سوليوود (وكالات)
جاء النقد الغربي منقسماً في تقييم فيلم هيفاء المنصور الجديد «ماري شيلي»، مع غالبية طفيفة (نحو 60 في المائة) ترى أن سلبياته أعلى من حسناته. لا أحد اعتبر أنّ الفيلم رديء تماماً أو جيد بلا عيوب.
ديبرا يونغ، من «ذا هوليوود ريبورتر»، منحته أعلى تقدير وجدناه بين الصّحف والمواقع العالمية، ووصفته بأنّه «عرض تغمره الألوان وأحاسيس عشاق في سن الشباب، والشّعور الشغوف بالخسارة والخديعة. لكن قبل كل شيء هو فيلم ينصرف عن قالب الدراما التاريخية التقليدية، ليصل إلى عمق المرأة التي كتبت (الرواية) القوطية الأبدية فرانكشتاين».
الناقدة سوزان فلوجنسينا (على موقع «روجر إيبرت») لم تغدق ما سبق من أوصاف، وكانت من بين أقل النقاد إعجاباً بالفيلم، فكتبت: «جهد غير صائب لتقديم ليلة صيفية عاصفة عند فيلا اللورد بايرون على ضفاف بحيرة جنيف. سنة 1816. لتصوير أفضل لمعان للفترة عليك أن تعود إلى فيلم كين راسل (غوثيك) (1986). ما أثار اهتمام المخرجة المنصور وكاتبة السيناريو إيما جنسن هو تقديم ماري شيلي كقدوة لبنات جيلها الشابات».
رعب متجذّر
في واقعه، هناك نصيب كبير من الصّحة لدى الناقدتين، ومجمل ما كُتب عنه يمكن له أن يرسم خط وسط بين القابلين بالفيلم والممانعين له. فمن ناحية، هو صورة زاخرة الألوان ولامعة العناصر الفنية، سرداً وتصويراً، لكن من ناحية أخرى، وإلى جانب أنّه يسرد مرحلة من حياة الكاتبة الشهيرة، تسبق وضعها رواية فرانكشتاين، سرداً سهلاً غير ممتنع، يخلو من العمق اللازم لتصنيفه كعمل فني كامل أو كفيلم يطرح حياة الكاتبة، وعلاقة ما نراه من أحداث بقرارها كتابة واحدة من أهم روايات الأدب البريطاني، خصوصاً في نوع أدب التشويق الفانتازي الداكن.
ويمكن اليوم التقاط أي صفحة من المواقع التي تهتم بتوفير المراجع والمعلومات حول أشخاص دخلوا التاريخ، لقراءة الحياة الكاملة لماري شيلي. وكبديل أفضل، لا يزال بالإمكان اقتناء كتاب أصدرته دار «يونيفرسيتي برس» سنة 1995، بعنوان «صحف ماري شيلي» The Journals of Mary Shelley، يعرض حياتها وتأثير حياتها على نتاج تلك الكاتبة (1797 – 1851).
أعمال شيلي متعددة، لكن «فرانكشتاين» ما زال أشهرها، وقد نُقل إلى أكثر من 60 فيلماً طويلاً، وترك تأثيره على أكثر من ذلك من أفلام الرعب التي استوحت أو تشابهت بحكاية الجراح المجنون الذي اندفع للإثبات أنّه يستطيع منح الروح لرجل ميت، ولو جمع أطرافه من جثث دفنت حديثاً. والنتيجة شخص عملاق (اتفق على تسميته بالوحش، والبعض أطلق عليه اسم الجراح نفسه خطأ)، متخلف وبدائي وبلا قدرة على ضبط انفعالاته.
