طارق الشناوي
ساعات قليلة وأجد نفسي وقد أصبحت على موجة طقوس مهرجان «كان»، عندما تتم صياغة إنسان على توقيت محدد من كل عام، وفقاً لجدول صارم وهو مواعيد افتتاح وختام، وبينهما عروض الأفلام والندوات، فكلنا -أقصد معشر مَن يعملون في بلاط صاحبة الجلالة بل في «الميديا» كلها- يضبط ساعاته البيولوجية على توقيت «كان»، وكاتب هذه السطور رصيده الآن يربو على ربع قرن، فأصبح من العسير إعادة برمجتي!
الأمر ليس فقط سينما، ولكن مدينة تعيش كل عام وفي نفس التوقيت هذا الفرح، أيضاً وجوه لعدد من الزملاء صارت تعني الكثير، ووجوه أخرى غيّبها الموت، أتذكرها لأنهم كانوا جزءاً فاعلاً في رسم ملامح الصورة.
«كان» في السنوات الأخيرة صار يقترب موعده من شهر رمضان، وذلك بسبب فارق تقريباً 11 يوماً بين السنة الميلادية «الشمسية» والهجرية «القمرية»، وصلنا هذا العام إلى مرحلة التوافق، يبدأ «كان» قبل «رمضان» بـ9 أيام، مختتماً فاعلياته بعد بداية رمضان بيومين.
لا أتصور أن تلك التفاصيل تفرق مع إدارة المهرجان، فقط في عالمنا العربي يتم دائماً الأخذ في الاعتبار طبيعة هذا الشهر، ليس فقط لكونه طقساً دينياً، ولكن لأن له محدداته الاجتماعية ما بين إفطار وسحور، كما أن الفضائيات تلعب دوراً محورياً في منح مذاق رمضاني لكل شيء، حتى تلك البرامج التي ينالها هجوم كاسح من المشاهدين، نكتشف أنها تحقق في نفس الوقت أعلى درجات كثافة المشاهدة.
المهرجان الراسخ طبعاً لم ولن يغيّر من أجلنا مواعيده، فهو يتعامل مع كل دول العالم، ولو أنه أخذ في الاعتبار رمضان سيصبح عليه أن يراعي أيضاً طقوس أخرى مماثلة في الهند أو الصين أو أستراليا وهكذا، ولهذا سيزداد الأمر صعوبة في الأعوام القادمة.
المأزق الذي ستعيشه «الميديا» سنراه في المساحات التي تعوّد أن يمنحها الإعلام بكل أطيافه لمهرجان «كان»، والتي ستتأثر سلباً لا محالة. الإعلام، المقروء والمسموع والمرئي، يفرد وقبل أسبوع مساحات مضاعفة من الصفحات للشاشة الصغيرة، بينما تتقلص مساحات الشاشة الكبيرة، حتى إن دور العرض في مصر على سبيل المثال ترفع يافطة «مغلق للتحسينات»، رغم أنها بعد أن تفتح أبوابها للجمهور في العيد لن تجد شيئاً يمتّ بصلة قربى أو نسب لأي نوع من تلك التحسينات!
الكل الآن مشغول بالحديث عن رمضان ومسلسلاته وبرامجه، فهل في وسط هذا الضجيج سيُمنح شيء لمهرجان «كان»؟
دورة هذا العام «تتكلم عربي»؛ إذ فيها العديد من الأفلام والفاعليات الناطقة بالعربية، مثلاً الفيلم المصري «يوم الدين» لأبي بكر شوقي، في أول تجربة له، والمخرجة اللبنانية المتألقة نادين لبكي التي شاهدناها أكثر من مرة في قسم «نظرة ما»، وأيضاً في لجان التحكيم هذه المرة داخل المسابقة الرسمية بفيلم «كفر ناحوم»، ولدينا في قسم «نطرة ما» الفيلم المغربي «صوفيا» لمريم بن مبارك، والفيلم السوري «قماشتي المفضلة» للمخرجة غايا جيجي، ناهيك عن وجود المملكة العربية السعودية بجناح لأول مرة وعرضها مجموعة من الأفلام القصيرة، ودولة فلسطين لها جناح، حتى المخرج الفرنسي الكبير جان لوك جودار، يُعرض له داخل المسابقة فيلمه «كتاب الصورة» الذي صُوِّرت بعض مشاهده في تونس، ويحكي عن العرب، أي أنه بالضرورة ستجده ينطق ولو حتى على استحياء بالعربي.
نعم عقلي الآن في «كان»، ولكن لا يزال قلبي مشغولاً بصراع المسلسلات والبرامج في «رمضان»!
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط