سوليوود «القاهرة»
لم يكن يوسف شاهين مخرجا عاديا في استخدامه للموسيقى والغناء والاستعراض في أفلامه، بل كانت بطلة في أفلامه، منذ بدايته في بابا أمين وعلى مدار تاريخه السينمائي. وذلك كما ورد في موقع مصراوي.
قد يختلف الكثيرون مع المخرج، الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم، فيما يخص مستوى أعماله أو جودة السيناريوهات أو الأفكار التي يطرحها، لكن ربما يكون هناك شبه اتفاق على أنه أفضل من وظف الموسيقى والغناء والاستعراض في الأفلام.
والأمر لا يتوقف فقط على الأغاني أو الاستعراضات أو حتى الموسيقى التصويرية المصاحبة لأعماله، بل كان إيقاع حركات أبطاله نغمات تطرب، حوار قد يجعلك تتمايل أو يسقطك في حالة من الشجن أو يأخذك إلى ملتقى العاشقين.
تفرد شاهين في هذه المساحة، حتى إن أفلامه الغنائية في بداياته كانت مختلفة عن موضة أفلام المطربين المسيطرة في الخمسينيات والستينيات.
إذ راجعت تاريخ المخرج الأكثر جدلا في تاريخ السينما ستجد أنه تعاون مع مطربين كثر، بل اكتشف بعضهم أو منحهم مساحة جديدة، وأن أغانيهم في أفلامه باقية حتى الآن.
فلنبدأ مع فيلم بابا أمين “1950”، الذي كتب قصته، لم تكن بطلته مطربة، فهو من بطولة فاتن حمامة مع حسين رياض وفريد شوقي، لكنه جعل منها مطربة ذات صوت جميل، وتحايل على الأمر بأن ركب على صوتها غناء إحدى المطربات.
وفي فيلم ابن النيل “1951” كان الاستعراض والغناء حاضرا مع سمحية توفيق، أما سيدة القطار “1952” فقد قدمت ليلى مراد عدة أغانٍ وكان أبرزها إخراجيا ” يا بهية وخبريني” وأجاد شاهين إحداث تناغم بين بطلته وبين الكوارل المكون من فلاحي القرية، وقدمها في صورة جميلة وكأنه “فيديو كليب” لأغنية.
الاستعراض والغناء كان حاضرا بإخراج وإيقاع يجذب، ويجبرك أحيانا على إعادته مرة بعد أخرى في فيلم “المهرج الكبير” الذي قدمه مع يوسف وهبي وفاتن حمامة عام 1952، وفي أغنية “يا عريس الهانم”، لأن من يغنون هم عمال القصر، استخدموا أدوات المطبخ في العزف، وكرر ما فعله مع فاتن حمامة في “ابن النيل”، ولكن هذه المرة مع وداد حمدي.
في 1953 قدم “نساء بلا رجال”، وكانت بطلته هدي سلطان وغنت بالفيلم أيضا، وكانت موسيقى “على الظاهري” بطلا حقيقيا في فيلم صراع في الوادي “1954”، تشحنك منذ بداية الفيلم.
لأول مرة يجمع شاهين بين مطرب ومطربة في أفلامه كان فيلم “ودعت حبك” عام 1956 لشادية وفريد الأطرش، على أنغام الموسيقى العسكرية يبدأ الفيلم وعلى شريطه يغنى البطلان منفردين، وتجمعها أغنية “احنا لها” الوطنية.
وحين تعاون الثلاثي مرة أخرى أخرجوا درة من درر السينما المصرية، فيلم “أنت حبيبي” 1957 الذي يعد ترسيخا لاهتمام وولع شاهين بالغناء والموسيقى والاستعراضات والرقصات، ولا شيء دليل على ذلك سوى أن أغانيه حتى الآن باقية بقوة، وتحولت لجزء مهم من تاريخ بطليه شادية وفريد الأطرش.