هناك أفلام منحته قدراً من الإحساس العاطفي، لكن أفضلها كانت تلك التي أقدمت على نقل الحكاية مباشرة إلى السينما كحكاية رعب متجذرة في عصر من الجنوح في رسم تحولات الإنسان المتخيلة صوب كائنات أخرى («دراكولا»، و«دكتور جيكل ومستر هايد»، و«وولفمان»… إلخ). وأول هذه الأفلام الفرانكشتانية كان عملاً قصيراً للبريطاني ج. سيرل داولي سنة 1910، وأفضلها في الحقبة السابقة للخمسينات نسخة جيمس وايل سنة 1931.
وفق لما نشرته صحيفة الشرق الأوسط فإن مشروع فيلم «ماري شيلي» بدأ قبل التحاق المخرجة هيفاء المنصور. كتبته إيما جنسن (أوّل سيناريو تكتبه)، في منتصف سنة 2014، وحط بين أيدي عدة شركات إنتاج بريطانية وأميركية (وواحدة في لوكسمبورغ)، قبل أن تتبناه شركة Gidden Media الأميركية. رئيسة الشركة، آمي باير، هي التي اختارت المخرجة السعودية لتحقيق العمل في نهاية ذلك العام. والبحث عن مصادر تمويل أخرى لميزانية تجاوزت قليلاً 20 مليون دولار أخر المشروع عامين، وقد أضافت المنصور خلال هذه الفترة مشاهد هي – والكاتبة الأصلية والجهات الإنتاجية – تعلم بها.
وفي 19 من فبراير (شباط) 2016، بوشر التصوير، وتم إنجاز الفيلم في 2 من أبريل (نيسان) في العام ذاته. وفي 26 من يوليو (تموز)، بات الفيلم جاهزاً، واختير مهرجان تورنتو كنقطة انطلاق عروضه، حيث شهد عرضين متلاحقين، أولهما في التاسع من سبتمبر (أيلول).
الهم الأول
قبول هيفاء المنصور تحقيق فيلم يتعاطى وتاريخ بريطاني بعيد، كما سيرة حياة لكاتبة شهيرة اختار السيناريو منها مرحلة محددة مشغولة لا بأدبها، بل بحياتها العاطفية. هذا الاختيار شجاع فعلاً من مخرجة أنجزت فيلماً ذاع عالمياً بعنوان «وجدة»، على الرّغم من أنّه لم يتبلور في نهاية المطاف كفيلم ذي منحى فني مميز. ما ساعده على تبوء الشهرة والنّجاح هو توليفة مشتركة بين بضعة حقائق: أول فيلم من إخراج امرأة سعودية، يطرح مشكلة سعودية وابنتها، يتبنّى خط الاعتدال ومنح المرأة حقوقاً اجتماعية حُرمت منها، وجهاز إعلامي غربي مواكب. ليس أنّ الفيلم لم يستحق النّجاح، بل على العكس كونه شكّل المدخل المناسب والصّحيح لمخرجة حلمت وسعت وأنجزت ما لم تحققه مخرجة سعودية أخرى، لكنّ شغل المخرجة واهتمامها منصب على سرد حكاية بطريقة مقرّبة من الناس.
هذا هو همها وشغلها الأول. بالنسبة لفيلمها الثاني «ماري شيلي»، الذي يبتعد سنوات ضوئية عن فيلمها الأول، إلا من حيث رغبتها في معالجة الموضوع ضمن نطاق وضع المرأة أمام سطوة الرجل وهيمنته. ففي ماري شيلي أيضاً، وعبر شخصية الأب إلى حد ما، ثم عبر شخصية حبها الأول بيري بيش أساساً، نجد ماري شيلي فتاة مرهفة تجد نفسها في وضع غير مريح ناتج عن سطوة الأول وخداع الثاني. زوجة أبيها بدورها تنتمي إلى التقليد. النتيجة الماثلة منذ البداية هي أنّ ماري شيلي منذ مطلع الفيلم سنة 1814 هي فتاة مختلفة ومغايرة ومشروع متمردة.
