حسين علي حسين
مضى أكثر من نصف قرن، على مشاهدتي لأول فيلم سينمائي، ومع ذلك وبفضل الله ومنته لم تفسد أخلاقي، رغم أنني شاهدت بعده عشرات الأفلام في المملكة، وفي عديد من الدول التي زرتها، وقد كان كل فيلم من الأفلام التي شاهدتها، بمثابة كتاب أو رواية شيقة. وقد شاهد معي ذلك الفيلم مجموعة كبيرة من أهلي وأقاربي، وكان ذلك الفيلم ضمن باقة من العروض، ضمت ألعاب المزمار والزير والطرب، كلها كانت على هامش حفلة زواج أحد الأقارب، لكن بعد ذلك الفيلم أو تلك الاحتفالية، تغير كل شيء وسادت الأناشيد والمواعظ للزوجين، وقضي تبعاً لذلك على الأفلام من جذورها، رغم أنها مثل كل شيء، حلالها حلال وحرامها حرام، حدث ما حدث للأفلام وحفلات الطرب التي هي في الغالب تراثية بحتة! مع أن شاشات التلفزة والإنترنت لم تتوقف عن عرضها لهذه الفنون بكافة ألوانها، فلا أحد يستطيع تجاهل الدور الذي تقدمه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وعلى رأسها التلفزيون والمسرح والسينما! وقد كنا على يقين أن لا أحد يستطيع سد عين الشمس بمنخل، عندما تقرر أن تعود السينما والمسرح والحفلات إلى الجمهور السعودي، هذا القرار الشجاع، سوف يعود على الاقتصاد السعودي بالعديد من الفوائد، أبرزها توفير مليارات الريالات التي يصرفها المواطنون على السياحة الخارجية.
ومع بدء الحفلات الترويحية الغنائية والمسرحية والسينمائية، يبقى السؤال الذي يطرح دائماً حول تأصيل، مثل هذه الصناعات الحضارية، من خلال إنشاء معاهد لهذه الفنون، مثلما هو موجود في جميع دول العالم، بما فيها الدول الخليجية المجاورة، التي تشترك معنا في كثير من العادات والتقاليد، والتي بادرت مبكراً في إنشاء معاهد متخصصة للمسرح والسينما والموسيقى، إن هذه الخطوة لو تمت سوف تنهض بهذه الصناعة في بلادنا على أسس علمية! فقد مضى زمن الاجتهادات الشخصية.
إن القوة الناعمة لكي تنافس وتفرض سيطرتها بحاجة إلى أسس ومبادرات عامة وخاصة، تقوم بها الدولة أو تعطي الضوء الأخضر للقطاعين الخاص والعام للقيام بها، وفق أسس علمية صارمة. إن هذه القوة التي توصف بالناعمة لها في كثير من الدول تأثير وسطوة، مثلها مثل كافة الثروات والصناعات والمكتشفات العلمية. ولذلك ينبغي علينا أن ندرك ذلك ونحن نبدأ من حيث انتهى غيرنا، في فتح المجال أمام العروض الفنية الراقية، بكافة أشكالها حينذاك لن يتأخر بنا الوقت في المفاخرة بأعمال سعودية منافسة، في السينما والمسرح والموسيقى والعروض الشعبية المنطلقة من تراث الجزيرة العربية الثري، مثلما نفاخر بهذه النهضة المباركة التي تنعم بها بلادنا.
المصدر: جريدة الرياض