عبدالله القمزي
شاهدنا منذ عامين فيلم Get Out للكاتب والمخرج الأميركي من أصول إفريقية جوردان بييل. الفيلم الذي ناقش موضوع العنصرية وحاز إعجاباً منقطع النظير وترشح لجوائز أوسكار عدة منها أفضل فيلم لعام 2017.
«غيت آوت» الذي لم يُخفِ رسالته في سؤال: هل ستتجاوز أميركا عنصريتها؟ وظّف الغموض حتى وصل إلى نهايته ثم تحوّل إلى مجموعة أفلام أخرى أبرزها The Stepford Wives. أي إن بييل بدأ بفيلم مختلف وانتهى بالمألوف.
يعود بييل اليوم بفيلم Us «نحن»، وهو فيلم رعب طموح من نوعية غزو المنازل، وفي هذا الفيلم يعود مرة أخرى إلى المنطقة الملغومة نفسها ليناقش العنصرية والطبقية وأحقية الامتياز في المجتمع الأميركي. في الفيلمين بييل يضيع في النهاية، إذ من الواضح أن الرجل لديه الكثير من الأفكار يحاول ربطها كلها في أقل من ساعتين؛ والنتيجة ليست بالضرورة تحفة فنية.
عائلة ويلسون وهي سوداء مكونة من أديليد (لوبيتا نيونغو) التي تجاوزت محنة في طفولتها منذ 32 عاماً (مشهد المقدمة) واليوم هي زوجة وأم لطفلين. زوجها غيب (وينستون دوك – في ثاني تعاون مع نيونغو بعد بلاك بانثر) والطفلان زورا (شاهادي رايت) وغريب الأطوار جيسون (إيفان أليكس) الذي يرتدي قناعاً على شكل مخلوق يشبه الذئب.
تتجه العائلة لقضاء عطلة على شاطئ سانتا كروز وهو المكان نفسه الذي تعرضت فيه أديليد لمحنتها. في أول ليلة ينطفئ نور الفيلا، وعندما ينظر الأربعة خارجها يرون عائلة أخرى مكونة من أربعة أشخاص شابكين أيديهم بعضها ببعض في الظلام الدامس وينظرون إليهم.
العائلة الثانية مكونة من أشباه عائلة ويلسون، أديليد لديها شبيهة وكذلك غيب والطفلان، الفرق أن العائلة الأخرى ولنسمّها عائلة الظل ترتدي ملابس حمراء اللون، شبيهة أديليد تتحدث بصعوبة، والبقية إما صامتون أو يصرخون كأنهم مصابون بمشكلات عقلية.
من هذا المشهد يتضح اتجاه بييل في تقديم قصة عن طبقة المهمشين مجتمعياً الذين أجبروا على العيش تحت الأرض، وعندما وجدوا فرصة الخروج تبنوا أسلوب القتل والعنف لاسترجاع ما يعتبرونه حقوقهم.
عند اقتحام عائلة الظل إلى الفيلا نتمكن من مشاهدتهم بوضوح، فهم ليسوا نسخاً طبق الأصل من عائلة ويلسون. تسريحة شعرهم مختلفة وشبيه غيب يربي لحية ووجه شبيه جيسون مشوّه ويمسكون مقصّات حادة من الواضح أنها أداة قتل.
عندما تسأل أديليد شبيهتها ذات النظرة الزائغة التائهة الخاوية أي نوع من البشر أنتم؟ يأتيها الرد مباشراً: نحن أميركيون! مثلكم تماماً! هذه رسالة واضحة كالشمس عما يريد بييل قوله. فكرة توظيف مجموعات من البشر تشبه الزومبي متعطشة للقتل للإشارة إلى الطبقية ليست سيئة لكن ليست جديدة أيضاً.
هل تعيش في رغد من العيش مع عائلتك؟ هل تمتلك منزلاً جميلاً وتقود سيارة فارهة ولديك ما يكفيكم من الطعام، إذن كن شاكراً لله. فهناك غيرك من البشر بالكاد يتمكنون من البقاء على قيد الحياة من الفتات الذي يقتاتونه، وهذه الحالة ليست بالضرورة نتيجة غلطة منهم. هذه بالضبط رسالة بييل التي يعيد الإشارة إليها أيضاً من خلال آية من الإنجيل.