لا ريب في أنّ ماري شيلي شقّت طريقها بصعوبة، كونها أنثى في مجتمع كانت الأدوار المسرحية الأنثوية تُمنح للرجال الراضين بارتداء التنانير. نتعرف عليها (تؤديها إيلي فانينغ) وهي في السادسة عشرة من العمر. والدها ويليام غودوين (ستيفن ديلان) صاحب مكتبة قابع تحت ديون كبيرة. وأختها (من غير زوجة أبيها) كلير (بل باولي) مشاكسة. أمّا الأم، فماتت بعد فترة قصيرة من ولادة ماري. يوفّر الفيلم هذه المعلومات، إلا أنه لا يسعى لتوسيع رقعتها جيداً. وعلى الرّغم من وفاة الأم باكراً في حياة ابنتها، وكون والدها مثقفاً مطلعاً، فإن القليل من استيحاء التأثير الناتج عن هذه الخلفية موجود في تشخيص ماري شيلي في تلك الفترة.
هناك استبعاد للمؤثرات والتأثيرات، للوضع الاجتماعي المتصل بالفترة الزمنية التي عاشتها الكاتبة، التّصاميم الفنية والديكورات وتصاميم الملابس لا يمكن لها أن تعكس روح الفترة، فقط مظهرها.
ونرى ماري شيلي تكتب مذكراتها، لكن أي منّا قد يفعل ذلك من دون أن يكون أحد والديه قد سبقه إلى ذلك. ما يهمّ المخرجة في هذه الترجمة المصوّرة هو إحاطة اجتماعية لدور امرأة في دوامة عاطفية. وما يلفت اهتمام المنصور هو حكاية الحب ذاتها وتقلباتها، وكيف أنّ حدوثها لماري شيلي هو تمهيد لنضجها الذي سيصبغ تجربتها المقبلة، تلك التي لن نراها في الفيلم كونه ينتهي مع بدء كتابتها الروائية الفعلية لحكاياتها، كما قبل تبلورها كرأس رمح في المتغيرات المطالبة بحرية المرأة آنذاك.
ليس أنّ ما تعرضه المنصور غير حقيقي؛ هناك الكثير من الوقائع الفعلية التي حدثت في حياة بطلتها ونراها على الشاشة: هروبها من منزل والدها مع الشاب الذي أحبته، والعلاقة العاطفية بين زوجها وأختها، وفقر المحيط، والتنقلات من مدينة لأخرى هرباً من الدائنين والمحاكم، لكنّ هيفاء المنصور توفر كل هذا بطريقة آلية ليست مشغولة لتحليل أوضاع أو شخصيات، بل لدفعها لأفعال لافتة، في حياكة مسلية أكثر منها عميقة أو متعمّقة.
وبقدر ما الوقائع حقيقية بقدر ما تدهمنا ماري شيلي، كفتاة تريد لها المخرجة أن تبرهن لنا على كل شيء خلاب في شخصيتها: حسّاسة مرهفة واثقة ذات روح رومانسية شاعرة. حتى بعد دخول بيرسي على الخط، لا يقع تطوّر غير عاطفي في هذا الاتجاه. بيرسي كان شاعراً ناجحاً في أوانه، وماري كاتبة واعدة، لكنّ الكيمياء بينهما تتوقف عند حدود نظرات الحب، وتداول القليل من الحوارات ذات البعد المتصل بالأدب أو بالثقافة. بذلك يكرس الفيلم وجوده لخدمة الجانب العاطفي وحده. ولولا أنّ الفيلم يحمل اسم الكاتبة عنواناً له، ويتحدث – بالاسم أيضاً – عن الكاتبة، لكان من المحتمل أن تقع الحكاية ذاتها بين أي عاشقين.
وفي المقابل، وكما ذكرت سابقاً، الفيلم معني بسرده وحرفة صنعته، وينجز مستوى عالٍ في هذا الشأن. مصقول جيداً، وبما يناسب مستويات الإنتاج الغربي المعتادة، مع مدير تصوير فرنسي (ديفيد أنغارو، بخلفية تمتد لمطلع التسعينات)، وتوليف للبريطاني أليكس ماكي، تنجز المخرجة فرصتها لتقديم نفسها في إطار جديد مبتعد عن بدايتها التي كانت (بالقياس) متواضعة.
