بعد ما يقارب أكثر من نصف قرن، أعادت والت ديزني إحياء ماري بوبينز، فأطلت المربية الخيالية على الشاشة الفضية من جديد، لتهبط من السماء، فوق أسطح منازل لندن التي تعلوها أوراق الأشجار المتساقطة، وهي تحمل حقيبتها الشهيرة في يد ومظلتها الناطقة في اليد الأخرى، لتعود إلى منزل عائلة “بانكس” وتساعدهم مرة أخرى بمنحهم الحب وكل الاهتمام بعد 25 عاما مضت على غيابها، وذلك كما ورد في موقع الاقتصادية.
يبدو أن النجمة إيميلي بلانت، تسير على خطى جولي آندروز في اتجاهها نحو الأوسكار حيث فازت آندروز بجائزة الأوسكار عام 1965 عن دورها في الفيلم الأصلي، وها هي اليوم بلانت تحجز لها مكانا متقدما في حلبة التناقس على تلك الجائزة العالمية، من خلال تجسيدها شخصية الكاتبة الإنجليزية ماري بوبينز، في فيلم “عودة ماري بوبينز” Mary Poppins Returns للمخرج روب مارشال، حيث استطاعت أن تلفت أنظار النقاد إليها في أول عرض للفيلم الذي انطلق في صالات السينما حول العالم، لتأتي الردود إيجابية حيال أدائها.
ومن اللافت هنا أن مارشال كان قد اقترح على الممثلة جولي أندروز أن تقدم دورا بالفعل في “عودة ماري بوبينز” لكنها رفضت احتراما لوجود بلانت ووصفتها بأنها ممثلة رائعة واختيار مثالي تماما لدور بوبينز.
منذ عرض فيلم “ماري بوبينز” الجزء الأول، المقتبس عن رواية باميلا ليندن ترافرز، ورغم أن الرواية لحقتها سبع روايات عن مربية أسرة “بانكس”، لم يجرؤ أحد على إنتاج فيلم آخر. إلى أن جاء المخرج روب مارشال ليقدم الجزء الثاني للفيلم، وتعود معه ماري بوبينز لتطل على الشاشة.
في منزل آل بانكس
تدور أحداث الفيلم الغنائي العائلي في لندن خلال فترة الكساد العظيم، بعد 25 عاما من رحيل مربية الأطفال ”ماري بوبينز” عن عائلة بانكس، ووداعها أبناءها “جين، مايكل” وقد تركتهم في خير حال مع أبيهم الحنون. لكنها الآن تضطر إلى العودة بعد أن كبر الطفلان، وقد أنجب مايكل بدوره ثلاثة أطفال، لتساعد الأسرة في محنتها عقب الوفاة المفاجئة لزوجة مايكل، حيث تأخذ الأسرة إلى مستوى جديد من المغامرات.
إذن يشكل هذا الفيلم تكملة للفيلم الأمريكي الموسيقي “ماري بوبينز” للمخرج روبرت ستيفنسون، الصادر عام 1964، حيث يستحضر الفيلم الجديد جانبا من سيرة الكاتبة الإنجليزية التي أطلت أيضا في عام 2013 بفيلم “إنقاذ السيد بانكس” للمخرج جون لي هانكوك، حيث وصفها النقاد آنذاك بـ “السيدة التي عذبت والت ديزني”.
ولا تزال النسخة الجديدة من الفيلم تحتفظ بوجود الطفلين مايكل وجين اللذين قامت “ماري” برعايتهما في الفيلم الأول، لكنهما كبرا الآن “يلعب دوريهما بن وايشو وإميلي مورتيم”، وما زال مايكل يعيش في البيت الجميل الذي عاشت فيه أسرة “بانكس” في الفيلم الأول، حيث هناك الحديقة المقابلة والأدميرال المتقاعد في الجوار.
ويظهر مايكل بشخصية الشاب الذي يكافح من أجل تربية أولاده الثلاثة منذ وفاة زوجته المفاجئة بعد مرض طويل أنفق خلاله الكثير حتى اقترض من المصرف الذي كان والده يعمل فيه. وبدون سداد الدين في بحر أسبوع سيطرد هو وأولاده الثلاثة وسيؤول بيت “آل بانكس” إلى آخرين. في خضم حزن العائلة، تهبط “ماري” إيميلي بلانت من السماء، وقد جاءت لتأخذ الأطفال في جولة في لندن بينما يسعى مايكل وجين إلى إيجاد وثيقة الأسهم على أمل حماية الأسرة من التشرد. ولا تغيب خلال أحداث الفيلم فكرة أن أمام الأسرة وقتا محدودا، فيضفي ذلك قلقا على جو الفيلم حتى إن رقصت ماري والأطفال مع بطاريق من ورق، وقفزت بين مغامرة وأخرى.
يسير فيلم “عودة ماري بوبينز” على خطى الفيلم الأول دون مفاجآت أو تغيير للمكان أو إشارة محتملة إلى حياة المربية قبل رعايتها أطفال أسرة بانكس، ولقد كان متوقعا أن يظهر خلال سنوات فيلم يعرض حياة “ماري” في مدرسة للمربيات قبل عملها لدى أسرة بانكس. لكن الاختلاف الذي يذكر هو أن تاريخ القصة انتقل من عام 1910 إلى ثلاثينيات القرن الماضي؛ لتضطلع ماري بوبينز برعاية أبناء الأبناء.
