طارق الشناوي
هل تم تدشين طارق لطفى بطلا سينمائيا قادما؟ الإجابة هى نعم، ولكن قبل أن نصل إلى تلك النقطة المحورية، يجب إضافة أن طارق هو نجم الخطوة خطوة، هؤلاء الذين لم يصعدوا بقفزة واحدة، تواجدهم فى المقدمة يصبح أكثر رسوخا، لأنهم فى اللحظة التى يملكون فيها المكان يحققون المكانة، تشعر أنهم يتقدمون الصفوف، فى التوقيت المناسب، أنه النضوج الذى يكتمل على نار هادئة، حتى نُصبح جميعا شهودا عليه.
قبل أن نستكمل يجب أن نتوقف أمام أهم ما فى تلك المكانة التى وصل إليها طارق، وهى أنها تظل مشروطة، بعمل فنى، هو قطعا الآن اسم جاذب، لشركات الإنتاج لإنجاز المشروع الفنى، إلا أنه بمفرده لن يستطيع أن يضمن تلك الإيرادات المليونية، التى تعلن عن نفسها فى شباك التذاكر، فهو يساهم بقسط طبعا وافر، من خلال قدرته على الجذب إلا أنه يظل الممثل أولا قبل النجم، وهذا يعنى أن الأساس هو العمل الفنى الذى يسمح بأن يستخدم موهبة الممثل لتحقيق الجذب، وللتوضيح، نجومية محمد رمضان والتى تستطيع أن تضعها تحت توصيف الوهج الذى يسرق العين مباشرة، هذا الوهج يسمح له بأن يتصدر الأفيش محققا رواجا فى الأسابيع الأولى، مهما كان المحتوى الذى يقدمه، ثم بعد ذلك يتحدد مصير العمل بقوة الشريط الفنية، بينما طارق، لا يمكن أن تتجسد نجوميته بعيدا عن العمل الفنى، وهكذا جاء فيلم (122) يملك مقومات الشريط السينمائى الجاذب.
الفيلم يملك شاشة غنية بتفاصيلها الإبداعية، مخرج قادر على أن يشعرنا مجددا بأن لدينا فنانا يمتلك أدواته، بعين تنفذ بعمق فى تحديد اللقطة واختيار الحجم والزاوية وتسكين ممثليه، وصناعة فيلم بعناصرة الجاذبة مرئيا وسمعيا، وهكذا أطل علينا المخرج العراقى ياسر الياسرى، وفتحت له مصر ذراعيها كعادتها مع كل الموهوبين فى مختلف المجالات، لتستقيم المعادلة الصحيحة وهى أن السينما تساوى المخرج،عندما أسند البطولة لطارق لطفى كان مدركا لتلك الومضة الجماهيرية، التى تميز بها لتضمن توفر هذا الخيط السحرى مع الجمهور، إلا أنه إطار سينمائى مشروط، وهكذا وجدنا توظيفا جيدا لعدد من النجوم مثل أحمد داوود وأمينة خليل مع محمد ممدوح فى مشاهده القليلة.
الرهان على طارق لطفى بدأ قبل 27 عاما عندما التقطته عين المخرج عاطف الطيب فى فيلم (دماء على الأسفلت)، وذلك بمجرد تخرجه من معهد المسرح، رحل الطيب مبكرا ولم تكتمل المسيرة، ثم جاءت له فرصة أخرى عندما شارك فى بطولة فيلم (صعيدى فى الجامعة الأمريكية) فى دور الصديق الثانى لهنيدى بجوار السقا عام 1998، كان المرشح الأول للدور شريف منير، إلا أن شريف وقتها كان يرى أنه لن يقف خلف محمد هنيدى، وأنه الأولى بالبطولة، وهكذا جاءت الفرصة لطارق لطفى، فلم يحقق من خلالها النجومية، بينما من شاركوا هنيدى حققوا بعدها قفزات جماهيرية مثل أحمد السقا ومنى زكى وغادة عادل وفتحى عبدالوهاب، ظل طارق (محلك سر)، الموجة لم تنضبط بعد على مشاعر الناس، حتى انتقل إلى ملعب الدراما التليفزيونية بطلا مشاركا فى عدد من المسلسلات، ثم بطلا مطلقا فى مسلسل (بعد البداية) ليحمل بعدها لقب (الحصان الأسود) فى الدراما، بعد أن تأكدت قدرته فى الحصول على كثافة مشاهدة عالية، لتكتمل المسيرة لطارق عندما يعاود التواجد على شاشة السينما، يبدو وكأن الشاشة الصغيرة الثانوية العامة ومن يحقق مجموعا كبيرا ينتقل لكليات القمة، وكما حدث مع أمير كرارة العام الماضى فى (حرب كرموز) تكرر مع طارق لطفى فى مشواره السينمائى مع (122) وعرفت الإيرادات الطريق إليهما.