ديبرا يونغ، من «ذا هوليوود ريبورتر»، منحته أعلى تقدير وجدناه بين الصّحف والمواقع العالمية، ووصفته بأنّه «عرض تغمره الألوان وأحاسيس عشاق في سن الشباب، والشّعور الشغوف بالخسارة والخديعة. لكن قبل كل شيء هو فيلم ينصرف عن قالب الدراما التاريخية التقليدية، ليصل إلى عمق المرأة التي كتبت (الرواية) القوطية الأبدية فرانكشتاين».
الناقدة سوزان فلوجنسينا (على موقع «روجر إيبرت») لم تغدق ما سبق من أوصاف، وكانت من بين أقل النقاد إعجاباً بالفيلم، فكتبت: «جهد غير صائب لتقديم ليلة صيفية عاصفة عند فيلا اللورد بايرون على ضفاف بحيرة جنيف. سنة 1816. لتصوير أفضل لمعان للفترة عليك أن تعود إلى فيلم كين راسل (غوثيك) (1986). ما أثار اهتمام المخرجة المنصور وكاتبة السيناريو إيما جنسن هو تقديم ماري شيلي كقدوة لبنات جيلها الشابات».
رعب متجذّر
في واقعه، هناك نصيب كبير من الصّحة لدى الناقدتين، ومجمل ما كُتب عنه يمكن له أن يرسم خط وسط بين القابلين بالفيلم والممانعين له. فمن ناحية، هو صورة زاخرة الألوان ولامعة العناصر الفنية، سرداً وتصويراً، لكن من ناحية أخرى، وإلى جانب أنّه يسرد مرحلة من حياة الكاتبة الشهيرة، تسبق وضعها رواية فرانكشتاين، سرداً سهلاً غير ممتنع، يخلو من العمق اللازم لتصنيفه كعمل فني كامل أو كفيلم يطرح حياة الكاتبة، وعلاقة ما نراه من أحداث بقرارها كتابة واحدة من أهم روايات الأدب البريطاني، خصوصاً في نوع أدب التشويق الفانتازي الداكن.
ويمكن اليوم التقاط أي صفحة من المواقع التي تهتم بتوفير المراجع والمعلومات حول أشخاص دخلوا التاريخ، لقراءة الحياة الكاملة لماري شيلي. وكبديل أفضل، لا يزال بالإمكان اقتناء كتاب أصدرته دار «يونيفرسيتي برس» سنة 1995، بعنوان «صحف ماري شيلي» The Journals of Mary Shelley، يعرض حياتها وتأثير حياتها على نتاج تلك الكاتبة (1797 – 1851).
أعمال شيلي متعددة، لكن «فرانكشتاين» ما زال أشهرها، وقد نُقل إلى أكثر من 60 فيلماً طويلاً، وترك تأثيره على أكثر من ذلك من أفلام الرعب التي استوحت أو تشابهت بحكاية الجراح المجنون الذي اندفع للإثبات أنّه يستطيع منح الروح لرجل ميت، ولو جمع أطرافه من جثث دفنت حديثاً. والنتيجة شخص عملاق (اتفق على تسميته بالوحش، والبعض أطلق عليه اسم الجراح نفسه خطأ)، متخلف وبدائي وبلا قدرة على ضبط انفعالاته.
هناك أفلام منحته قدراً من الإحساس العاطفي، لكن أفضلها كانت تلك التي أقدمت على نقل الحكاية مباشرة إلى السينما كحكاية رعب متجذرة في عصر من الجنوح في رسم تحولات الإنسان المتخيلة صوب كائنات أخرى («دراكولا»، و«دكتور جيكل ومستر هايد»، و«وولفمان»… إلخ). وأول هذه الأفلام الفرانكشتانية كان عملاً قصيراً للبريطاني ج. سيرل داولي سنة 1910، وأفضلها في الحقبة السابقة للخمسينات نسخة جيمس وايل سنة 1931.