فيلم جميلة “1958” السياسي رغم أحداثه الملتهبة لم يخلو من استعراض، وأيضا فيلم “بين ايديك” جمع بين رقص برلنتي عبد الحميد، وغناء سيد إسماعيل. وفي عام 1965، قدم شاهين “بياع الخواتم” مع المطربة فيروز وهو فيلم غنائي.
تقديم الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي في فيلم عودة الابن الضال “1976”، دليل على أن الفكرة لدي شاهين لم تكن حشو أغنية أو استعراض في أفلامه، لكنه شغف وحب بالموسيقى، وصولا لأدق تفاصيل الألحان.
وفي 1982، يقدم منير على شاشة السينما لأول مرة حتى لو كان بدور صغير من خلال دور مطرب يؤدي أغنية “حدوتة مصرية”، وشارك شاهين نفسه في الغناء في فيلم إسكندرية كمان وكمان “1990”.
وربما يكون استعراضات محسن محي الدين في فيلم اليوم السادس “1986”هي قمة ما قدمه شاهين من إخراج للاستعراض، كذلك غنى منير وقدم دور المراكبي.
“ترقص…….. ارقص غصب عني ارقص”، بسبب هذه “السكتة” بين الكلمتين في أغنية “على صوتك بالغنا” وصل الأمر بين المخرج يوسف شاهين والملحن كمال الطويل، إلى تهدد الأخير، الأول بالسجن، وأصر يوسف على موقفة بوجود صمت بين الجلمتين، حتى اتفقا أن تظل هكذا بالفيلم، وتنزل بالألبوم كما أراد الملحن بوجود جملة لحنية بين الكلمتين، هذه التفصيلة الصغيرة تكشف مدى اهتمام “جو” بالأغاني في أفلامه، ليس هذا فحسب بل كاشفة عن شخص يفهم جيدا في الموسيقى، فهذا الصمت يعتبره البعض أفضل ما في الأغنية، ويعطي حالة من الترقب قبل إكمالها، أما المطرب محمد منير، الذي قدم الأغنية فحصل على مساحة جديدة في عالم السينما.
وعاد للتعاون مرة أخرى مع ماجدة الرومي من خلال فيلم الآخر “1999”، التي قدمت من خلاله أغنية “آدم وحنان”.
وتجربة جديدة ليوسف شاهين مع مطربة أخرى وتجربة جديدة في التلحين، هذه المرة مع لطيفة في فيلم سكوت ح نصور “2001”، ولم يكتف بالإخراج بل لحن لها أغنية “قبل ما”.
وختاما مع ” إسكندرية نيويورك “، الذي قدم فيها فنا جديدا على أفلامه هو “الباليه” مستعيناً بنيللي كريم، والفنان أحمد يحيى.
وفي كل هذه الأفلام وغيرها مما لم تذكر، كانت الموسيقى التصويرية حاضرة وبقوة وبطل بين أبطال عمله، على سبيل موسيقى “الأرض”، وتعاوناته الناجحة مع الموسيقار فؤاد الظاهري في عدة أعمال بينها “باب الحديد”، و”صراع في الوادي”.
من هنا كانت البداية
في هذا السياق قال المخرج أمير رمسيس إن بداية اهتمام شاهين بالسينما كان من خلال إعجابه بأفلام الموسيقى الكوميدية في هوليوود، مضيفا: “جزء الاستعراض والغناء كان مؤثرا عليه في فترة المراهقة، أحب السينما من هنا”.
وأضاف: “حتى حين تغير اتجاه السينمائي في الستينيات، لا يخرج من الشكل الموسيقي الذي يفضله، والموسيقى في أفلامه ليست مرتبطة فقط بالإغاني، لكن استخدامه للموسيقى التصويرية بشكل مختلف عن السائد”.
وتابع: “حتى في المشاهد التي لا تحوى موسيقى، تجد إيقاعا في حركة الممثلين أمام الكاميرا”.
