محمد عبد الرحيم
رغم الأفلام القليلة التي قدمها المخرج أسامة فوزي (19 مارس/آذار 1961 ــ 8 يناير/كانون الثاني 2019)، إلا أنه حاول دوما تقديم رؤية مختلفة لما تمثله السينما من فن يهتم بالوعي في المقام الأول، بدون المُشاع عنها أنها فن استهلاكي، خاصة في ظل نظام إنتاج في مُجمله مهما ادّعى لا يجد في السينما سوى بديل شرعي عن الكباريه.
ورغم اختلاف مستوى الأفلام التي قدمها فوزي، إلا أنها استطاعت التعبير عن وجهة مختلفة، لا تقلد أحدا، محاولة مناقشة القضايا الاجتماعية في شكل فلسفي أكثر عمقا من حكاية وشخوص وأماكن. تخرّج أسامة فوزي في المعهد العالي للسينما قسم اﻹخراج عام 1984. قدّم أول أفلامه «عفاريت الإسفلت» عام 1995 و«جنة الشياطين» 1999 ثم «بحب السيما» 2004، وكان فيلمه الأخير «بالألوان الطبيعية» عام 2009.
في كل من فيلمي «عفاريت الإسفلت» و«جنة الشياطين»، وقد كتبهما الكاتب مصطفى ذكري، والأخير عن رواية «الرجل الذي مات مرتين» لجورج آمادو، لا تبدو الشخوص ولا الحكاية خاصة بمجتمع أو زمن معيّن، قدر مناقشتها لقضايا وجودية أكبر، الحياة والموت، ومباهج الحياة وقدر الألم الذي نقايض به هذه المباهج. الأمر أكثر ارتباطا بـ (الحرية)، وثمنها المعروف سلفا، تبدو شجاعة الاختيار في الخطر المصاحب لهذا الاختيار، الخطر الدائم، الذي يبدو للآخرين شرا لا يمكن تحمّله. فجنة الشياطين تقتصر على مخلوقات اختارت أن تعيش بعيدا عن الآخرين، خالقة عالما يليق بهم وحدهم. فـ»طبل» أو منير رسمي سابقا في عالم الأسرة والمجتمع الأشبه بالسجن، يبدو حرا ويمارس هذه الحرية حتى بعد موته، عن طريق الحكايات التي تتواتر عنه، رغم وجوده كـ»جثة» بين رفاقه. هنا تصبح كل الموبقات ــ في عرف الآخرين ــ لحظات سعادة وتحققا للوجود، هذا الوجود الذي لا يعرفه الكثيرون، عائلة منير على سبيل المثال، التي لا يهمها سوى إقامة جنازة تليق بوالدهم، بدون اعتبار للرجل، فقط للحفاظ على سمعتها التي انتقم منها بطريقته، حتى وهو ميت.
يبدو الأمر كذلك في «عفاريت الإسفلت» هناك حياة سريّة يتحلق حولها الجميع، ويحرصون عليها في تواطؤ مزمن، فهناك تاريخ لا يمكن ولا يستطيعون التخلي عنه أو نسيانه، فمجرّد التفكير في بيع البيت الذي يجمعهم، يصرخ الجميع معا «لا». فمن الذي سيتذكّر، ومَن الذي سيحكي بعد ذلك. المسألة مسألة وجود، ورغم هذه القضايا المعقدة، إلا أن الإطار السردي لم يكن على شاكلة هذه الأفكار، بل حكاية يمكن التواصل معها وتأويلها حسب وعي ورؤية المتلقي.
لم يتحقق في الفيلمين السابقين الانتشار إلا في أوساط محدودة، أوساط المثقفين أو المتثاقفين أو حتى مدّعي ثقافة. لكن فيلم «بحب السيما» ربما كان الأكثر شهرة بين أفلام أسامة فوزي، نظرا لعدة أشياء، منها أنه للمرّة الأولى يتم تناول حياة أسرة مسيحية بأدق تفاصيلها ــ وكأن الأقباط كائنات غريبة مُبهمة لا نعرف عنهم شيئا، وهو الواقع بالفعل ــ ثانيا موقف رب أسرة متشدد يجد في الجنس خطيئة يفعلها مضطرا، مما يسبب الكثير من المشكلات لزوجته، التي بدورها تعمل مُدرّسة للرسم، وترسم أعمالا تخفيها خشية زوجها، الذي يرى كل شيء حراما. ورغم أن فوزي استوحى الإطار العام للفيلم من الفيلم الإيطالي «سينما باراديسو»، إلا أنه نجح في ربط تطور شخصية الزوج بأحداث مصر في الستينيات، من انتصارات وهزائم، وصولا إلى خطاب التنحي الشهير لعبد الناصر. الأمر الأهم هنا هو العلاقة مع الله، فهل هي خوف من نيران غضبه؟ أم أملا في رحمته؟ وهل يمكن فهم وتفسير الكثير من النصوص التي اتخذت صفة القداسة على أنها ضد حياة الإنسان، هذه الحياة القصيرة جدا، والتي لا تتحمّل كل هذه القيود، التي أولا وأخيرا يفرضها الإنسان على نفسه، فيكون بعيدا عن الله، قدر المسافة التي رسمها له الآخرون.
المصدر: القدس العربي