سوليوود (الرياض)
شكل الثامن عشر من نيسان (ابريل) الماضي، نقطة تحول كبيرة في صناعة الترفيه والسينما في السعودية، بافتتاح أول دار عرض للسينما من خلال الشركة الأميركية “إيه ام سي”، أكبر سلسلة لدور العرض في العالم، وعرض فيلم “النمر الأسود” لتكون العودة الأولى بعد 35 عاما.
ولكن كل هذه التغييرات الضخمة تثير الجدل من جهة، وتبشر بتفاؤل أيضا وإن غلف الغموض غالبية القرارات التي تصدر بين الفينة والأخرى.
وكان العرض الثاني لفيلم من مارفل “المنتقمون” أيضا في سينما فوكس، في صالة أي ماكس، التي شغلت العالم بالتغيرات التي شهدتها السعودية في العامين الأخيرين، وتشمل الانفتاح والتغيير ودعم الشباب بشكل أكبر ومنحهم مساحة للتعبير.
فوجود صالات عرض بدون فصل، وفي ظل الرقابة يعني فتح المجال أمام استقبال أعمال عالمية لم يكن بالإمكان الحصول عليها من قبل سوى من أقراص الـ”دي في دي” أو التحميل من شبكة الإنترنت. فيما كانت دور السينما محظورة في السعودية تجاوبا مع مطالبات التيار المحافظ الذي ظل له دور كبير ومؤثر في البلاد منذ نهاية السبعينيات. ولكن في الوقت نفسه، ومع إقرار هيئة الإعلام المرئي والمسموع في السعودية نظام تصنيف المحتوى للأفلام في دور العرض السينمائي بعد أول عرضين، التي تمنح هي بدورها التصاريح لدور عرض جديدة، تثير أسئلة مختلفة منها؛ نوعية الأفلام التي ستعرض، وحجم الرقابة، وهل ستكون محصورة على أعمال من الأفلام الكوميدية والأبطال الخارقين؟، وهل للمخرجين السعوديين فرصة بعرض أعمالهم على تلك الشاشات؟. وهل سيولد مهرجان سينمائي من خلف تلك التغيرات والانفتاح”؟
وكانت الهيئة قد أفادت بأن نظام التصنيف يقسم الأفلام إلى ست فئات تختلف تبعا لعمر المشاهد وموضوع الفيلم.
وتبدأ التقسيمات من “P12” الذي يتيح لمن هم دون 12 عاما حضور الفيلم، والتصنيف “PG” يعني الفيلم مناسب لجميع الأعمار، لكن بعض المشاهد قد لا تناسب الأطفال دون سن الـ 12 سنة، لذلك ينبغي على الكبار أن يرافقوا الأطفال من هذه الفئة. فيما النظام من فئة “G” متاحة لجميع الأعمار، بينما فئة” R12″ تتضمن موضوعات للكبار لكن يتم معالجتها بشكل متحفظ لمن هم فوق 12 سنة.
ويمنع النظام الأطفال دون 15 سنة من مشاهدة الأفلام المصنفة بفئة R15 ، كما يمنع من هم دون 18 حضور الأفلام ذات التصنيف” R18″ لأنها قد تتضمن مشاهد رعب أو عنف.
وكانت دور العرض السينمائية السعودية قد أغلقت في الثمانينيات بعد تشديد القوانين الاجتماعية وفرض قيود على الحريات الفردية والثقافة والترفيه وجميع المظاهر الفنية العامة.
ويأتي إعادة فتح دور السينما، وكذلك الترويج لفعاليات ترفيهية وثقافية أخرى، يمكن للسيدات إن يشاركن فيها في إطار الإجراءات الانفتاحية التي أقرها ولي العهد محمد بن سلمان منذ تعيينه في حزيران (يونيو) الماضي.
طموح شبابي
من أوائل المخرجين السعوديين عبد الله المحيسن وفيلمه الشهير “اغتيال مدينة” والذي انتج العام 1976، بطولة حسن دردير، وحاز وقتها العديد من الجوائز، وفيلم “موعد مع المجهول” لمخرجه سعد خضر والذي تم إنتاجه في العام 1980، ثم تلاه فيلم “صراع مع الأيام” العام 1984 بطولة سعد خضر.