وفق لما نشرته صحيفة الشرق الأوسط فإن مشروع فيلم «ماري شيلي» بدأ قبل التحاق المخرجة هيفاء المنصور. كتبته إيما جنسن (أوّل سيناريو تكتبه)، في منتصف سنة 2014، وحط بين أيدي عدة شركات إنتاج بريطانية وأميركية (وواحدة في لوكسمبورغ)، قبل أن تتبناه شركة Gidden Media الأميركية. رئيسة الشركة، آمي باير، هي التي اختارت المخرجة السعودية لتحقيق العمل في نهاية ذلك العام. والبحث عن مصادر تمويل أخرى لميزانية تجاوزت قليلاً 20 مليون دولار أخر المشروع عامين، وقد أضافت المنصور خلال هذه الفترة مشاهد هي – والكاتبة الأصلية والجهات الإنتاجية – تعلم بها.
وفي 19 من فبراير (شباط) 2016، بوشر التصوير، وتم إنجاز الفيلم في 2 من أبريل (نيسان) في العام ذاته. وفي 26 من يوليو (تموز)، بات الفيلم جاهزاً، واختير مهرجان تورنتو كنقطة انطلاق عروضه، حيث شهد عرضين متلاحقين، أولهما في التاسع من سبتمبر (أيلول).
الهم الأول
قبول هيفاء المنصور تحقيق فيلم يتعاطى وتاريخ بريطاني بعيد، كما سيرة حياة لكاتبة شهيرة اختار السيناريو منها مرحلة محددة مشغولة لا بأدبها، بل بحياتها العاطفية. هذا الاختيار شجاع فعلاً من مخرجة أنجزت فيلماً ذاع عالمياً بعنوان «وجدة»، على الرّغم من أنّه لم يتبلور في نهاية المطاف كفيلم ذي منحى فني مميز. ما ساعده على تبوء الشهرة والنّجاح هو توليفة مشتركة بين بضعة حقائق: أول فيلم من إخراج امرأة سعودية، يطرح مشكلة سعودية وابنتها، يتبنّى خط الاعتدال ومنح المرأة حقوقاً اجتماعية حُرمت منها، وجهاز إعلامي غربي مواكب. ليس أنّ الفيلم لم يستحق النّجاح، بل على العكس كونه شكّل المدخل المناسب والصّحيح لمخرجة حلمت وسعت وأنجزت ما لم تحققه مخرجة سعودية أخرى، لكنّ شغل المخرجة واهتمامها منصب على سرد حكاية بطريقة مقرّبة من الناس.
هذا هو همها وشغلها الأول. بالنسبة لفيلمها الثاني «ماري شيلي»، الذي يبتعد سنوات ضوئية عن فيلمها الأول، إلا من حيث رغبتها في معالجة الموضوع ضمن نطاق وضع المرأة أمام سطوة الرجل وهيمنته. ففي ماري شيلي أيضاً، وعبر شخصية الأب إلى حد ما، ثم عبر شخصية حبها الأول بيري بيش أساساً، نجد ماري شيلي فتاة مرهفة تجد نفسها في وضع غير مريح ناتج عن سطوة الأول وخداع الثاني. زوجة أبيها بدورها تنتمي إلى التقليد. النتيجة الماثلة منذ البداية هي أنّ ماري شيلي منذ مطلع الفيلم سنة 1814 هي فتاة مختلفة ومغايرة ومشروع متمردة.
