سوليوود ( السعودية )
من المعروف أن الفن بعمومه، ومن بينه المسرح والسينما والموسيقى قد تعرض في الماضي إلى مصادرة اقترنت أحياناً باستخدام العنف والقوة متأثرة بغيوم التشدد الديني لتأصيل سيادة الثقافة التقليدية، بيد أن المشهد الثقافي والفكري الآن في السعودية بات يواكب المشاهد الثقافية في العالم العربي، ويتفاعل مع أبرز التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، منطلقاً من رؤيته للواقع ومقارباته المتقاطعة مع أطروحات كثير ممن ثاروا من المثقفين على واقعهم وتقليديتهم.
منصات إبداعية
اهتمت الرؤية بتطوير القطاع الثقافي في المملكة، وأسست مراكز حاضنة للإبداع ومنصات للمبدعين خلقت منها صناعة ثقافية تعنى بالفن والمسرح والسينما والأنشطة الفنية والتشكيلية حولت فيها الثقافة إلى عنصر رئيس للتواصل بين الناس، لتطوير البنية التحتية لقطاع الثقافة والترفيه، وتوسيع الخدمات الثقافية، فأصبحت جزءاً مهماً لتحسين مستوى معيشة المواطن السعودي، ورافداً حضارياً واقتصادياً للبلاد، وبداية للثقافة السعودية لتنطلق من جديد باعتبارها محركاً رئيساً للتحول الوطني نحو التنمية البشرية، حيث تجدد الاهتمام بإنشاء المؤسسات الثقافية، مثل وزارة الثقافة والإعلام، ثم تأسيس الهيئة العامة للثقافة في 7 مايو 2016 هيئة مسؤولة عن جميع الأنشطة الثقافية في المملكة، وهي تجربة إدارية جديدة مع وزارة الثقافة والإعلام. وأيضاً مؤسسة الملك عبد العزيز للموهبة والإبداع. وأصبحت الدولة داعماً لمختلف الفنون الثقافية المتنوعة لتعبّر عن إحساس الشباب بذواتهم وقدرتهم على الإبداع والتفكير خارج النسق، محلقين في مختلف الفنون، ليخلقوا منها فضاءات جديدة مزجت بين الرؤية البصرية وقوة الإنتاج وجودة المحتوى.
عناية بالتراث والتاريخ
بفضل الاهتمام بالثقافة بشكل عام، وحرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود على التراث الحضاري والتاريخي السعودي، تزايدت الجهود للعناية بالتراث والآثار، حيث تشرف الدولة على برنامج وطني شامل لإعادة استكشاف التراث الوطني وترميمه وتطويره، كما تم افتتاح ملتقى آثار المملكة العربية السعودية «الأول» في المتحف الوطني بمركز الملك عبد العزيز التاريخي في مدينة الرياض، وتدشين عدد من المعارض أهمها، معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» الذي تجول حتى الآن في 11 متحفاً عالمياً شهيراً في أوروبا والولايات المتحدة والصين وكوريا، ويحوي 466 قطعة أثرية نادرة تعرّف بالبعد الحضاري للمملكة وإرثها الثقافي.
ومن أبرز الأنشطة الثقافية في المملكة، إنشاء مجموعة من المتاحف التي تعرف بالآثار التاريخية ومراحل تطورها وحضارتها، ولتكون معلماً ثقافياً وحضارياً لزائريها وجاذباً سياحياً للقادمين من الخارج لتروي لهم قصص مجدها وتطورها منذ بداية تأسيسها: المتحف الوطني السعودي، متحف الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، متحف صقر الجزيرة، ومتحف المصمك في الرياض، متحف جدة، متحف عبد الرؤوف خليل، متحف النماص في الظهران.
مهرجانات
تم تأسيس عدد من المهرجانات التراثية والثقافية، حيث احتضنت مناطق السعودية نحو 280 فعالية تنظمها وتشرف عليها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تراعي الطابع الخاص لكل منطقة وبأنماط متنوعة ومنها: مهرجان الرياض للتسوق والترفيه، مهرجان الأسرة للنخيل والتمور، مهرجان أسبوع العلوم في الرياض، مهرجان الورد الطائفي، مهرجان الحارة المكية في مكة المكرمة، مهرجان جدة التاريخية، مهرجان جدة الغنائي في جدة، مهرجان البيضاء التراثي، مهرجان أضواء المدينة، مهرجان رضوى البري في منطقة المدينة المنورة. مهرجان جازان الشتوي في منطقة جازان، مهرجان كلنا نحب التراث في منطقة نجران. مهرجان صيف عرعر ومهرجان صيف رفحاء في منطقة الحدود الشمالية. مهرجان الزيتون ومهرجان التمور في منطقة الجوف، مهرجان حسانا فله، مهرجان الدوخلة، مهرجان الساحل الشرقي، مهرجان ريف الإحساء، مهرجان ليالي الحجاز في المنطقة الشرقة. مهرجان الصحراء رالي حائل في منطقة حائل. مهرجان الورد والفاكهة، مهرجان الدار دارك، مهرجان الوجه وجهتنا في منطقة تبوك. مهرجان المسوكف التراثي، مهرجان بريده للتمور، مهرجان الكليجا، مهرجان الغضا في منطقة القصيم. مهرجان أبها الغنائي، مهرجان العسل في منطقة عسير. مهرجان صيف الباحة، مهرجان العسل بالباحة في منطقة الباحة، وهي من أهم وأشهر المهرجانات التي تقام سنوياً بمناطق المملكة العربية السعودية.
