محمد الطميحي
ليست السينما مجرد وقت محدود لشغل الفراغ الذي يسكن أيامنا، بل هي عالم متكامل يتجاوز مدة الفيلم الذي يعرض مهما طالت تلك المدة.
لعل ما يميز هذه الصناعة هو مدى الانفتاح الذي توفره على الثقافات الأخرى خصوصاً إذا اشتملت العروض على مجموعة متنوعة من الأفلام خارج سيطرة هوليود والثقافة الأميركية الطاغية على مجمل الإنتاج العالمي.
أهمية الفيلم لا تقاس بمداخيله في شباك التذاكر فقط، بل هناك العديد من العوامل المهمة التي تساهم في اختيار ما يعرض من أفلام بصرف النظر عن أسماء النجوم المشاركين في العمل أو التكاليف التي سخرتها الشركة المنتجة.
ومع إيماننا بأهمية الاستثمار في هذا المجال الذي تتجاوز إيراداته وما ينفق عليه المليارات إلا أنّ الجانب الثقافي في هذه المعادلة لا يقل أهمية عن الأرباح والمكاسب التي تحققها تلك الأفلام.
نريد أن نشاهد أفلاماً من اليابان وأوروبا وأميركا الجنوبية وتلك الأفلام التي لا نراها إلا في المهرجانات السينمائية الدولية حتى لو كانت بعيدة عن الربح والإقبال، فالقصة والتصوير والإخراج المميز لها قيمة أيضاً.
أتمنى ألا يكون فيلم (النمر الأسود) الذي تم اختياره ليكون باكورة العروض السينمائية السعودية بعد غياب دام لعقود مؤشراً على ذلك، فالفيلم رغم إيراداته التي تجاوزت المليار دولار لا يمثل بالنسبة لنا كسعوديين أي شيء.. لا تراث.. لا ثقافة.. ولا حتى واقع اجتماعي معاش.
كنت أتمنى أن يكون هناك إنتاج سعودي ضخم بفخامة هذا الحدث والاهتمام العالمي الذي ترافق معه، شيء كهذا كان سيحقق التأثير المطلوب لهذه العودة التاريخية.
من اللافت أن المؤسسة الحكومية التي تشرف على هذه النقلة النوعية هي الهيئة العامة للثقافة وفي هذا رسالة واضحة أن المسألة ليست ترفيهاً فقط.
وحتى تتضح الصورة بين الترفيه الأقرب للاستثمار المادي وبين التثقيف الذي يستثمر في العقول والتنمية الفكرية يأتي دور الدولة في تشجيع المستثمرين على الموازنة بين الجانبين.
ورغم الأسعار العالية في أسعار التذاكر المطروحة حالياً مقارنة ببقية المدن الخليجية التي سبقتنا في إقامة دور السينما، إلا أن حداثة التجربة ووجود صالة سينمائية وحيدة في الوقت الراهن يبرر مثل تلك الأسعار التي سرعان ما ستعود إلى السعر العادل مع ارتفاع المنافسة وافتتاح المزيد من صالات العرض مستقبلاً.
يبقى اللافت في المسألة؛ النسبة التي تذهب لهيئة الثقافة من مردود تلك التذاكر.. لدينا ثقة وأمل كبير في أن هناك توجهاً رسمياً لتخصيص هذه النسبة لدعم صناعة السينما في المملكة وتشجيع المخرجين والمنتجين الشباب على الارتقاء بما يقدمونه من أعمال.
عندها فقط.. سنضمن نجاح التجربة، وسنتمكن من تعويض ما فاتنا خلال سنوات الركود السينمائي التي حرمنا خلالها مما توفره هذه الصناعة من انفتاح وإبداع.. دون ذلك ستكون عودة السينما لدينا سطحية جداً.. مجرد صالة عرض.. و(شوية بوب كورن).
المصدر: جريدة الرياض