سوليوود «وكالات»
يرى مختصون في مجال السينما وفي الطفولة عموما أن غياب سينما عربية مخصصة للأطفال، يعبر عن أزمة ثقافية وفنية مرشحة للاستمرار خلال السنوات القادمة. وتتعدّد أوجه الأزمة المستمرة لسينما الأطفال في العالم العربي، حيث لا يوجد حتى الآن ما يمكن اعتباره صناعة سينمائية موجهة للأطفال قائمة بنفسها أو لها ملامح، بل إن أزمة سينما الأطفال في الدول العربية تمتدّ إلى ما هو أعمق من هذا بكثير، وذلك بحسب صحيفة العرب.
وتطال هذه الأزمة الإطار النظري الذي يعمل القائمون على بعض التجارب السينمائية الموجهة للأطفال ضمنه، حيث يختلط الأمر على العاملين في بعض التجارب السينمائية القليلة الموجهة للأطفال إذ يعتقدون أن السينما الموجهة للأطفال هي السينما التي يقوم أطفال ببطولتها أو التمثيل فيها، وهو مفهوم غير علمي وغير عملي، ولا يتطابق على أرض الواقع مع بعض التجارب العربية القليلة في هذا المجال.
ويتعرّض الأطفال إلى مخاطر متعددة الأبعاد نتيجة لغياب سينما أطفال احترافية ومستقلة في العالم العربي، من أهمها أن تعرضهم لسينما غربية تتضمّن قيما وأفكارا ومبادئ غريبة عنهم ومن بين العدد الكبير من الأفلام السينمائية الغربية فإن تلك التي تستهدف الأطفال العرب تعد قليلة ونادرة.
ونتيجة لغياب أفلام سينمائية عربية موجهة للأطفال يتعرّض أطفالنا لموجات من التأثير، وتنقل لهم قيم غريبة عنهم عن طريق الأفلام السينمائية الغربية التي تحمل مضامين وثقافات وقيما تخالف القيم العربية والإسلامية، وهو ما يعرّض الصغار في نفس الوقت لشكل من أشكال الاغتراب نتيجة تأثّرهم بما يعرض عليهم من أفلام غربية تستهدفهم، وتسبّب لهم تضاربا وحيرة بين ما يتلقونه من قيم ومبادئ وأفكار في بيئتهم المحلية، داخل أسرهم وفي مدارسهم وفي الأوساط الاجتماعية المحيطة بهم، وبين ما يتعرّضون له من أفكار غريبة عنهم وعن المجتمع الذي يعيشون فيه والتي تقدمها السينما الغربية.
ويطالب الناقد السينمائي محمود قاسم بتوفير فرصة لكي تنتعش صناعة سينما الأطفال، ويقترح على سبيل المثال أن يتم رفع قيمة أسعار شراء أفلام الأطفال من جانب الفضائيات.
ويحذّر من التأثير الخطير لأفلام الأطفال الأجنبية على الأطفال العرب، معتبرا أن مثل هذه الأفلام تنشر بين الأطفال العرب أفكارا وثقافات ومبادئ غريبة عن الثقافة السائدة في العالم العربي القائمة على المبادئ والقيم العربية والإسلامية.
كما يلفت في نفس الوقت إلى الخلط الواضح لدى القائمين على ثقافة الأطفال بين الأفلام التي يقوم الأطفال بالتمثيل فيها وبين أفلام سينما الأطفال، ويقول “من الممكن أن يقوم الأطفال بالتمثيل في أفلام موجهة للكبار، والعكس أن يمثّل الكبار في أفلام موجهة للأطفال”.
إحدى أهم الصعوبات التي تعرقل صناعة السينما الاحترافية للأطفال في العالم العربي، هي أنه لا يوجد على وجه الدقة من يعرف أو يدرك كيف يفكر الأطفال أو ما هي القضايا التي تشغل بالهم
وتشير الناقدة زينب حسن الإمام إلى إحدى أهم الصعوبات التي تعرقل صناعة السينما الاحترافية للأطفال في العالم العربي، وهي أنه لا يوجد على وجه الدقة من يعرف أو يدرك كيف يفكر الأطفال أو ما هي القضايا التي تشغل بالهم؟ كما أن من يحاولون العمل في مجال سينما الأطفال لا يفكرون كما يفكر الأطفال، وهو ما يعكس حالة من عدم الاتساق بين القليل الذي ينتج من أفلام موجهة للأطفال، وما يريده هؤلاء الأطفال فعلاً.
وتشير الإمام إلى ضرورة الاهتمام بالبحوث التي تقيس اتجاهات الأطفال، وتقترح إنشاء هيئات خاصة لإنتاج سينما الأطفال، وتؤكد أن هناك من يفهم خطأ أن الأطفال يريدون من السينما الموجهة لهم أن تضحكهم، ولكن في حقيقة الأمر الأطفال على صغر سنهم لهم مشاعر وقضايا وهموم، وهم يريدون من يعبر عن هذه القضايا والمشاعر والهموم من خلال سينما خاصة بهم، بالإضافة إلى المعرفة التي من الممكن أن يشعروا بها أو يستفيدوا منها من خلال مثل هذه الأفلام.
ويتفق أستاذ علم النفس التربوي سعيد منصور مع رأي الناقدة الفنية زينب الإمام حول عدم معرفة القائمين على صناعة سينما الأطفال بما يفكر فيه هؤلاء الأطفال، ويعتبرها إشكالية أخرى، بجانب عيوب البحث العلمي في ما يتعلّق باستطلاع آراء الأطفال في الأعمال المخصّصة لهم، خاصة ما يتعلّق بمسألة التأكد من صدق الإجابات التي يدلي بها الأطفال في استطلاعات الرأي المخصّصة لهم، ليس لأن الأطفال كاذبون.
ولكن لأن الأطفال قد يفهمون الأسئلة بطريقة مختلفة في ضوء خبراتهم، وبالتالي يقدمون عنها إجابات لا تتفق مع الأغراض التي وضعت هذه الأسئلة من أجل قياسها، كما أن بعض الأكاديميين قد يغرقون في الأكاديمية بما لا يناسب طبيعة تفكير الأطفال.
ويطالب منصور بضرورة الاهتمام بسينما الأطفال من ناحيتين؛ زيادة عدد الأفلام المخصّصة لهم، وكذلك التعاون بين الباحثين والأكاديميين بفعالية لتقديم أعمال فنية مفيدة وموجهة، ولا تخضع لمجرد المصادفة.
ومن جانبها، تؤكد أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة حلوان، سلوى عبدالباقي أنها من خلال العديد من الدراسات التحليلية التي قامت بها واستمرت لأكثر من عشر سنوات، اكتشفت أن الأطفال يستطيعون استيعاب العديد من المضامين الثقافية التي قد ينظر البعض إليها على أن فهمها صعب عليهم.
وتوضح أنه من خلال أكثر من دراسة أجريت على أطفال من مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية ظهر التقارب الشديد بين أسلوب تفكير وتطلّعات هؤلاء الأطفال، بالرغم من تباين مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدة في نفس الوقت أن الأطفال في العصر الحالي لا يمكن خداعهم أو تقديم مضمون لا يرغبون فيه، ودفعهم إلى التفاعل مع هذا المضمون.
وتؤكد عبدالباقي على ضرورة الاهتمام بتوجيه صناعة السينما لتكون مثمرة ومجدية في حياة الطفل وبديلا له عن التعرّض للأفلام الغريبة عن ثقافة ومجتمع الطفل العربي، وهي أفلام تقدّم مضامين وثقافات وقيما لا تتناسب مع البيئة العربية والإسلامية.