ويعتبر اليوم الوطني للمملكة مناسبة عزيزة تنطلق خلالها، وفي كافة مناطق المملكة، احتفاءً بهذا اليوم التاريخي، مجموعة من الفعاليات المميزة، والتي تناسب أفراد الأسرة كافة، من خلال عدد من البرامج التي يتم تنظيمها من قبل الهيئات الحكومية والخاصة، وتضم لوحات من الفلكلور الشعبي وبعض الأنشطة الترفيهية والرياضية، والأمسيات الشعرية، فيما أصبح سوق عكاظ اليوم معلماً ثقافياً وسياحياً فريداً يتميز بإقامته في ذات المكان الذي يقع فيه سوق عكاظ التاريخي، ومهرجان الجنادرية التراثي المتجدد، من أبرز المعالم الثقافية المعاصرة لتحولات المشهد الثقافي في السعودية عبر تمرحلاته المختلفة.
معرض الرياض للكتاب
يعتبر معرض الرياض الدولي للكتاب أكبر المهرجانات التي ترسخ هوية الكاتب السعودي والعربي، وأيضاً معرض جدة الدولي للكتاب الذي انطلق في نسخته الثالثة، بمشاركة أكثر من 500 دار نشر محلية وخليجية وعربية وعالمية من 42 دولة عربية وإسلامية، ومهرجان «أفلام السعودية» الذي وصلت المشاركات السينمائية للشباب السعودي فيه إلى أكثر من 320 فيلماً عرضت من خلال ثلاث دورات سينمائية، حيث تأسست لجنة السينما السعودية مارس عام 2015 برئاسة فهد التميمي لتكون أول لجنة سينما سعودية تابعة لوزارة الإعلام (جمعية المنتجين والموزعين السعوديين لدعم صناع الأفلام والسينمائيين) للعمل تحت مظلة حكومية لنشر الثقافة السينمائية في المجتمع السعودي، وتهيئة بيئة سينمائية تسهل المهام المنوطة بهم، ومنها: انطلاق أول مسابقة أفلام سعودية وبشكل مهرجاني برعاية النادي الأدبي، تدشين مهرجان جدة للعروض المرئية وتحوله إلى مهرجان جدة للأفلام، ملتقى الأفلام القصيرة بالأحساء، والجهود التي قدمتها جمعية الثقافة والفنون للسينما، والمهرجانات السعودية.
وشهد هذا العام انطلاقة قوية للحفلات الغنائية والموسيقية وإعادة ألحانها بعد غياب كاد يئدها، حيث دشنت الفرقة السعودية الموسيقية في احتفالية سوق عكاظ، للمرة الأولى منذ تأسيسه، وبدعم الهيئة للفرقة الوطنية الموسيقية، بعرض موسيقى حي.
دعم الأدب
يحرص خادم الحرمين الشريفين على تجديد المشهد الثقافي السعودي داعماً الأدباء والمثقفين الذين ساهموا في إبراز ملامح الثقافة العربية، ومنها الرواية السعودية، فهي تحضر بعد الشعر لتعكس الذائقة الأدبية لمجتمع شعري بالدرجة الأولى، ولما لها من أثر فني واجتماعي كبير في النص الروائي السعودي المعاصر الذي شهد له العديد بالجدية والإبداع، فالرواية السعودية ستتصدر المشهد العربي والعالمي في العقود القادمة، لأن الروائي السعودي مصر على تلك الصدارة، وكسر القيود لتلمع إبداعاته بفكره الواعي الذي ينسجم من خلاله مع القيم الإنسانية العليا، ويدحض به الخلل الثقافي الاجتماعي.
العمل التطوعي
لم تغفل الرؤية عن العمل التطوعي في المؤسسات الثقافية المغيب لأسباب عديدة، قد يكون بينها قولبته وحكره في إطار الأعمال الخيرية، ونفوذ الخطاب الديني في حينه، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة انفتاح العمل التطوعي على مستوى الثقافة والفنون التي لن تظهر وتبرز إلا بمشاركة المبدعين والموهوبين والمميزين رغبة في ممارسة هواياتهم، وخدمة الحراك الثقافي تطوعاً بعيداً عن المطالبات المادية والشهرة. مع ذلك، يبقى التساؤل قائماً حول نسبة المشاركة الطوعية في المؤسسات الثقافية، ومدى انتشار ثقافة العمل التطوعي في المجال الثقافي، وتزامنها مع رؤية (2030) التي توليها أهمية بارزة باعتبارها سمة من سمات المؤسسات الثقافية.
وتعزيزاً لها انطلقت مؤسسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز الخيرية (مسك الخيرية)، مؤسسة خيرية غير ربحية، تكرِّس أهدافها لرعاية وتشجيع التعلم، وتنمية مهارات القيادة لدى الشباب من أجل مستقبل أفضل للمملكة العربية السعودية.
