د. عبدالرحمن الطريري
جميل أن تبادر الهيئة العليا للثقافة بإصدار الشروط البلدية والفنية لدور السينما، من حيث مواقعها والمسافات الفاصلة بين كل دار والأخرى، التي يفترض ألا تقل عن كيلومتر ونصف الكيلو، وتأمين المواقف الكافية لمشاهدي الأفلام وغيرها مما تم الإعلان عنه، إلا أن شروطا أخرى ربما لم يعلن عنها، أو لم أطلع عليها، ورأيت أهمية الوقوف عندها مثل مخارج الطوارئ، ونظام الإنذار، ونظام الإطفاء، ونظام الإسعاف للحالات الطارئة ـــ لا سمح الله ـــ ومدى توافر ممرات خاصة للمعوقين، وكذلك نوع المقاعد، ومناسبتها من الناحية الصحية للجميع، إذ إن بعض المقاعد قد تكون مؤذية، وغير مريحة، كما أن تهوية المكان من الأهمية بمكان، حتى لا تترتب أضرار صحية، ولعل الجهات ذات العلاقة كصحة البيئة، والدفاع المدني، والبلديات، وهيئة المهندسين السعوديين، وهيئة الغذاء والدواء لها رأيها في كثير من الأمور، ذات العلاقة بتخصصاتها. من الأمور المهمة صحة الفرد، لما لها من تأثير بالغ في الفرد والمجتمع والوطن الذي سيدفع تكاليف العناية الصحية، ومما هو مرتبط بمشاهدة الأفلام، حتى أصبح تقليدا ملازما، ومصدر دخل لدور السينما أكلة الفشار، وقد لفت نظري تركيز وسائل الإعلام عند افتتاح أول دار سينما في الرياض على إبراز كاسات الفشار يحملها بعض من حضروا العرض الأول، ولذا لا بد من وقفة مع هذا المشهد من الناحية الصحية، فالفشار فيه شيئان يحذر منهما الأطباء، وهما الزيت والملح، لعلاقتهما بأمراض مزمنة، كالسكري، وضغط الدم، فهل نحن في حاجة إلى مثل هذا التقليد، خاصة أن مشاهدة الأفلام تصاحبها جلسة وركود لساعات، فهل نوجد البديل الصحي، بدلا من عادة ضارة تحول شبابنا وأطفالنا إلى براميل متحركة تعاني الأمراض. اجتهدت الهيئة مشكورة ووضعت شروطا بلدية وفنية، إلا أني لم أقرأ شيئا عن الشروط الخاصة بالمحتوى، والأثر الناجم عنه خاصة أنه لا يوجد لدينا صناعة إنتاج أفلام، فحالنا سيكون استيراد الأفلام من خارج البلاد مع ما قد يكون فيها من سوء، ومنافاة للأخلاق والقيم التي تشكل في مجموعها مرتكزات الهوية الوطنية السعودية، فالأفلام غالبا تكون متأثرة بالبيئة التي أنتجت فيها. التسلية ليست هي الهدف الوحيد، فالفيلم بما يحتويه من فكر وطريقة تفكير وسلوك كلها ذات تأثير بالغ، خاصة أن الإيحاء كعملية نفسية يعتبر أساسا تقوم عليه صناعة الأفلام والمسلسلات، لما لبطل الفيلم وأحداثه، وحبكة القصة من أثر لكونه قدوة يحتذى بها، ولعل حالة الركود، والإضاءة الخافتة في القاعة تسهل تمرير ما يتضمنه الفيلم. قبل بضع سنوات اتخذ وزير الثقافة الفرنسي قرارا منع بموجبه عرض الأفلام الأمريكية، مبررا ذلك بضررها على الثقافة الفرنسية، ما يهدد الفرنسيين بفقد هويتهم، أو جزء منها لمصلحة الثقافة الأمريكية، وهذا قد يحدث خللا في الانتماء لفرنسا، وإذا كانت فرنسا تخاف من الأفلام الأمريكية، رغم وجود قواسم مشتركة، دينية، وثقافية، فما بالنا نحن مع الفوارق بيننا؟! بعض الأفلام، فيها تشجيع على التمرد على سلطة الثقافة العامة، والسلطة الوالدية، فمتى غرست هذه الأفكار والقناعات يصعب تغييرها، ومن ثم تتسع دائرة التمرد، وعدم الالتزام بالقانون والنظام العام، لتشمل رفض المكونات الاجتماعية، وعناصر الثقافة التي حققت طوال هذه العقود اللحمة، والتماسك الاجتماعي بين كل الأطياف، لما بينهم من ثقافة مشتركة حققت كثيرا من القناعات بدلا من حالة التناحر، والتحارب التي كانت سائدة من قبل. من متابعتي للأخبار قرأت خبرا مفاده أن فيلم “المنتقمون” سيعرض في المملكة قبل عرضه في دور السينما الأمريكية، وأعترف أني لا أعلم عن محتوى الفيلم أي شيء، إلا أنه من اسمه يمكن توقع الطابع العنفي لمحتواه، ولو كان عنوان الفيلم المتسامحون لكن الانطباع أكثر إيجابية، وارتياحا، فهل اختياراتنا للأفلام مبنية على جدتها، وأسمائها البراقة فقط، أم أننا نخضع أنفسنا، واختياراتنا لما نعتقد أنه الأنسب والأصلح لأبنائنا ووطننا؟! الصحة البدنية اهتمت بها الأبحاث الطبية، ويجتهد الأطباء في تحقيقها لدى مرضاهم، وغالبا لها معايير ذات صبغة عالمية، إلا أن الأمور الثقافية، والفكرية، والقيم والحصانة وحسن التوجيه لهذه الأشياء لا تخضع لمعايير عالمية، بل تشتق بشكل أكبر من الوعاء الثقافي والحضاري للبلد، فهل من جهد بذل أو يبذل في هذا المجال حتى لا نتأخر في تأسيس المعايير والقواعد التي يجب أن تسير عليها هذه الصناعة الوافدة، وهي مثلها مثل أي صناعة أخرى، مادية أو فكرية وثقافيه لابد لها من معايير نضمن من خلالها الجودة.
المصدر: الاقتصادية