لدى عائلة ويلسون أصدقاء من البيض، جوش وكيتي (تيم هيديكر وإليزابيث موس) وحالتهما المادية أفضل من ويلسون، وحتى العائلة البيضاء تتعرض لهجوم من مخلوقات زومبي من أشباههم. «نحن» ليس ممتعاً في المشاهدة في كل أجزائه، فهو بعد أن يضمن اهتمام المشاهد يبدأ في التثاقل والإغراق في شرح فلسفي غير مفهوم للجميع أو فلنقل محاضرة مملة عن الطبقية مملوءة برموز ومشاهد راقصة تتقاطع مع مشهد أديليد تتقاتل مع شبيهتها، تتمنّى لو ينتهي بسرعة لأنك تريد مغادرة الصالة بعد أن وصلتك الرسالة قبل تلك اللحظة بوقت طويل.
الفيلم مملوء بالرموز والتشبيهات التي تتراكم بسرعة حتى بييل نفسه لا يتمكن من ربطها بالشكل الأمثل ولا في الوقت المناسب. كلما يتوسع بييل في الشرح يخرج الفيلم عن السيطرة لأن الرجل لا يريد إخافة أو إمتاع الجمهور بقدر ما يريد أن يُحاضر فيهم. يشير الفيلم أكثر من مرة وابتداء من مشهده الأول إلى حدث اسمه «أيادي عبر أميركا» جمع 6.5 ملايين أميركي عام 1986 واقفين متجاورين بشكل سلسلة شابكين أيديهم بعضها ببعض.
تبرع المتطوعون بمبلغ 10 دولارات للمشاركة في الحدث وذهبت التبرعات لمصلحة جمعيات خيرية تحارب الجوع والفقر. في الفيلم نرى عالم الظل الذي يبزغ لاحقاً بشكل أكبر ويذكر في نشرات الأخبار يتكون من مجموعات تقف بالضبط بطريقة المشاركين في حدث «أيادي عبر أميركا».
لكن من الصعب معرفة ماذا يحاول بييل قوله من خلال تلك الصورة تحديداً: هل مخلوقات الزومبي نسخ غير محظوظة من البشر؟ أو هل هم البشر أنفسهم دون أن يعلموا تلك الحقيقة؟ هل غضبهم الجامح أقوى من صوت العقل والحكمة لديهم مثلاً؟ وكأن بييل يقول إن غضبهم وحدهم مقارنة بانقسامات البشر.
لا يحوي «نحن» شيئاً جديداً باستثناء فكرته عن وجود عالم ظل تحت عالم البشر. لكن لو قارناه بنظرائه في صنف سينما الرعب، فلا جديد أبداً، شاهدنا الزومبي وغزو المنازل في مئات الأفلام من العقود الخمسة الماضية.
هناك مفاجأة آخر الفيلم قد لا تفاجئ لأنها مكررة والعمل عموماً لا ينجو من الكليشيهات! لكن نقول هذا الفيلم سينجح بسبب التسييس. «نحن» و«غيت آوت» بدايتهما أفضل من نهايتهما. وفرق كبير بينهما هو أن «غيت آوت» تمتع بعامل التشويق الذي صنع جو الفيلم المرعب، بينما افتقد «نحن» هذا العامل ربما بسبب زحمة الأفكار في رأس بييل ما سبب اختلالاً في التوازن. في النهاية، كيف يريدنا بييل أن نشعر حيال عالم الظل المحروم من أبسط حقوقه على رأسها أشعة الشمس ما جعلهم يتحولون إلى قتلة؟ أحياناً، أجمل الأفلام تكون غامضة لكن الغموض الناجم عن تفكير مبهم لا يصنع تحفاً سينمائية وإن كان جريئاً! شتان بين فيلم تفكر فيه وفي موقعك في الحياة، وآخر تفكر مراراً وتكراراً في ما يريد صانعه أن يقول من خلال شرح طلاسم مغلفة بما يظنه كاتبها حِكماً!
المصدر: الإمارات اليوم