ومن الجيل الجديد تعتبر هيفاء المنصور أول مخرجة سعودية تغوص في قلب المجتمع السعودي وتعكس واقعه والرغبة في التغيير، من خلال فيلمها “وجدة”، الذي عرض في مهرجان دبي وفينيسيا، واليوم تستعد لإطلاق أحدث أعمالها “Mary Shelley” في هوليوود بعمل يصنف تحت السيرة الذاتية والدراما بطولة دوغلاس بوث، توم ستوريدج وإيلي فانينج.
وكان الفيلم حمل سابقا إسم “عاصفة في النجوم” من تأليف وإخراج المنصور، وساهمت في السيناريو إيما جونسون، وتدور أحداثه حول القصة الحقيقية للعلاقة الرومانسية التي ربطت ما بين المراهقة المتمردة ماري غودوين، والشاعر يرسي بيش شيلي، والتي ألهمت هذا الثنائي بالفن والشعر وبالجنون، وأدت إلى ميلاد تحفة أدبية عن الشخصية المروعة فرانكشتاين.
أيضا الفيلم السعودي “بركة يقابل بركة” لمخرجه محمود صباغ، الذي يقدم بطريقة ذكية، بعض ما يعانيه الشباب في المجتمع السعودي. ويأخذ طابع الكوميديا الرومانسية، وعرض في مهرجان برلين بدورته الـ66 في رسالة للمجتمع الغربي أن ما سيرونه في هذا الفيلم هو واقعي تماما.
وفي نص لا يخلو من الانتقاد الاجتماعي، يطرق الفيلم باب طبيعة العلاقات العاطفية التي من الصعب على الشباب عيشها في مجتمع مغلق بسبب تقاليده من جهة وبسبب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة أخرى؛ إذ يقع بركة الموظف في بلدية جدة، ويجسد دوره الممثل هشام فقيه، بحب فتاة جميلة ومدونة مشهورة تروج لمحال والدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الممثلة فاطمة البنوي، وتجسد دور “بيبي” ويجمعهما حب المسرح خلال التدريب على مسرحية هاملت، فيلجأن لاستخدام هذه الوسائط الحديثة ليتقابلا في ظل القيود الاجتماعية.
ويكشف الفيلم أيضا عن الصورة النمطية للعائلة ونظرتها للمرأة بدورها الأزلي كونها راعية مصالح الرجل وملبية لرغباته.
تاريخ السينما السعودية
الناقد السينمائي والكاتب السعودي خادل ربيع السيد اورد في كتابه “الفانوس السحري وقراءات في السينما” أن هناك أثرا للعروض الأجنبية في المملكة من خلال السفارات على غرار السفارة النيجيرية والسفارة الإيطالية. وفي الوقت نفسه يورد وجود دور للسينما منها “البدائية” في مدينة جدة وسينما “باب شريف”، وسينما “أبو صفية” في حي الهنداوية.
وكانت السينما كما بين السيد في كتابه في الطائف وجدة عبارة عن فناء واسع لأحد المنازل، أو أرض فضاء يتم وضع بعض الكراسي وشاشة للعرض السينمائي فيها. ومن ضمن الدور التي كانت موجودة في مدينة الطائف في فترة السبعينيات سينما نادي “عكاظ” الرياضي وسينما “الششة”، وفي الطائف أيضا تواجدت سينما تابعة للنادي العسكري في المدينة وكانت تعرض فيها الأفلام على جهاز عرض 8 مليمتر بعكس الدور الأخرى البدائية، وفي السبعينيات كان في مدينة جدة دار سينما (حي الثغر- كيلو3- شارع باخشب) ولكنها الآن مغلقة.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، انتجت بعض الأفلام للمخرج عبد الله المحيسن منها؛ “حمود ومحيميد” الذي قام ببطولته كل من عبدالله السدحان وناصر القصبي، فيما شهد العام 2008 إنتاج نحو 27 فيلما، لصناع شباب، وكانت أول فعالية رسمية هي مسابقة أفلام السعودية في العام 2008، التي أقيمت في الدمام، بتنظيم من جمعية الثقافة والفنون، ونادي الشرقية الأدبي.
