فراج إسماعيل
بعد موجة أفلام المقاولات التي كانت أبرز عيوب صناعة السينما المصرية في العقدين الأخيرين بدأ انحسار تلك الصناعة التاريخية في أهم مناطقها في الشرق الأوسط والتي كان يشار إليها دائما بهوليوود الشرق.
ولأنني من هواة السينما والمسرح كنت أخشى على هذه الصناعة أن تلحق بشقيقها “المسرح” الذي لم يعد موجودا في القاهرة كما كان العهد به في السابق، ما عدا محاولات يتيمة لا تصنع نجوما كعادل إمام وسعيد صالح وسمير غانم وقبلهم يوسف وهبي وإسماعيل يس وآخرين من النجوم الذين ملأوا حياتنا ضحكا ومرحا وسعادة. محاولات على شاكلة مسرح مصر جرى إخراجه ليتناسب مع عرضه تليفزيونيا.
الظروف الاقتصادية هي السبب الرئيسي في تراجع صناعة المسرح. يصعب على جيوب معظم المصريين أن تدفع قيمة تذكرة الدخول، ونضوب السياحة العربية إلى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 ، جعل من غير الممكن الاستمرار في تلك الصناعة، لأن المسارح منذ الثمانينيات ظلت تعتمد على السياح العرب في ارتيادها، فوحدهم كانوا القادرين على الدفع.
خروج نجوم ونجمات الصف الأول الذين اشتهروا بالأفلام الرومانسية ثم بأفلام العنف والمقاولات، سواء بالرحيل عن الدنيا أو الاعتزال، شجع ممثلين جددا على ارتياد هذه الصناعة واعتماد المنتجين عليهم، وفي الغالب هو منتج وحيد ظل مستعدا للمغامرة بانتاج العديد من الأفلام خصوصا التي تعرض في المواسم مثل الأعياد والربيع ويرتادها الشباب. لكنها أفلام تجارية غير مكلفة بدون مضمون حقيقي. لا تتحملها دور العرض أكثر من أيام معدودة. لاتترك أثرا ولا يهتم بها النقاد الذين اختفوا كذلك من صفحات الصحف.
بدأت صناعة السينما في مصر في وقت بدايتها عالميا تقريبا. أول عرض سينمائي في العالم كان في الجراند كافيه بباريس في ديسمبر 1895، وأول عرض مصري كان في مقهى زواني بالاسكندرية في يناير 1896 وتبعه بأيام قليلة في الشهر نفسه عرض في سينما سانتي بالقاهرة وبعدها بعامين عرض في مدينة بورسعيد.
السينما المصرية يزيد عمرها عن 122 عاما وهو عمر أكبر بكثير من أي سينما أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وطوال ذلك التاريخ المديد قدمت أكثر من 4 آلاف فيلم تمثل ريادة القاهرة في الفن السابع.
في السنوات الأخيرة تراجع الاقبال على دور العرض بسبب القنوات الفضائية ثم نشوء ما يمكن تسميتها بدور العرض الشخصية ممثلة في أجهزة الموبايل الذكية “سمارت فون” والنمو الذي طرأ على شبكات الانترنت.
في قطارات المترو يمكنك رؤية بعض الشباب يجلس وفي يده جهاز الموبايل بسماعته الموصولة إلى الأذنين أثناء مشاهد فيلم أو مسلسل. وفي الغالب أفلام أجنبية لم تمر على الرقيب لأنها تأتي من المنبع مباشرة.
كل ذلك أثر على دور العرض وأثر أيضا على الانتاج السينمائي المصري، بل والعربي فهم ينتجون لتغذية تلك الدور وجذب الجماهير إليها.
في سوق متعطشة وبكر وثرية مثل السوق السعودية يبدو أن المعادلة ستتغير إلى الأفضل. افتتحت في الرياض مؤخرا دار عرض ثانية تتسع لأكثر من 200 شخص، وفي الخطة وفق آلان بجاني الرئيس التنفيذي لمجموعة الفطيم الإماراتية فتح ما لا يقل عن 600 شاشة عرض سينمائي في مدن المملكة.
القائمون على افتتاح دور العرض لا يفعلون ذلك بمغامرة، فدراستهم أكدت أن هذه السوق البكر قادرة على استيعاب المزيد والمزيد منها، وأن حجمها يصل ما بين مليار وملياري دولار من إيرادات شباك التذاكر.
أي أن السعودية ستكون من أهم 8 أسواق في العالم وأكثرها ربحية في صناعة السينما، وهذا ما يمكن أن يشجع على المزيد من الانتاج في بلاد اشتهرت تاريخيا بتلك الصناعة وفي مقدمتها مصر وأيضا المغرب والجزائر وسوريا عندما تتعافى من أزمتها وكذلك لبنان وأيضا تشجيع تلك الصناعة في دول الخليج التي تملك كفاءات مدربة من المخرجين وممثلين موهوبين.
قبلة الحياة التي قد تمنحها دور العرض السعودية للسينما المصرية، لا يجب أن تفهم هنا على أساس الكم وليس مستوى المضمون كما يحدث في مسلسلات رمضان. السباق السينمائي لا يرحم لأن البدائل الأخرى تنافس وبقوة خصوصا القادمة من هوليوود أو بوليوود، والتي تنتج بتكلفة عالية جدا وبإخراج مبهر وبغزارة أيضا.
المصدر: المصريون