علميا نحن بصدد فيلم أكشن يقف على مشارف سينما الرعب، لقد تحير كُثر من الزملاء فى تصنيف الفيلم، خاصة أننا كثيرا ما نسرف فى إطلاق تعبير فيلم الرعب على أفلام لا تقترب أبدا من هذا المسمى، فى الحقيقة وبدون الدخول فى متاهة التعريفات، فيلم الرعب كما أراه، هو الذى يشارك فيه المتلقى بالقسط الأكبر فى الدخول إلى تلك الحلبة الشائكة، حيث إنه لا يتعامل بمنطق مباشر لا مع الشخصيات أو الدراما، فهو يتجاوز عن قانونه الخاص ليمنح نفسه تماما لقانون الفيلم، حالة فيلم الرعب تعنى أن المتفرج يلعب دورا فى اللعبة السينمائية، فهو ليس فقط متلقى سلبيا، يندمج تماما فى عمق الحدث الذى يعنى أنه فى كل لحظة من الممكن ان يفاجأ بأن من تصورت نهايته وقد استيقظ وأكمل، الشخصيات التى تتجاوز القدرات البشرية فى العنف، واحدة من سمات تلك الأفلام، وهكذا مثلا طارق لطفى، الذى يبدو فى لحظة وقد غادر الحياة ولكنك تكتشف أنه يتجدد مرة أخرى لتكتمل اللعبة فإن المقابل له أحمد داوود يظل أيضا قادرا على أن يستعيد الحياة والقوة برغم أنه فى لحظات يبدو أمامنا وقد ودع الحياة، كما أن البحور العائمة من فيضان الدماء التى تتناثر هنا وهناك، واحدة من السمات العامة، كذلك نظرات الممثلين أحيانا تتجاوز المنطق مثلا تابع الممرضة فى المستشفى التى أدت دورها جيهان خليل، وهى بكامل مكياجها، وقبلها الرجل الذى يسأله احمد داوود البطل الموازى فى الفيلم عن الطريق. قبل الحادث الذى تعرضا له، نظرة الرجل وكأنها إنذار لنا بأن هناك شىء ما غامض قادم.
بداية الأحداث فى ممر موحش، وداوود تغرس قدمه فى مسمار طويل وهو يحاول نزعه، يبدو وكأنه كابوس، إلا أنه لا يستيقظ منه، الأبطال جميعا فى لحظات يقتربون من النهاية والقتل هو المصير المحتوم، لتكتشف أنها البداية، الانتقال فى لحظات بين الموت والحياة، اختيار المشرحة قطعا تلعب دورها فى تعميق إحساس الرعب، وهكذا نرى أحمد الفيشاوى الذى يؤدى دور الطبيب، وهو يمسك بقلب بارد المشرط لينتزع داخل المشرحة كبد أو قلب أو عين، فهو يعمل لحساب طارق لطفى فى تجارة بيع الأعضاء وهو ما كان مقررا أن يحدث مع أحمد داوود، إلا أنه عندما يكتشف أنه لا يزال يتنفس، فلا يستطيع استكمال الجريمة، وهو ما يتكرر مع أمينة خليل، يلعب السيناريو على المكشوف عندما نرى المسدس فى بداية مشاهد المشرحة داخل درج مكتب أحمد الفيشاوى، وكأنه يمهد لاستخدامه عندما يزداد الصراع سخونة وضراوة.
البطلة أمينة خليل من الصم وتستعين بسماعة تساعدها على التجاوب بقدر المستطاع مع الآخرين، وفى نفس الوقت فإن من يقترب منها يبدأ فى تعلم لغة الإشارة ولا تستشعر كمتفرج بأى قدر من الملل، الحوار تستمع إليه وتراه أمامك فى نفس اللحظة، وهكذا تتعدد المستويات فى التلقى. يضيق زمن الفيلم وهو بالتحديد زمن تلك المطاردة والتى شارك فيها أحمد داوود مع زوجته أمينة خليل الحامل التى كتب كتابه عليها، وتلك المعلومة الدرامية كان من الذكاء فى السيناريو الذى كتبه صلاح جهينى بدرجة حرفية عالية، بالفعل أن يتم حسمها، حتى لا تتحول إلى سؤال يشغل بال الجمهور عن مصير الطفل القادم، والفضيحة التى من الممكن ان تواجه البطلة، وهنا نكتشف أن المؤشر فى التلقى انتقل بعيدا عن الهدف. الفيلم تصدر طارق لطفى الأفيش، إلا أنك لن تنسى أحمد داوود بدرجة قبول وحضور عالية فهو يمتلك طلة خاصة، تحقق حالة ساخنة مع الجمهور، وأمينة خليل تقف حاليا على قمة الأداء الهامس، موسيقى سيف عريبى تشارك فى البطولة، برع مدير التصوير أحمد كردوس فى رسم حالة الترقب بالإضاءة، وأكدها مونتاج عمرو عاكف، لم يقدم محمد لطفى وأحمد الفيشاوى، أى بصمة، (122) فيلم حقق الهدف فى إمتاعنا من خلال شاشة نسجت من الرعب إبداعا!.
المصدر: المصري اليوم