وتشارك في الفيلم أيضا النجمة الأمريكية ميريل ستريب وكذلك النجم ديك فان دايك الذي لعب دور منظف المداخن بيرت في الفيلم الأصلي. ورغم أنه الآن في 92 من عمره إلا أنه يظهر بكامل اللياقة التي كان عليها دائما، إذ يعرض لقطة له وهو يرقص فوق منضدة. أما شخصية بيرت، الذي يحمل في هذا الفيلم اسم جاك، فيؤديها مغني ومؤلف موسيقى الراب لين مانويل ميراندا الذي ألف ووضع موسيقى المسرحية الغنائية “هاميلتون”.
تجسيد الشخصيات
يمزج الفيلم بين الشخصيات العادية والرسوم المتحركة ليعيد إلى الأذهان ما كان يعد تطورا في منتصف الستينيات، وفي ذلك إحياء لطريقة تقليدية لأفلام التحريك لم تعد تستخدم على نطاق واسع منذ فيلم ”ويني الدبدوب “winnie the pooh عام 2011. واعتمد الفيلم الأصلي على قصص ماري بوبينز للأطفال للكاتبة ب. ل. ترافرز التي اعترضت على تناول والت ديزني قصصها بإدخال الرسوم المتحركة في الفيلم، إلا أنه حقق نجاحا كبيرا وأصبح من كلاسيكيات السينما.
ويتضمن الفيلم، بدلا من أغنية “دعونا نُطيّر طائرة في الهواء!”، أغنية أخرى مختلفة وهي عن الإمساك ببالون؛ وبدلا من القفز داخل رسم على الرصيف تقفز الشخصيات داخل طبق من الخزف؛ وبدلا من زيارة عم ماري الذي يطير في السقف تزور المجموعة قريبتها “توبسي” ميريل ستريب، التي تقف على السقف حين ينقلب البيت رأسا على عقب. تقدم Mary Poppins Returns أيضا على موسيقاها الأصلية بالكامل من تأليف مارك شيمان وسكوت ويتمان. إنها واحدة من أروع الترتيبات الموسيقية السينمائية الجديدة في وقت ما، التي تسحب أفضل العروض من فريق التمثيل، وتضيف غرابة معينة إلى الفيلم، وتتدفق بشكل جيد مع نوع الموسيقى التي نتوقعها من فيلم Mary Poppins .
أما “ساندي باول” مصممة أزياء الفيلم الحاصلة على ثلاث جوائز أوسكار فقد أعلنت أنها نفذت 448 زيا لاستخدامها في الفيلم، تظهر اختلافه عن الجزء الأول الذي تدور أحداثه في عصر الملك إدوارد.
في الواقع إن فيلم “عودة ماري بوبينز” ليس الحالة الأولى التي تعيد فيها “ديزني” إنتاج أحد أفلامها الكلاسيكية القديمة، أو تقدم جزءا جديدا منه وسيشهد العام المقبل عرض النسخة الجديدة من فيلم “الأسد الملك” The Lion King بعد أن عُرض أول مرة عام 1994. إلا أن اللافت في “ماري بوبينز” الأول فهو من إنتاج عام 1964، أي أن هناك فاصلا زمنيا طويلا بينه وبين الفيلم الجديد تتجاوز 54 عاما، مسجلا أطول فترة بين إنتاج الفيلم الأصلي والتتمة.
ديزني والأوسكار
يذكر أن الجزء الأول من الفيلم قد نال حين عرضه آنذاك 13 ترشيحا لجائزة الأوسكار، فاز منها بالفعل بخمس جوائز، من بينها أفضل ممثلة دور رئيسي، وجاء ترتيبه السادس لأفضل فيلم غنائي في التاريخ حسب تصنيف معهد الفيلم الأمريكي.
ويشار أيضا إلى أن عام 2013 شهد عرض فيلم “إنقاذ السيد بانكس” الذي تتناول أحداثه كواليس صناعة فيلم “ماري بوبينز”، وكان من بطولة توم هانكس، إيما تومسون، كولن فاريل، وإخراج جون لي هانكوك، وحقق نجاحا كبيرا.
وكانت شركة ديزني قد أعلنت عن مشروع الفيلم عام 2015، وبدأ تصويره بالفعل في شباط (فبراير) 2017، حتى حزيران (يونيو) من العام نفسه. لكن الفيلم احتاج إلى عام إضافي من أجل إنجاز المؤثرات الصوتية التي تلعب دورا مهما فيه. وتم تصوير الفيلم في “شيبرتون ستوديو” في العاصمة البريطانية لندن، حيث جرى تصوير عديد من الأفلام المهمة مثل “هاري بوتر وسجين أزكابان، حرب النجوم، لورانس العرب”.
وحقق التريللر الأول للفيلم الموسيقي الجديد “عودة ماري بوبينز”، مليوني مشاهدة في يوم واحد من طرحه على موقع يوتيوب، واحتل المرتبة الثانية في الأسبوع الأول بعرضه في الصالات السينمائية بإيرادات بلغت 22.2 مليون دولار.