عادل الكلباني
المصارعة أقيمت، وستستمر عشر سنين حسب المتفق، إلا أن يشاء الله، وكذلك فتحت دور السينما، وستقود المرأة السيارة، وكثير مما احتج (المنافحون) عن الدين بالفتوى لمنعه وقع، ولاقى قبولاً يثير تساؤل العاقل، وكأن المجتمع يقول بفم ملآن سئمنا التحريم، سئمنا المنع.
صارع النبي صلى الله عليه وآله ركانة على شاة فصرعه.
كانت هذه تغريدة أشعلت حماسة المتقنعين (خوفاً) أو (حكمة) لإبراز غيرتهم على الدين وبيان انتكاس من خالفهم في الرأي!
وكما هي العادة فقد انبرى المعنفون والمتهمون والزاعمون علماً بالنيات للرد على المغرد (المنحرف) عن الجادة، القابض ثمن تغريدته، الملبّس على الناس دينهم!
ولست في مقالي هذا أرد عليهم، فالنيات لا يعلمها إلا الله، وقد تعودت (فجورهم) في الخصومة، وتعودت أيضاً سيرهم في الركاب وجرهم من يتبعهم لترديد كلامهم.
لكني أريد أن أوضح للعاقل الذي ينصف كما في قصة إسلام سعد بن معاذ ليسمع وينصف. ولست أعيب عليهم سوى أن غيرتهم لم تنفجر إلا على شخصي – ثقةً منهم أني لا أقابل الإساءة بالإساءة -، ولكني أعذرهم أيضاً؛ لأنهم لا يستطيعون إظهار أنيابهم إلا على من يأمنون جانبه! وفي المثل: ناس تخاف ما تستحي!
والمراد من التغريدة ليس تأييداً لما وقع، ولكنه دعوة لاستدراك الوضع، وبيان أن الأصل في المصارعة الحِلّ، وهو ما لم يستطيعوا أن ينفوه، وكل منهم يضع ضوابط شرعية في نظره لم تتحقق في المصارعة المقامة، وهذا هو بيت القصيد.
فإنه مازال الكثيرون يظنون أن الفتوى سد منيع لوقوع المحرم أو الخطأ أو ما يخالف الدين، ومازالوا يسيرون في نفس الطريق التي ثبت واقعاً ملموساً أنها لا تجدي نفعاً، وأن الناس تسير بقوة لمخالفة الفتوى وتركها وراءهم ظهرياً، ليس بغضًا منهم للدين، ولا انسلاخاً منه، ولكنه نزع ثقة من تقلب الآراء، وتأول بعض هؤلاء العمل خلاف ما يراه، فهو في حقه مباح، أما في حق غيره لا يباح إلا للضرورة!
وقلت هذا الكلام قبل قرار الإذن للمرأة في المملكة بقيادة السيارة، وقلته قبل الإذن بفتح دور السينما، وقلته وأقوله قبل إلغاء قرار وجوب إغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة، ولكن القوم لا يسمعون، ولا يريدون أن يسمعوا صوت النذير، ويستمرون في الإنكار الذي لا يجدي نفعاً، لا أخاله إلا تمسكاً بالهيبة، أو خوفاً من الخروج عن نص المجتمع المخيف، أو جهلاً بالطريق الصحيح للتطور والتقدم في إطار الشريعة، وأسلمة النوازل والسير في ركاب الأمم دون التخلي عن نظم الإسلام وحيويته.
المصارعة أقيمت، وستستمر عشر سنين حسب المتفق، إلا أن يشاء الله، وكذلك فتحت دور السينما، وستقود المرأة السيارة، وكثير مما احتج (المنافحون) عن الدين بالفتوى لمنعه وقع، ولاقى قبولاً يثير تساؤل العاقل، وكأن المجتمع يقول بفم ملآن سئمنا التحريم، سئمنا المنع.
إذاً ما الحل؟ هل هو في تأييد المنكر كما يزعم المشوهون؟ معاذ الله، ولكنه فقه التعامل مع الواقع، وذلك بالدخول فيه، وتقييمه، وفرض الشروط الموافقة لدين الله، مع التحفظ على تحديد هذه المخالفات، فمثلاً يردد أكثرهم مسألة كشف العورة، ولن نجادل في: هل الفخذ عورة أم لا؟ ولكن لنتفق على أنها عورة تنزّلاً، فهل من الصعوبة بمكان أن تقام المصارعة مع ستر الأفخاذ؟ وهل إذا ستر المصارع فخذه جاز له أن يصارع؟ وهل للمسلمين إلزام من لم يدن بدينهم بآداب الإسلام، ولا سيما في الأمور المختلف فيها بين المسلمين أنفسهم؟ ويحتجون بالاختلاط وغير ذلك مما يوضع في خانة الشوائب أو الملحقات، لا في أصل المسألة.
ونقول باختصار إذا كان أصل المسألة حلالاً، لا حرج فيه، فإن التخلص مما يشوبه سهل ميسور. وفي مسألتنا فقد صح الحديث بذلك، وزيادة على ذلك في إحدى روايات القصة أنه صرع ركانة على شاة من غنمه، وهذا يعطينا حكمًا أبعد من مجرد إباحة المصارعة، هذا، والله من وراء القصد.
المصدر: جريدة الرياض