سوليوود «عمان»
يصور المخرج ورنر هيرتزوغ في فيلم» فويتشيك»، الذي تعرضه لجنة السينما في مؤسسة شومان في السادسة من مساء اليوم، حياة المجند فويتشك، وهو إنسان بسيط يتصرف في حياته باندفاع أقرب إلى الرعونة وتتحكم به الهلوسات. الفيلم مقتبس عن قصة للكاتب جورج بوتشنر بدأ كتابتها في العام 1935، لكنه توفي قبل أن يتمها ولقد اعتمد فيها على وقائع حقيقية تتعلق بشخص هو كريستيان فويتشك حُكم بالإعدام ونُفّذ فيه الحكم سنة 1824 م (كان جنديا وحلاقا) لأنه قتل صديقته التي كان يعيش معها، ولقد اعتمد محامو الدفاع عنه على كونه مصابا بمرض نفسي ولا يجوز إعدامه.
لقد أثرت هذه القصة بهيرتزوغ كثيرا ورأى فيها إدانة للمجتمع الذي يقود الناس إلى الجنون أحيانا، فبدأ بإخراج هذا الفيلم مباشرة بعد انتهائه من إخراج فيلمه «نوسفيراتو». قام بالدور الرئيسي بالفيلم الممثل كلاوس كينيسكي، ولقد أبدع كينيسكي في تقمص شخصية فويتشك المعقدة.
يبدأ الفيلم بفويتشك وهو يقوم بتمريناته الرياضية مرتديا كامل لباسه العسكري ونراه يقوم بحلاقة ذقن قائده الذي، كما لو كان يتحدث لنفسه، يقول: ما الذي يميز الإنسان الصادق؟ ثم يوجه حديثه لفويتشك قائلا: أنت دائما تتحرك باندفاع وأيضا لك طفل من صديقتك دون زواج شرعي. لكن فويتشك وبغير تفكير يبدأ بالدفاع عن الطفل مستشهدا بإنجيل «متّى”: «دعوا الأطفال يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات»، فيوضح له القائد أنه هو المقصود وليس الطفل، ويرد فويتشك أن الفقراء لا يحتاجون إلى الأخلاق وأن معاناتهم في الدنيا والآخرة واحدة، ويعود القائد لاتهامه: أنت تفتقر للفضيلة، فيجيبه فويتشك أن لا فضيلة عند الفقراء وهم فقط يستجيبون لما يعرض عليهم. ويختصر القائد كلامه قائلا له: أنت مصاب بمس والإنسان السوي هو من يتمسك بالفضيلة ويصرفه أمرا إياه بالخروج بهدوء مندفعا.
من هذه الحوارات وحوارات أخرى تأتي في سياق الفيلم نتعرف على شخصية فويتشك التي من خلالها ومن خلال تصرفاته يدين هيرتزوغ المجتمع. ومما يجدر ذكره أن الحوار في القصة التي كتبها بوتشنر كان أطول بكثير لدرجة لا يحتملها الفيلم، مع العلم أن المخرج كان يحاول أن يكون مخلصا للنص بقدر الإمكان.
في أحد مشاهد الفيلم نشاهد فويتشك مع زميل مجند يقومان بصنع عصي للقائد من أغصان شجرة، فيسأل فويتشك فجأة زميله:» هل تسمع الأصوات التي أسمعها؟»، ويصطحبه لخلف الأشجار لاكتشاف مصدر هذه الأصوات ولكن لا شيء هناك، فيستغرب المجند ويتساءل: أما زلت تسمعها؟ وهنا يرد فويتشك: لا كل شيء هادئ كما لو أن العالم قد مات.
يعيش فويتشك مع صديقته وله منها طفل، وفي إحدى المرات بينما كانت تقف في شباك شقتها مع صديقة تراقبان عبور فرقة موسيقية للشارع يلفت نظرها كبير قارعي الطبول ونشاهد في الفيلم تطور العلاقة بينهما.
من شخصيات الفيلم أيضا طبيب يقوم بإجراء تجاربه على فويتشك آملا بثورة علمية. يلوم هذا الطبيب فويتشك لأنه يبول على الجدار في الشارع مثل كلب فيرد عليه أنه ببساطة يلبي دعوة الطبيعة.
تضعنا إجابات فويتشك وتصرفاته أمام شخصية كاريكاتيرية قد يتعاطف البعض معها فيما البعض الآخر سينظر لها بسخرية فقط، هذه الشخصية التي يقول عنها القائد إنها كحد السكين ويحذره من أن يجرح شخصا ما.
يكتشف فويتشك تطور العلاقة بين زوجته وقارع الطبل، الأمر الذي يؤثر فيه كثيرا ويزيد هلوساته ويصل إلى نتيجة يحدّث نفسه بعدها بصوت مرتفع «إن الجنود خلقوا فقط لقتل الآخرين».
في أحد المشاهد النهائية في الفيلم نشاهد فويتشك يخرج من المكتب حيث يعمل قاصدا مراقبة صديقته فيجدها ترقص في البار مع قارع الطبل ويطلب منها الاستمرار. عندما تصل الأمور بفويتشك للحد الذي لا يحتمله يصطحب صديقته إلى البحيرة مخفيا معه سكيناً وهناك يستل السكين ويقتلها ويرمي بالسكين ثم يعود للبار حيث يصادف امرأة يطلب منها أن تغني له وان تجلس على حضنه ويقول لها: إنك دافئة ولكنك ستصبحين باردة بعد ذلك.
يعود فويتشك مرة أخرى للبحيرة لإخفاء السكين في مكان أكثر عمقاً وينتهي الفيلم بمحققين يبحثون بظروف هذه الجريمة ومن هو مرتكبها.
لقد هزت هذه القصة الكثير من الفنانين الموسيقيين والمخرجين فكانت موضوعا للأوبرا ولأكثر من فيلم.
المصدر: جريدة الرأي الأردنية