ناجح حسن
غدت السينما العربية الجديدة، التي بدأت صالات العرض المحلية تعرض نماذج من إبداعاتها، على خلاف قواعد واحكام العرض السائدة، وجهة لكثير من رواد وعشاق السينما، وذلك لما تتضمنه من طروحات إنسانية وأساليب جمالية جريئة.
في الآونة الأخيرة استطاع العديد من أحدث نتاجات السينما العربية من نوعية الإنتاج المستقل، أن تزاحم أفلاما عالمية على شبابيك التذاكر في الصالات المحلية وتتواصل عروضها لأسابيع بعد أن ظلّت صالات العرض المحلية، أسيرة لنماذج الفيلم السائد الذي يصنع ويصور في استوديوهات هوليوود، والتي تدور في فلكه البعض من افلام القارة الآسيوية: بومباي والفليبين وسيؤول وسواها كثير، حيث أغلبية ما ينجز فيها من أفلام لا تتعدى دائرة مغامرات البطل الفرد أو التي تنهض على المواقف الكوميدية والدعابات المجانية وتقنيات الابهار اللوني والمؤثرات السمعية البصرية الفارغة من المضامين واللقيات الإبداعية.
إن أفلاماً على غرار: «ذيب» للأردني ناجي أبو نوار، و«واجب» للفلسطينية آن ماري جاسر، و«دمشق حلب» للسوري باسل الخطيب، و«يوم الدين» للمصري ابو بكر شوقي، و«كفر ناحوم» للبنانية نادين لبكي، شقت طريقها إلى الصالات المحلية في محاولة للانعتاق من نمط شروط التوزيع الدارجة.
ولم يكن ذلك سهلا على صناع تلك الأعمال، التي كانت تجد سابقا طريقها للعرض عبر احتفاليات سينمائية دورية داخل احدى صالات العرض التي جرى تخصيصها لافلام وتجارب ابداعية متنوعة–صالة سينما الرينبو – التي حرصت على تقديم عروض أفلام مختلفة آتية من سائر أرجاء المعمورة، وعرضت بنجاح جملة من الافلام بشقيها التسجيلي والروائي المتباينة الطول وذلك من خلال التعاون مع افراد ومؤسسات ومراكز وسفارات تعنى بالفعل الثقافي على غرار: الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ومؤسسة عبد الحميد شومان، جميعها أخذت على عاتقها تقديم عروض سينمائية ذات سمات انتاجية ونوعية غير مألوفة، حظيت على شهرة واسعة بفعل ما شكلته عروضها الأولى في مهرجانات وملتقيات السينما العربية والعالمية، وكرّستها أقلام النقاد وعشاق الفن السابع كعلامات مضيئة في فضاءات الفن السابع الرحبة.
وما كان من الممكن ان تحتل هذه النماذج من السينما العربية موقعها اللائق في خريطة المشهد السينمائي العربي او في بلدان العالم الثالث، لولا براعة صانعيها من بين المخرجين الشباب العائدين للتو من كلياتهم وجامعاتهم داخل اوطانهم او من بلاد المهجر الأوروبي في انجلترا وفرنسا وكذلك من أميركا، وهم الذين اخذوا على عاتقهم النهوض بصناعة سينماتهم المحلية بالغواية والشغف في تحرر نادر من قواعد العرض والانتاج والتوزيع السائدة.
تنهل تلك الأفلام مجتمعة موضوعاتها من واقع صعب مثقل بهموم افراد وجماعات باشكال من السلوكيات والفقر والحروب والكوارث والامراض نجح فيها صناعها متسلحين بأطياف من المخيلة الخصبة برفد منجز السينما العربية باشتغالات بديعة تمزج بين التسجيلي والروائي: مستلهمين خطى ونتاجات الافلام التي تنهج اساليب السينما الفقيرة التي درجت عليها السينما في بلدان العالم الثالث في قارات آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا.
وكانت النتيجة أن أعادت تلك الأفلام البهجة والألق الى صناعة السينما العربية، التي خفت بريقها بفعل هجرة بعض صانعيها من اصحاب المواهب الى الخارج، كما انها استعادت حيويتها وانتعش نشاطها في السنوات العشر الماضية التي واكبت دخول القرن الحادي والعشرين ودخول تقنيات السينما الحديثة، كمحطة انطلاقة للشباب والهواة ممن يتطلعون الى ولوج عالم الأطياف.
حاليا تنجز السينما العربية المستقلة، ما بين العشرة إلى الخمسة عشر فيلما روائيا طويلا كل عام، وقد يتزايد حينا، وان مثل هذا الاندفاع في صنع الأفلام.. مكّن العديد من المخرجين الشباب من تغذية ذائقتهم السمعية والبصرية عبر الاحتكاك المباشر مع اركان صناعة السينما العالمية، عندما اقبلوا بشكل لافت على تصوير افلامهم الضخمة في بلدان مثل الأردن والمغرب ودبي والقاهرة وتونس، مدفوعين بمناخات سحر الشرق والتسهيلات او لرغبة في تقليص وتوفير ميزانية الانتاج، ومن هنا أخذت عجلة صناعة الفيلم التسجيلي والروائي القصير تتغذى على هذا العناق السينمائي بين ثقافتين مختلفتين.
ويحسب للسينما العربية المستقلة بلوغها هذه المكانة الرفيعة في سينمات العالم، انها جاءت وليدة لقدرات ومواهب لعشاق حقيقيين للسينما، تعرفوا وتذوقوا جماليات مفردات وعناصر اللغة السينمائية في مؤسسات من داخل بيئاتهم المحلية، وهو ما انعكس على افلامهم لاحقا ووفر لها مثل هذا الحضور الآسر في ملتقيات ومهرجانات الفن السابع.
ويرجع التطور الذي شهده إنتاج هذه النوعية من الأفلام إلى الدعم الذي تخصصه بعض الدول العربية لقطاع السينما وإلى ظهور منتجين مغامرين في القطاع الخاص قرروا خوض تجربة الاستثمار في حقل العمل السينمائي.
ومع تباين حجم إقبال رواد الصالات على هذه النوعية من عروض السينما المستقلة، نظرا إلى توافر إمكانية الفرجة من خلال القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الحديث، الا ان وجودها في سوق الصالات يزيد من حمى التنافس ويتيح الفرصة لصناعة افلام الشباب في النهوض والتطور والجمالي والدرامي يترقب انجازاتها الكثير من النقاد والناس العاديين، لما تمتلكه من جرأة في طرح قضايا ومواضيع اثيرة ومتنوعة منها ما يتعلق بقضايا المرأة والبطالة والهجرة والفقر بالاضافة الى التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية مدعمة بفطنة وبراعة صانعيها وحرفيتهم بأصول الإمتاع والبهجة.
المصدر: صحيفة الرأي