سوليوود (إصدارات)
(1984)
> الواقعية الجديدة بدأت هنا
في مطلع «سارقو الدرجة» تصل حافلة إلى مرآب بجانب مبنى من طابقين. وعندما تتوقف يخرج منها عدد من الرجال المتجهين فرادى إلى مدخل المبنى. قبلهم وصل رجال آخرون ووقفوا بانتظار خروج من سيوزّع على بعضهم أعمالاً.
كون إيطاليا خرجت من الحرب منكفئة اقتصادياً وخاسرة سياسياً، وتشهد الآن بطالة مستشرية يتبلور أمامنا من هذا المشهد التمهيدي. هؤلاء الرجال يأتون كل يوم إلى هذا المركز الاجتماعي بغية الحصول على أي عمل يعتاشون من ورائه. أحدهم اسمه أنطونيو (لامبرتو ماجيوراني) محظوظ هذا اليوم؛ إذ يتم اختياره لوظيفة بسيطة: لصق إعلانات ورقية على جدران المدينة.
أنطونيو متحمس لعمله. نتعرّف على عائلته المدقعة فقراً، ونلم بأنه عانى من البطالة لفترة طويلة وأن الدراجة التي يملكها الآن للانتقال بها في شوارع المدينة للصق الإعلانات لم يكن ليستطيع استخدامها لولا أن زوجته باعت حوائج البيت لكي تساعده على استردادها من دكان رهونات.
هو الآن على رأس السلم يلصق إعلاناً لفيلم جديد. صورة الممثلة الأميركية ريتا هايوورث تعلوه. دراجته عند أسفل السلم. لص يمد يده إليها ويسرقها منه. ينزل أنطونيو من السلم سريعاً ويلحق به، لكنه يفشل في القبض عليه.
هذا هو مطلع محنة أنطونيو الصعبة التي صنع منها المخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا عملاً إنسانياً رائعاً خطف مشاعر مشاهديه وتأييدهم الكبير لبطل الفيلم ولابنه الصغير؛ إذ ينطلقان باحثين عن الدراجة لعلهما يجدانها ويستردان الدراجة وينقذان الوظيفة أيضاً.
رغم أن أفلاماً إيطالية سبقت «سارقو الدراجة» في المنحى الواقعي ببضع سنوات، فإنها لم تسجل حضورها بالقوّة والتأثير ذاتيهما. لذلك؛ يمكن اعتبار أن هذه الواقعية التي تركت تأثيرها على سينمات أخرى غير إيطالية، بدأت هنا.
التقط دي سيكا حكاية ألّفها لويجي بارتوليني وحافظ على بساطة فكرتها؛ معززاً ذلك بالاستعانة بممثلين غير محترفين من بينهم لامبرتو ماجيوراني وإنزو ستيبلا الذي يلعب دور الصبي. وهناك ما هو أبعد من التماثل أو الكيمياء بينهما. هناك جدل واقعي المعالجة لحياة مدقعة يتحملان وزرها.
في أحد المشاهد يصفع الأب الملوع بسرقة سبيل رزقه ابنه. ليس في يد الابن من شيء يفعله سوى البكاء وإعلان الرغبة في العودة إلى البيت. لكن ما أن ترتد يد الأب عن وجه ابنه حتى يدرك خطأه، وكيف أن الحاجة المعيشية الصعبة والرغبة المستحوذة عليه لاسترجاع تلك الدراجة الهوائية لا يمكن لهما أن يعوضا حبه لابنه البريء من كل ذنب.
هذه لحظات قلّ تصوير مثيلها في السينما بالصدق ذاته وبالمضمون الاجتماعي نفسه. هذا المضمون يواكب الفيلم من دون أي قدر من الهوان. يسايره كالظل. وكلما اقترب أنطونيو من إلقاء القبض على اللص (مرتين) تباعدت المسافة بينه وبين أمله في استعادتها. في أحد المشاهد يعرّض نفسه وابنه للخطر عندما يحيط به رجال يدافعون على اللص ويمنعون أنطونيو من القبض عليه.
في نهاية الفيلم يبدأ أنطونيو التفكير في سرقة واحدة من دراجات كثيرة منتشرة. الرسالة واضحة؛ إذ حتى يُـطعم أنطونيو عائلته على القانون والعدالة أن يسودا. الطريقة الوحيدة الباقية هي أن يسرق كما سُرق.
بقي هذا الفيلم العمل من بين القلة الأهم لفيتوريو دي سيكا من بين 34 فيلماً حققها في حياته. الفيلم صنع من بطله لامبرتو ماجيوراني الذي لم يسبق له الظهور على الشاشة من قبل، ممثلاً حتى عام 1970.