخلال السنوات الـ50 الماضية مرّت بنا أحداث، داخلية وخارجية، لو أفردنا لكل حدث منها مسلسلاً، لأنتجنا ثروة، مثل المد القومي الناصري، ثم انتصار 6 أكتوبر ضد الكيان الصهيوني، ثم الثورة الإيرانية، فحركة الجهاد الأفغاني، وبعدها مباشرة الحرب العراقية – الإيرانية، ثم احتلال الكويت من قبل العراق، فتحرير الكويت بواسطة الحلفاء، ثم الغزو الأميركي للعراق وإعدام صدام حسين، وأخيرا “الربيع العربي” الذي لا نزال نعيش إرهاصاته. أما داخليا فحركة جهيمان، و”تنظيم القاعدة”، والعمليات الإرهابية، ثم حرب الحلفاء ومعهم الشرعية اليمنية ضد جماعة الحوثيين التي تعد الطاغية داخلياً.
بتصوري إننا بحاجة إلى الاستعانة بالكتاب السعوديين، وكذلك الضليعين بالحركات الإسلامية والمعاصرين للأحداث، فضلا عن العسكريين والقطاعات الأمنية، لنخرج بنصوص متميزة. ومن دون شك، ليس بالضرورة أن يكون النص يعكس الواقع تماماً، فلا بأس من تطعيمه بالخيال. ولعل تجربة رأفت الهجان و”ليالي الحلمية” وقبلهم “ثلاثية” نجيب محفوظ – بين القصرين وقصر الشوق والسكرية – أصدق مثال وتعبير عن ذلك.
المصدر: صحيفة الحياة