وهي تقدم رؤيتها على النحو التالي: «نعمل على تمكين المجتمع من التعلم والتطور والتقدّم في مجالات الأعمال والمجالات الأدبية والثقافية والعلوم الاجتماعية والتكنولوجية، عبر إنشاء حاضنات لتطوير وإنشاء وجذب مؤسسات عالية المستوى، وتوفير بيئة تنظيمية جاذبة.
إننا بحاجة لنشر ثقافة التطوع على مستوى المؤسسات الثقافية، وهي بالفعل ثقافة متحققة لمن لديهم اهتمامات أدبية ثقافية، ومنهم على سبيل المثال: المتطوعون في معارض الكتب والمعارض الثقافية والأنشطة الصيفية. وعلى المؤسسات الثقافية كالأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون والمؤسسات الرياضية والعلمية، وغيرها دعم الطاقات الشبابية في التطوع وإرشادهم، بما يتناسب مع قدراتهم ومع طاقاتهم».
تمكين النساء
(على حد سواء)، أصبحت تلك الكلمات الثلاث ملازمة لأي قرار من المرسوم الملكي لتشكيل وعي جديد يدب في مجتمع يتحول سريعاً.. وللإجابة على سؤال دام طويلاً متى تتساوى المرأة بالرجل، والسماح لها بالمشاركة في المناسبات الثقافية؟
سعت الرؤية لتمكين المرأة من المشاركة في مختلف المجالات الثقافية لترسيخ الحضور الذي حققته سابقاً في المشهد الثقافي، وأكسبتها الشرعية التي تستحقها، وبذلت وتبذل جهوداً كبيرة لتهيئة المجتمع لقبول حضورها ثقافيا وللحد من المقاومة المجتمعية على كافة المستويات، فسنّت الأنظمة والقوانين واللوائح للمساهمة في صناعة الثقافة والتنافس في تساوي الفرص بين الطرفين، فالمرأة لن تكتفي فقط بالحضور، بينما سيكون لها قرار يصنع التغير، وهو تحد كبير لثقافة المرأة السعودية لتكون عامل بناء للتغيير والتطوير بتعزيز دور ومكانة المرأة في المجتمع السعودي، فالتحول الوطني مكنها من الإسهام بشكل كامل ومتكافئ في التنمية، فيما يستلزم بناء مجتمع ثقافي أصيل.
ولا شك أن التحولات المعاصرة لبناء نظام سعودي جديد بإعادة تشكيل المفاهيم الأساسية المحركة للوعي والموجهة له ليست عملية بسيطة، وتتطلب جهودا مضاعفة وتشريع بيئة قانونية حازمة، ولا شك أن ما تضمنته «الرؤية» من مفاهيم جديدة وقيم ذات أهداف واضحة وبرامج تنفيذية مدروسة وتطبيقات حازمة يسهم في نجاح عملية بناء ذلك النظام الجديد، ليبدل الواقع السعودي اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، ومن ثم إعادة تشكيل كل البرامج والمؤسسات الداعمة لـ«رؤية 2030» وبرامجها التنفيذية.
وحيث إن الأمر كذلك لابد من الالتفات إلى الوراء قليلاً، للنظام السعودي في العقود الماضية التي سادت فيها العشوائية وإنفاق الدولة بسخاء والهدر الاقتصادي، لذلك وجب معالجته وإعادة ترتيب بعض المفاهيم لتقبل الواقع الجديد والتأثير الإيجابي بالمساهمة في تحقيق الأهداف التنموية في أوقات قياسية لتحقيق الأهداف بأعلى كفاءة ممكنة وأقل هدر محتمل.
فالسعودية متطلعة إلى مستقبل جديد، مختلف، تبدو عليه ملامح عهد جديد زاهر بالثقافة والفن بعد سنة من انطلاق هيئة الترفيه الحكومية ونشاطاتها لتحقيق نتائج مرضية لتطلعات المجتمع السعودي.
الرواية السعودية
في منتصف التسعينيات من القرن الماضي كانت الأعمال الروائية لا تزيد على 90 عملاً، ولكن الدراسات النقدية للرواية السعودية بدأت تتسع وتزيد لسببين، أولهما، زيادة الوعي بدور الرواية، ولكونها تنفي الأحادية وتنمذج التعددية، فكان النقد الروائي داعماً لتلك الأعمال، والسبب الآخر يعود إلى محاولة التأصيل للبعد الوطني في الإطارين المحلي والعربي، هكذا تحدث الناقد السعودي الدكتور معجب العدواني في ندوة حول الرواية السعودية أقيمت في البحرين، مؤكداً أن مرحلة ما بعد 2005م اتسمت بكثرة الأعمال الروائية المنشورة، لافتاً إلى أن الدراسات حول الرواية قفزت إلى 150 دراسة بعد هذا العام، وجاءت هذه الدراسات في صورتين، هما: دراسات علمية وكتب مستقلة، ركزت معظمها على دراسة المكان والشخصية والدرس النسائي.
المصدر : صحيفة الاتحاد