سوليوود (وكالات)
يفتتح مهرجان كان هذا العام دورته الجديدة بفيلم من نوعية الدراما النفسية للمخرج الإيراني العالمي أصغر فرهدي، وبطولة الممثلة الإسبانية بنيلوبي كروز، والممثل خافيير باردِم، وهو فيلم باللغة الإسبانية.
يحوي الفيلم الافتتاحي لمهرجان كان الحادي والسبعين هذا العام مزيجا لا يضاهى من التألق الأوروبي، والسينما العالمية، وأضواء هوليوود، ويعد أحد أقوى وأعمق الأفلام الافتتاحية للمهرجان منذ سنوات.
الفيلم من إخراج وتأليف الإيراني أصغر فرهدي الحائز على الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في وقت سابق هذا العام، وقد يُرشح مجددا العام المقبل عن هذا الفيلم المؤثر الذي يجذب المشاهد.
ويحمل الفيلم اسم “الجميع يعرفون”، وتتألق في بطولته الممثلة الإسبانية الشهيرة بنيلوبي كروز الحاصلة على جائزة الأوسكار لأحسن ممثلة في عام 2008، والممثل خافيير باردم، زوجها الحالي.
تعيش لورا ، وهي بطلة الفيلم التي تؤدي دورها بنيلوبي كروز، في الأرجنتين مع زوجها أليخاندرو (الذي يمثل دوره ريكاردو دارين، ويظهر فيه بشعر مصفف لأعلى الجبهة، ولحية تشبه لحية أعضاء فرقة البي جيز الموسيقية البريطانية)، الذي يتعين عليه البقاء في العاصمة الأرجنتينية بوينوس أيريس لمتابعة العمل، بينما تسافر لورا لحضور زفاف أختها الصغرى بقريتها الجميلة في إسبانيا، وبصحبة الأولاد.
وفي القرية يجتمع أقارب لوراء، من الشقيقة الكبرى، وأحد الأصهار، والأب سيء المزاج، إلى العديد من أبناء وبنات العائلة، ويختلطون معا بشكل يصعب معه متابعة صلات القرابة بينهم، وهو أمر ربما يكون مقصودا، ففي تلك القرية، تتشابك حياة الجميع بأشكال عدة، وربما يكون هذا هو ما دفع لورا للهجرة في المقام الأول.
ومن المدعوين للزفاف يطل باكو (باردم) صاحب مزرعة الكروم ذو اللحية والجسد القوي، والضحكات الحلوة، يتدلى من أذنه قرط يشبه قرط القراصنة. كان باكو سعيدا في زواجه مع بيا (باربرا ليني)، لكن هناك سبب لوجود حرفي اللام والباء المحفورين على برج جرس الكنيسة القديمة بالقرية، فالجميع يعرف أن لورا وباكو جمعهما الحب لسنوات في الماضي.
يفرد فرهدي مساحة واسعة لاستعدادات الزفاف تحت شمس القرية الساطعة، ولمراسم الزفاف السعيد، وللحفل الذي يليه، حيث يشرب البعض حتى الثمالة في تلك الساحة المفتوحة المعدة لحفل الزفاف.
وربما أفرد فرهدي مساحة أكثر من اللازم، فحفل الزفاف يكاد لا ينتهي حتى أنك تريد البحث عن مكان مغلق تستلقي فيه قليلا للراحة، وهو ما تطلبه فعلا ابنة لورا المراهقة، ايرين (تلعب دورها الممثلة كارلا كامبرا). لكن حينما تصعد لورا لأعلى للاطمئنان على ابنتها، تجدها قد اختفت، ولا تمضي دقائق إلا وتصل رسالة على الهاتف تخبرها أن ايرين اختطفت حقا!
مرة أخرى، تثبت كروز براعتها كممثلة بتعبيرها المتقن عن الهلع والألم الشديدين لفقد ابنتها، كما يجعل فرهدي سيناريو الفيلم معبرا عن تلك الكارثة، إذ نعلم من الفيلم أن فتاة أخرى كانت قد اختطفت قبل سنوات في نفس القرية ثم قتلت.
وعندما تلقت لورا رسالة أخرى على هاتفها المحمول، تحذرها من إبلاغ الشرطة وتهددها بقتل ابنتها إذا أقدمت لورا على تلك الخطوة، تظهر الأم وقد أصابها الخوف على ابنتها بشلل كامل.
وليس المقصود من الفيلم أن يكون فيلم إثارة يعتمد على مغامرة الخطف، خلافا لفيلم ليام نيسون الذي جسد دور الأب المغامر لاسترجاع ابنته المخطوفة، بل يستغل فرهدي الفيلم مجددا ببراعة في إبراز خبايا الأسرة التي تبدو سعيدة على السطح بينما تستبد بها المشاكل من الداخل.
وربما يذكر البحث عن دوافع الخطف بأعمال أغاثا كريستي، حيث كافة الشخصيات الرئيسية لديها ما يدفعها لارتكاب الجريمة، ولكن لب الفيلم هو كيف تفتح تلك الكارثة الجراح الغائرة فتطل على السطح الخلافات والأسرار داخل تلك الأسرة.
فبدلا من أن يوجه أهل القرية جهودهم لمساعدة لورا، تجدهم يعكفون على النميمة.
والتشاحن حول من يملك من الثراء لدفع الفدية ومَن يعاني الفقر ليطلبها، ومن يريد أن يخطف تلك الفتاة، ومن يريد أن ينقذها، ويبدو واضحا أنه حتى إذا عثروا أخيرا على الفتاة، فإن الأمور لن تعود أبدا كما كانت!
وما يمنح أفلام فرهدي تلك القدرة على شد المشاهد من خلال حبكة الرواية، أكثر من مجرد فيلم، هو تركيزه على تفاصيل حياة الشخصيات ورغباتها، فكما يضع مصمم الإنتاج الكتب والقطع التذكارية وغيرها بعناية للدلالة على ماضي الشخصيات، يحشد فرهدي الحوار بما يذكر بالماضي، وبأن كل من تراهم على الشاشة عاشوا حياة قبل بدء الفيلم وسوف تستمر حياتهم بعد نهايته.
وربما من عيوب تلك الدقة في سرد التفاصيل هو الإكثار من الأحاديث والمكاشفات النمطية، رغبة من المخرج في إعطاء كل شخصية حقها، مما يفقد الحبكة الدرامية بعضا من الزخم بينما تواصل الشخصيات الجلوس وتجاذب الحديث، والأخذ والرد بشأن قضاياها.
وقد يشعر المشاهد أنه يرغب، ولو لوهلة، أن تفاجئه إحدى الشخصيات بالصراخ أو الصياح، أو الاندفاع خارج الغرفة، إذ لا يبدو أن الشخصيات تخرج عن إطارها المحكم إلا من خلال حفل الزفاف، وبعد أن تستبد بها الثمالة.
وربما فيلم “الجميع يعرفون” ليس هو الفيلم الأفضل لفرهدي، فالجلوس المستمر حول مائدة المطبخ للتعبير عن شكاوى الأسرة يميل نمطيا للمسلسلات التلفزيونية.
ورغم ذلك، فبفضل تلك القصة، وعمق التعبير عن الأفكار المطروحة، وكذلك براعة تمثيل البطلين (والزوجين في الواقع) بنيلوبي كروز وخافيير باردم، يغبط المرء هذا الفيلم “المسلسل” على ما فيه من تألق وروعة!