تحديات…
وفي تصريح للغد اعتبر الناقد والكاتب السيد أن وجود دار عرض سينمائية كبيرة يشكل حدثا استثنائيا، وبمعايير عالمية، ولكن ضمن هيمنة أميركية منها شركة فوكس وAMC، مبشر بدخول استثمارات كبيرة للمملكة ما يقارب المليار دولار ضمن خطة التحول الوطني والرؤى المستقبلية التي تشمل إنشاء 30 صالة في 15 مدينة سعودية، فضلا عن السعي لافتتاج 600 شاشة عرض أخرى ضمن عقود مع شركة فوكس للسينما وتوسع العدد لـ 2500 شاشة في 12 عاما المقبلة.
كل هذه التغييرات، وبحسب السيد، يضع على المحك طبيعة الخيارات المطروحة في العروض المقبلة، فهي لن تكون من نخبة أفلام المهرجانات بقدر ما تحاكي الأفلام التجارية، وربما أيضا لن يجد صناع الأفلام الهواة مساحة لهم وسط الذائقة الجماهيرية التي تبحث عن أفلام اعتادتها عبر الإنترنت والأشرطة.
وفي حين أن السوق الجديد يفتح مجالا للاستثمار وضخ دماء جديدة في المشهد السينمائي السعودي، وبخاصة فيما يتعلق بالتمويل والإنتاج.
ويذهب السيد إلى أن هذه كلها ما تزال مناطق غير مكتشفة، ففي حين هنالك تفاؤل في بناء صناعة سينمائية ممنهجة، ما يزال المشهد غير مكتمل وإن حقق تواجد العنصر الأجنبي دفعة أمل.
السعودية في “كان”
ولأن الأمر لم يعد محصورا على طبيعة الأفلام التي ستعرض، بل نوعيتها ومدى الرقابة التي تمارس في هذا المجال من خلال الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، فأكدت منذ الانفتاج والتغيير بالسعي لتقديم عروض سينمائية تثري ثقافة الجمهور، بما يتوافق مع قيم وثوابت المجتمع بمحتوى “رصين”، وهذا ربما يحدد نوعية تلك الخيارات التي ما تزال حتى اليوم لم تخرج من عباءة أفلام “الكوميكس” من مارفل وأبطالها الخارقين.
ووسط كل هذه الجلبة وللمرة الأولى في تاريخها بمهرجان كان السينمائي، تقيد السعودية أول جناح لها والذي يشهد عرض تسعة أفلام قصيرة، إلى جانب تنظيم عقد لقاءات مع صناع السينما السعوديين.
وهذه المشاركة تأتي في إطار استراتيجية تهدف إلى تطوير القدرات الاستثمارية لخلق قطاع “حيوي ومزدهر” لصناعة الأفلام والمحتوى الإبداعي.
هل سيكون هنالك مهرجان….
بعد إعلان تأجيل عقد الدورة الـ 15 من مهرجان دبي السينمائي، ما يعني توقفه مستقبلا على الأغلب بعد توقف مهرجان أبو ظبي قبل ثلاثة أعوام، فإن منطقة الخليج فقدت أهم المنصات السينمائية وصناديقها الداعمة للمخرجين العرب، فاليوم وفي ظل الانفتاح والتغيير تكثر الأسئلة والتكهنات حول ما يجري، وهل ستكون السعودية وجهة ومحطة لولادة مهرجان جديد؟
الناقد خال ربيع السيد يبين ان السوق مفتوح ويتسع للمنافسين، وأنه هنالك عدة مطالبات من خلال مجلس الأفلام السعودي التابع لهيئة الثقافة من خلال اجتماعات متعددة مع الناشطين في هذا المجال والمهتمين فيه بإنشاء صناديق لدعم الشباب وعقد دورات وبناء معاهد سنيمائية وتطوير الشراكات مع القطاعات المختلفة لتحقيق ذلك.
وهو على حد قوله أمر ما يزال ضمن جملة من التوصيات، التي من شأنها النهوض في صناعة السينما والترفيه في السوق السعودية، التي تنعكس بدورها على الساحة العربية أيضا.
وفي حين أنه ما تزال تخطو خطواتها الأولى ربما ما يزال الوقت مبكرا لمثل هذه التكهنات والآمال الضخمة، لاسيما إنه ما من شيء واضح وسط تلك التغييرات السريعة، التي تتطور كل يوم، ويلفها الغموض بدون أدنى شك.