إبراهيم العريس
في مقال في جريدة الحياة تحدث الكاتب عن فيلم “مونيكا” لإنغمار برغمان، يقول: في واحدة من أجمل لقطات فيلم «الضربات الأربعمئة» (1959) للفرنسي فرانسوا تروفو، يطالعنا بطل الفيلم المراهق وهو يسرق من على واجهة صالة سينمائية محلية صورة دعائية تمثل هارييت أندرسون بطلة فيلم «مونيكا»، الذي إن لم يكن أول أفلام السويدي إنغمار برغمان الكبيرة، فإنه كان بالتأكيد الفيلم الذي عرّف العالم السينمائي الأوروبي أولاً بالطبع، على ذلك المخرج الآتي من بلاد الصقيع. وسيكون «مونيكا» بالتأكيد الفيلم الذي افتتح الحداثة السينمائية العالمية ولو بلقطة واحدة، ستصبح واحدة من أجمل لقطات السينما وأغربها، واللقطة التي سيغرم المشاهدون بفضلها بتلك الصبية الحسناء التي سيسرق مراهق فيلم تروفو صورتها. فماذا في تلك اللقطة؟ عملياً لا شيء استثنائياً سوى وجه هارييت وهي تنظر بتحدّ واستعطاف وثقة ولؤم في آن معاً، إلى الكاميرا أي إلى متفرجي الفيلم. وكانت تلك النظرة هي الجديد الذي أضفى حيوية استثنائية على الفيلم، واصلاً بلعبة التماهي بين البطلة والمتفرجين إلى حدود التواطؤ المدهش.
> قبل «مونيكا» كان برغمان وطوال سبع سنوات مرت على بداياته السينمائية، معروفاً بصورة محدودة داخل بلاده، وربما في أوساط النقد الأوروبي؛ لكنه مع «مونيكا» بات ذا شهرة عالمية. ومع هذا إذا استثنينا تلك اللقطة الغريبة، قد نعجز عن أن نجد في الفيلم ما يبرر تلك المكانة التي ستكون له. ولا حتى في مجال دعوته الصريحة الى حرية المرأة والتعايش مع الحياة كما هي، وهما موضوعان لا بأس من القول إنهما كانا يعيشان بداياتهما السينمائية في تلك السنوات تحديداً – النصف الأول من سنوات الخمسين-. فالفيلم يتحدث عن حكاية غرام بين شاب عامل وفتاة بائسة، يضطران كي يعيشا غرامهما، إلى الهرب من ضغوطات الأهل والحياة الاجتماعية السائدة، إلى جزيرة صغيرة يمارسان فيها حياة منطلقة تتآخى مع الطبيعة. بيد أن الفتاة (مونيكا) سرعان ما تسأم ذلك النمط الجديد من العيش. وهي حين تعود إلى بلدتهما الصغيرة مجازفة بالعودة إلى حياتها الروتينية مع حبيبها وقد حملت بطفلهما، سترفض أن تمضي بقية حياتها مع حبيبها والطفل الذي تنجبه، فتترك الطفل مع الأب وترحل باحثة عما تعتقد أنه حريتها…
> هذا كل ما في الفيلم. من هنا فإن النقد لم يعره انتباهاً جدياً أول الأمر. غير أن جان – لوك غودار – وكان لا يزال في ذلك الحين ناقداً في «دفاتر السينما» لم يبدأ مساره كمخرج بعد – اكتشف ما هو جديد في لغة برغمان السينمائية، فكان مفتتح الحديث عنه ناهيك بأنه كان أيضاً من أوائل الذين اكتشفوا روعة هارييت أندرسون وجمالها وقوة إدارة برغمان لها… وبالتالي سيكون مشهد سرقة صورتها في فيلم تروفو صدى لـ «اكتشاف» غودار، وبالتالي تكريساً استثنائياً لفيلم برغمان الذي سرعان ما سيتبع «مونيكا» بكل تلك السلسلة من أفلامه الرائعة التي تمكنت من أن تجعله واحداً من أعظم مبدعي فن السينما في العالم.