خالد القشطيني
وهذا هو عنوان البرنامج الظريف الذي تقدمه قناة «المصرية» وتستعرض فيه شتى الأفلام والأغاني القديمة التي أصبحنا نَحِنّ إليها. فالحنين والقدم من العناصر الأولية لأيامنا الحلوة. بالإضافة إلى ذلك، تتميز تلك الأيام بمرحلتها الانتقالية ودخول الجديد في القديم. هكذا كانوا في مصر يسحروننا في صناعة الأفلام والأغاني الجديدة.
تميزت تلك المرحلة بسعي الشركات العالمية لإدخال منتجاتها الطريفة والجديدة وإشاعة استعمالنا لها. هكذا كان الأمر في العراق وسائر البلدان العربية. بذلت السلطات والشركات الإنجليزية جهودها لإقناعنا باستعمال الكهرباء والتليفون والغرامفون وأخيراً الراديو. حتى شركات السينما لقيت صعوبات في إشاعة منتجاتها. لم تكن في بغداد غير دارين للسينما في العشرينات وأوائل الثلاثينات، رويال سينما وسنترال سينما، وكلتاهما قريبة من الأخرى في شارع الرشيد.
ولاقى أصحابهما مشقة في جذب الزبائن. كثيراً ما عرضوا الفيلم والمقاعد خالية من الجمهور. اضطر المالكون إلى استئجار طائرة من جمعية الطيران العراقية في الباب الشرقي لتقوم بإلقاء المناشير جواً على الجمهور يعلنون فيها عن آخر ما لديهم من أفلام، ويحثون الناس على المجيء والمشاهدة، وبالطبع دون أن يذكروا في المنشور ثمن التذكرة. وعند ملتقى شارع الرشيد بشارع المأمون، رأيت رجلاً واقفاً على الرصيف مقابل سينما رويال يضرب بالطبل الكبير (الدمام). يضرب فيه ويصرخ بأعلى صوته: «هلموا لمشاهدة هذا الفيلم الناطق العظيم، أكبر فيلم لطرزان يصارع التمساح».
وكان الفيلم الناطق شيئاً يهز الجمهور. ففي ذلك الزمن من أيامنا الحلوة كانت الأفلام السينمائية صامتة. وكان هذا سر تميز أفلام شارلي شابلن. فهذا نجم سينمائي كان يعتمد على الحركة الصامتة بدلاً من الحوار والغناء. وبدلاً من الاعتماد على الطائرات كان أصحاب السينما يستأجرون حمالاً في السوق يحمل لوحة كبير ومصورة عن الفيلم المعروض ذلك اليوم، ويوزع الحمال المنشورات على المارة. «أكبر فيلم عالمي ناطق».
لقد حلوا مشكلة النطق، لكن حلّت محلها مشكلة الترجمة. فقد كانت معظم الأفلام المعروضة أجنبية وتنطق باللغة الإنجليزية. عالجوا المشكلة بوضع شاشة صغيرة بجانب الشاشة التي تعرض الفيلم. وعلى هذه الشاشة الصغيرة كانوا يعرضون ترجمة باللغة العربية لما يقوله الممثلون في الفيلم. كثيراً ما تأخر صاحب الترجمة في تمرير النص والحوار، ويجد المشاهدون أنفسهم يتابعون حوار مشهد آخر. وحالما يكتشف بعض الجمهور هذا التناقض يبدأون في الصراخ على المترجم ويشبعونه شتماً ولعنة. نايم»؟! وهو بدوره يسارع إلى تغيير شريط الترجمة إلى مشهد آخر، ولا يملك الجمهور غير أن يتأقلموا على المشهد، ويدمدموا ويلعنوا ويتناقشوا في التفسير!
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط