وائل مرزا
خلال ثلاثة أيام فقط خلال الأسبوع الماضي (الجمعة والسبت والأحد)، وفي صحيفتنا الغراء «المدينة»، يقرأ المرء دزينة عناوين تُعبر كثيراً عن مفارق ومجالات التغييرات الجذرية التي تشهدها المملكة، بشكلٍ متسارع، في هذه المرحلة. لن ندخل في تفاصيل الأخبار التي تتحدث عنها العناوين، سوى ما يحتاج شرحاً يسيراً لها، فالرجوع لتلك التفاصيل متيسرٌ في أرشيف الصحيفة، وإنما نذكرها في هذا المقام لنستقرئ ما يتعلق بها من آفاق ودلالات.
ترِدُ العناوين بالشكل التالي: («النمر الأسود» فيلم ترفيهي للعائلات)، في إشارة لبدء عرض أحد أضخم وآخر صناعة السينما الأمريكية الملحمية. («رينو الشرق الأوسط» تدعم المواهب الموسيقية: منحتهم الفرصة لصناعة مقاطع عبر»الفيديو إكسبرشنز»)، حيث تشجع شركة (رينو) للسيارات المواهب الموسيقية من مدخلٍ جديد. (القدية عملاق سياحي يواكب التنمية ويرفع جودة الحياة) ويتحدث عن مشروع سياحي عملاق جديد وشامل في المملكة. («الفطيم الإماراتية» تعتزم استثمار ملياري ريال في السينما السعودية)، حيث يرد في الخبر حصول الشركة الإماراتية على ثاني رخصة لدور السينما في المملكة وعن حجم استثماراتها القادم في هذه الصناعة. (أغانٍ أمريكية مع طلال مداح وفوزي محسون بالرياض)، ويتحدث الخبر عن نشاط غنائي سعودي أمريكي مشترك. («تقاسيم» عبادي و»طلب» الشامي يُمتعان جمهور»العروس»)، ويرد فيه خبرٌ آخر عن حدثٍ غنائي سعودي في مدينة جدة. (صدور الاشتراطات البلدية والفنية لدور السينما: البعد عن المواقع الخطرة.. والمداخل بشارع تجاري)، وفيه يشرح التقرير الاشتراطات المُشار إليها في العنوان لتنظيم صناعة السينما من جوانب مختلفة.
تدخل الأخبار المذكورة في مجالات الفن والسياحة والثقافة، وثمة خبر بعنوان (27 مبادرة لتعزيز الوسطية والاعتدال يطلقها ملتقى بالحرم المكي.. الفيصل يدشن «ميثاق» ويتسلم كتاب «الأسوة في تحقيق القدوة»)، يتعلق بمسارٍ من مسارات الإصلاح والتجديد الديني، وآخر يتعلق بالموضوع من طرفٍ آخر، عملي، عنوانه (رئيس المجلس البابوي ينهي زيارته للمملكة)، يحمل معه دلالة انفتاح ديني على (الآخر).
أما في المجال الاقتصادي فنقرأ عنواناً يقول: (إصدار أول رخصة حاضنة أعمال في المملكة بعد اعتماد لائحة تنظيم الحاضنات لجذب المستثمرين)، يتحدث عن البدء بتنظيم عمل هذا الحقل المهم في مجال رواد الأعمال.
وأخيراً، نقرأ خبرين متصلين بالعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع السعودي، الأول دراسة تتعلق بموضوع الزواج والطلاق والحياة العائلية أجرتها هيئةٌ مختصة بعنوان: («المودة»: 64% نسبة التوافق بين الأزواج.. و100 حالة طلاق يومياً و73٪ يفضلون الزواج عبر الأقارب والخُلُق يحسم الاختيار). والثاني عن جهة تنظيم دورهما في المجتمع بشكلٍ يضمن استخداماً أكبر لانطلاق المرأة في عملية التنمية من جهة، وتحقيق التوازن بينها وبين الرجل في هذا الميدان من جهةٍ أخرى، وذلك بعنوان: (تفعيل مشروع التوازن بين الجنسين في الخدمة المدنية).
ماذا تعني هذه الأخبار، الواردة في صحيفة سعودية واحدة، خلال ثلاثة أيام فقط، فيما يتعلق بالتغيير الكبير والسريع والجذري الجاري في المملكة خلال الشهور الأخيرة؟
تعني أن ثمة تغييرًا عميقًا ومتسارعًا وواسعًا يحصل في هذا البلد الكبير والمؤثر، عربيًا وإسلاميًا، نتيجة القرارات والسياسات التي تتخذها القيادة السياسية فيها.. لكن ما يبدو أيضاً أن شرائح مقدّرة في المجتمع لا تزال في موقع المتابع، الذي يحاول استيعاب دلالات القرارات واستقراء ملامح التغيير الناتجة عنها.
ورغم أن المبادرة بالتغيير من فوق تُعتبر مكسباً للتجربة في كثير من الأحيان.. غير أن من الضرورة بمكان أن تبادر الجهات والمؤسسات الفاعلة في المجتمع للقيام بدورها.. ليس فقط لتأمينِ مقومات النجاح لهذه التجربة، بل لأن من الممكن لذلك أن يجعلها تجربةً رائدةً للتغيير.
فالأخبار المتعلقة بفعاليات الحياة الواردة أعلاه، تُشكل وحدَها جوانب في غاية الحساسية إذا كان الحديث عن حاضر المملكة ومستقبلها.. كيف يكون الحال إذاً مع عشرات العناوين الأخرى التي تتناول جوانب الحياة في المجتمع السعودي؟
إن عملية التغيير وصيرورته، في أي مجتمع، شاملة.. وتدخل في إطارها العديد من القضايا والأفكار والمقترحات والمفاهيم والمصطلحات.. والشائع الآن في المجتمع السعودي، كما هو الحال في مجتمعات أخرى، أن التعامل مع القضايا والمفاهيم والمصطلحات والأفكار والمقترحات المتعلقة بالأخبار والمواضيع المذكورة أعلاه يجري على المستويين النفسي والعملي بشكل عفويٍ، أخباراً ومقالات عبر الصحافة والإعلام، أو عشوائياً من خلال الأحاديث والتعليقات المتداولة عرَضاً في الشارع العام بين أبناء المجتمع. الأمر الذي لا يساعد هذا المجتمع على فهم القضايا المُثارة بشمولية ودقة، وعلى إدراك الدلالات العملية للمفاهيم والمصطلحات ذات العلاقة بشكل موضوعي وبحدٍ أدنى من المنطق العلمي، وعلى فهم أسبابها واستيعاب نتائجها.. ماهي النقلة المطلوبة إذاً؟ نكمل في المقال القادم.
المصدر: صحيفة المدينة