لا ريب في أنّ ماري شيلي شقّت طريقها بصعوبة، كونها أنثى في مجتمع كانت الأدوار المسرحية الأنثوية تُمنح للرجال الراضين بارتداء التنانير. نتعرف عليها (تؤديها إيلي فانينغ) وهي في السادسة عشرة من العمر. والدها ويليام غودوين (ستيفن ديلان) صاحب مكتبة قابع تحت ديون كبيرة. وأختها (من غير زوجة أبيها) كلير (بل باولي) مشاكسة. أمّا الأم، فماتت بعد فترة قصيرة من ولادة ماري. يوفّر الفيلم هذه المعلومات، إلا أنه لا يسعى لتوسيع رقعتها جيداً. وعلى الرّغم من وفاة الأم باكراً في حياة ابنتها، وكون والدها مثقفاً مطلعاً، فإن القليل من استيحاء التأثير الناتج عن هذه الخلفية موجود في تشخيص ماري شيلي في تلك الفترة.
هناك استبعاد للمؤثرات والتأثيرات، للوضع الاجتماعي المتصل بالفترة الزمنية التي عاشتها الكاتبة، التّصاميم الفنية والديكورات وتصاميم الملابس لا يمكن لها أن تعكس روح الفترة، فقط مظهرها.
ونرى ماري شيلي تكتب مذكراتها، لكن أي منّا قد يفعل ذلك من دون أن يكون أحد والديه قد سبقه إلى ذلك. ما يهمّ المخرجة في هذه الترجمة المصوّرة هو إحاطة اجتماعية لدور امرأة في دوامة عاطفية. وما يلفت اهتمام المنصور هو حكاية الحب ذاتها وتقلباتها، وكيف أنّ حدوثها لماري شيلي هو تمهيد لنضجها الذي سيصبغ تجربتها المقبلة، تلك التي لن نراها في الفيلم كونه ينتهي مع بدء كتابتها الروائية الفعلية لحكاياتها، كما قبل تبلورها كرأس رمح في المتغيرات المطالبة بحرية المرأة آنذاك.
ليس أنّ ما تعرضه المنصور غير حقيقي؛ هناك الكثير من الوقائع الفعلية التي حدثت في حياة بطلتها ونراها على الشاشة: هروبها من منزل والدها مع الشاب الذي أحبته، والعلاقة العاطفية بين زوجها وأختها، وفقر المحيط، والتنقلات من مدينة لأخرى هرباً من الدائنين والمحاكم، لكنّ هيفاء المنصور توفر كل هذا بطريقة آلية ليست مشغولة لتحليل أوضاع أو شخصيات، بل لدفعها لأفعال لافتة، في حياكة مسلية أكثر منها عميقة أو متعمّقة.
وبقدر ما الوقائع حقيقية بقدر ما تدهمنا ماري شيلي، كفتاة تريد لها المخرجة أن تبرهن لنا على كل شيء خلاب في شخصيتها: حسّاسة مرهفة واثقة ذات روح رومانسية شاعرة. حتى بعد دخول بيرسي على الخط، لا يقع تطوّر غير عاطفي في هذا الاتجاه. بيرسي كان شاعراً ناجحاً في أوانه، وماري كاتبة واعدة، لكنّ الكيمياء بينهما تتوقف عند حدود نظرات الحب، وتداول القليل من الحوارات ذات البعد المتصل بالأدب أو بالثقافة. بذلك يكرس الفيلم وجوده لخدمة الجانب العاطفي وحده. ولولا أنّ الفيلم يحمل اسم الكاتبة عنواناً له، ويتحدث – بالاسم أيضاً – عن الكاتبة، لكان من المحتمل أن تقع الحكاية ذاتها بين أي عاشقين.
وفي المقابل، وكما ذكرت سابقاً، الفيلم معني بسرده وحرفة صنعته، وينجز مستوى عالٍ في هذا الشأن. مصقول جيداً، وبما يناسب مستويات الإنتاج الغربي المعتادة، مع مدير تصوير فرنسي (ديفيد أنغارو، بخلفية تمتد لمطلع التسعينات)، وتوليف للبريطاني أليكس ماكي، تنجز المخرجة فرصتها لتقديم نفسها في إطار جديد مبتعد عن بدايتها التي كانت (بالقياس) متواضعة.