رياض أبو عواد
قبل أيام، حضرت في سينما كريم في وسط القاهرة، فيلم “كفر ناحوم”، ثالث أفلام المخرجة اللبنانية نادين لبكي، الحاصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان الفرنسي.
نافس الفيلم في مهرجان الأوسكار على جائزة افضل فيلم اجنبي، وقد أثار الترشيح بحد ذاته جدلاً بين مشاهديه اللبنانيين والعرب على وسائل التواصل، الذين انقسموا بين الاحتفاء بهذا الوصول، وبين من يعتبرون أن وصول لبكي للمنصات العالمية يعود إلى الرضا عن مواقفها السياسية.
الفيلم يصور حياة المهمشين في المناطق العشوائية، محددا موقفا مسبقا في رؤيته للأحداث الدرامية، بالتقاط مشهد طويل، مصور من ارتفاع كبير لعمارات وشوارع مدينة بيروت، تنتقل الكاميرا بعد هذه اللقطة المطولة، إلى شوارع منطقة عشوائية، تعيش فيها أسرة الصبي زين بطل الفيلم.
هذا التصور الفوقي غير المدرك، يعكس نفسه على مجريات الفيلم، فتقدم تصوراتها عن حياة الأسر المهمشة في المناطق العشوائية من خلال العديد من الخطوط الدرامية، بتصوير تفاصيل حياة عائلة الصبي زين، في مكان مسكنها البائس، بإحدى المناطق العشوائية.
عائلة تعيش الفقر بكل ما فيه من تنويعات، تتصاعد الأحداث من خلال الصغير، العامل كصبي لدى أحد تجار المنطقة.
ويشكل عامل الربط بين كل الخطوط الدرامية في الفيلم، تصور حالات تفشي الأمية لدى الفقراء وشظف العيش وعمل الأطفال وزواج البنات اجبارا قبل البلوغ وحياة العاملات الأجنبيات في لبنان وملاحقتهن من أجهزة الأمن وشظف العيش وواقع السجون اللبنانية.
صور البؤس المتلاحقة، تخلق حالة من التعاطف مع أهالي هذه المناطق، لكنها تبقى فقط على السطح، دون الذهاب إلى العمق،
في كل الخطوط الدرامية التي يصورها الفيلم، يتم تقديم كل شيء ولا شيء ويبقى على الحافة في طرح الخطوط الدرامية المعروفة عن أهالي المناطق العشوائية عالميا.
وكان بالامكان التركيز على أحد الخطوط الدرامية في الفيلم، ومعالجته بعمق، خصوصا مع توفر عناصر كثيرة يمكن أن تشكل نمطا دراميا متميزا، منها علاقة الصبي مع الطفل الرضيع ابن الخادمة الإثيوبية، احد اهم عناصر الدراما في الفيلم، وأكثرها إبرازا على براعة لبكي في السيطرة على ابطالها.
يتعرف الصبي على الخادمة، بعد أن يغادر عائلته، إثر قيامهم بتزويج شقيقته البالغة من العمر 11 عاما، من التاجر الذي كان يعمل لديه، تشفق عليه، وتأخذه لمسكنها، وتوليه مسؤولية رضيعها، والرضيع نفسه إشكالية، لا تستطيع الإعلان عنه، لأن وجوده يتعارض مع القانون، وهي نفسها تقيم في البلاد دون سند قانوني.
العلاقة التي تنشأ بين الرضيع الإثيوبي والصبي اللبناني، لها جمالية خاصة في هذا العمل الفني، خصوصا بعد اعتقال الوالدة كونها مخالفة لشروط الإقامة، كان يمكن لها أن تكون مسارا دراميا رائعا للفيلم الطويل (ساعتان وبضع دقائق) بما يتيح فرصة لتوفير الكثير من المشاهد التي لا مبرر درامي لها.
ورغم أن الفيلم،حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان، ونافس على جائزة أفضل فيلم أجنبي في مهرجان الأوسكار، فهذا الموضوع ليس مؤثرا بالنسبة لي، فكثيرا من الأفلام الفائزة بجوائز من مهرجانات دولية، قد يرى الكثيرين فيها افلام متواضعة، بعكس بعض الأفلام التي يراها آخرون أكثر استحقاقا للجائزة، وتبقى في وعي الجمهور لسنوات طويلة أكثر من أفلام الجوائز.
ورغم اعجابي الشديد بقدرة نادين لبكي، في إدارة أداء الصبي والرضيع، إلا أن افتعال الأحداث، وتشظي الشخصيات المحيطة بالصبي حتى السذاجة، يترك انطباعًا بأن الأثر كان له أن تكون أكثر عمقا، لو تم حذف الكثير من هذه المشاهد المفتعلة بدون أن تؤثر في مساره الدرامي.
تبقى الثغرة الأكبر في الخطوط الدرامية للفيلم في سطحية الرؤية بتحميل الفقراء مسؤولية فقرهم وجهلهم وعشوائية حياتهم، دون أية إشارة إلى المسؤولين عن الحالة التي وصلها هؤلاء، من حكومات وطبقات ناهبة لثروات البلاد.
ويبرز ذلك في مشهد مطالبة الصبي بمحاكمة والديه، حتى لا ينجبا، فتصبح قضية إنجاب الفقراء هي القضية، هذه السطحية في التعامل مع قضية المناطق العشوائية، التي أصبحت تؤرق العالم كله، وأصبحت دلالة فاضحة على عدم توفر العدالة الاجتماعية، ودلالة على تزييف الوعي بشكل غير مسبوق، في تبرير نهب البلاد لمصالحة الأقلية، بحماية من السلطة السياسية والدينية والمزييفين للوعي من المثقفين.
المصدر: الغد