وردا على فكرة عدم تقديم شاهين أفلام موسيقية، أوضح أن الفيلم الموسيقى ليس فقط الذي يعتمد حواره على موسيقى، لكن قد يكون الفيلم الذي يعتمد في جزء من حبكته على الموسيقى أو من خلال الاستعراضات، مضيفا: “أعتبر فيلم “إنت حبيبي” فيلما موسيقيا، هو أول فيلم يعرض الاستعراض الموسيقى بشكل مختلف في السينما العربية، فيلم مجدد، وكذلك عودة الابن الضال، وفيلم إسكندرية كمان كمان، واليوم السادس”.
وعن إصراره في الاعتماد على مطربين ومطربات، حتى لو اتسم أداؤهم بالضعف، قال: “شاهين كان معني بصناعة ممثل، لا يهتم بالعمل مع نجم محقق، قد يكون نجح كتير أو أخفق، لكن يحسب به محاولاته، ويكفي أن أقدم منير وماجدة الرومي”.
وشدد على أن شاهين كان شخصا يفهم في الموسيقى بشكل جيد جدا ولديه قدرة على الحكم على الأصوات، وتابع: “لما تكون قدامه أغنية مكتوبة يقدر يحدد مين المطرب المناسب زي أي ملحن، وكان يستطيع إحداث مواءمة بين ما يريده من الشخص كمطرب وكممثل، بالحد الذي يرضيه، وأرى أنه نجح لحد كبير، وهو كان مشغولا بالتجريب”.
وعن لماذا لم يستغل وجود داليدا غنائيا في فيلم اليوم السادس، أوضح أن سعاد حسني وفاتن حمامة رفضا الدور، حاول شاهين التفكير خارج الصندوق وظهرت داليدا ربما يكون بحكم قربهما أو بهدف تجربة جديدة.
وأكد أن شاهين لم يكون يطوع السيناريو لوجود استعراضات أو أغاني، بل كانت الموسيقى لغة يتحدث بها.
أما الناقد طارق الشناوي قال إنه كتب يوسف شاهين مايسترو ضل طريقه للسينما، هو موسيقار كبير وأفلامه مهما اختلفنا مع الرؤية أو التتابع الدرامي الذي يقدمه، لكن الحس الإيقاعي لديه كان قويا بسبب الموسيقى.
وأضاف أن ثقافته الموسيقية شرقية جدا وغربية جدا، مثما يفهم ويحب السنباطي وعبدالوهاب، هو أيضا لديه في بيتهوفان وغيره، لافتا إلى شاهين حول اللقطات إلى قطع موسيقية.
وتابع: “الشاشة عند يوسف شاهين تسمع من فرط جمال إيقاعها، وهو أيضا لحن للطيفة غنوة وهذا دليل على عشقه”.
واستطرد: “عنده دايما بطل يغني يرقص يلعب باليه أو موسيقى، مهما بدت ملامح الفيلم، فنحن أمام حالة موسيقية”، مشيرا إلى أن قمة استخدام يوسف شاهين للموسيقى التصويرية.
وتابع: “مثلا في فيلم العصفور يذهب لمنطقة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم”، موضحا أنه حتى اختياره للمطربين لم يكن تقليديا مثل اختيار ماجدة الرومي في عودة الابن الضال.
وأشار إلى أن ما حرمنا منه شاهين هو عمل “أفلام موسيقية كاملة”، لافتا إلى أن فيلم الاختيار كان مرشحا له عبد الحليم حافظ، وربما كان وقتها سيخرج بشكل موسيقي مختلف.
وتابع: “لو طبقنا العلم لن نجد فيلم موسيقي في تاريخ يوسف شاهين، أما فيلمه مع فيروز فهو فيلم غنائي.
وأشار إلى أنه حتى حينما دخل فيلم غنائي تقليدي مثل “أنت حبيبي” كان مختلفا عن السياق السائد، مضيفا أنه لديه قدرة على اقتياد المطرب كممثل.