سوليوود (الرياض)
عاشت المملكة العربية السعودية، تاريخا طويلا غير مدون للفنون؛ في مجالات الفرق الموسيقية والمسرح والفولكلور، لكن الفنون الموسيقية والغنائية وحدها مرت بأطوار عدة، أثارت فضول الباحثين، فقد تأسس لها في الستينيات الميلادية ما يشبه المؤسسات الرسمية، من خلال الإذاعة والتلفزيون، وجمعيات الثقافية الفنية لاحقا، إذ شهدت الحركة فنية تطورا ملحوظا دام لقرابة ثلاثة عقود، ثم غابت الرعاية، وتفرق الفنانون، وتفككت الفرق الفنية.
وبسبب غياب جهة راعية، واعتماد ثقافة تمويلية للمبادرات الموسيقية بين عدد من الجهات العامة والخاصة، عبرت الموسيقى السعودية في انتكاسات ومراحل إهمال كثيرة .. وصولا إلى إعادة هيكلة القطاعات الثقافية في المملكة التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
وفق ما نشرت الاقتصادية فقد أعلنت المملكة من خلال برامج طموحة لـ”رؤية 2030″ إنشاء مجمع ملكي للفنون ودار للأوبرا، كما باشرت وزارة الثقافة والإعلام إعادة تأسيس فرقة موسيقية وطنية، إضافة إلى جهود حكومية حقيقية لمسها السعوديين عموما ورواد الثقافة والفن خصوصا، إذ وقعت اتفاقيات وتفاهمات لها كبير الأثر في تغيير واقع الفن في المملكة، ولا يغفل دور هيئة الترفيه في هذه الجهود، إذ أقامت حفلات فنية موسيقية وفنية لكبار ونجوم الغناء والموسيقى في المملكة، عقب التحولات الأخيرة في المملكة.
ولأنها ليست أقل شأنا من السينما والأفلام فإن كانت تعبر السينما والأفلام عن الترفيه والترويح عن النفس بشكل عصري، فالموسيقى هوية الشعوب ومؤشر رقيها، وحاضر وتاريخ يحلق في سماء الأنغام والألحان وسفيرة عابرة لكل أسوار الفن، التي تذوب في تفاصيلها كل مشاعر من لديهم ذائقة حسية.
وإيمانا من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رست أول تجربة موسيقية حقيقية على سواحل المملكة، من خلال اتفاقية وقعها عواد العواد وزير الثقافة والإعلام في فرنسا قبل أسابيع، وذلك إيمانا بترسيخ الثقافة والسلام والتعاون بين الأمم، إضافة إلى يقين ولي العهد بضرورة تطويع الموسيقى كلغة مشتركة بين الشعوب لنشر قيم إنسانية مهمة: مثل السلام، والتسامح، والتعايش بين الشعوب وهي المبادئ العظمى التي تنعم بها المملكة تحت راية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله.
وأدركت المملكة الأثر الثقافي لتأسيس “الأوركسترا”، من خلال التأكيد على ضرورة الحاجة للمواءمة بين الثقافات الحديثة والتراث، إذ يعد تأسيسها حلقة وصل بين التراث والتقاليد السعودية من جهة، ومن جهة أخرى بينها وبين الحداثة الفنية العالمية، من خلال تدعيم ركائز التطور برفع مستوى الوعي الثقافي لدى الأفراد بوجه عام ومستوى التعليم الموسيقي بوجه خاص.
لم تكن الموسيقى غائبة في يوم عن شعب المملكة، الذي لطالما عزف ألحانها ورقص على أنغامها في الأفراح والمناسبات البهيجة، إذ كان الدف الآلة الموسيقية الأشهر على أرض هذه البلاد منذ استقبال النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – في المدينة المنورة بأنشودة “طلع البدر علينا”.
أول معهد موسيقي
في السعودية
كانت أول تجربة للـ”أوركسترا” السعودية، لكن بصفة عسكرية، في 1942 عندما تخرج طارق عبدالحكيم برتبة ضابط في سلاح المدفعية ضمن دفعة الكلية الثانية، التي ضمت 32 خريجا، ليكون للقدر كلمته باجتماع “عبد الحكيم” بالأمير منصور بن عبدالعزیز، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع السعودي آنذاك، الذي استمع لإبداعه وآمن بموهبته، وبلمسة إبداع ملكية حظي “عبد الحكيم” بدعم ملكي مطلق، إذ قال له الأمير منصور – رحمه الله: “اذهب واغتنم الفرصة وتعلم الموسيقى في مصر، فسيأتي يوم تحال فيه إلى التقاعد، ولن تتمكن من بيع المدافع”.
ليكلف الموسيقي السعودي الكبير طارق عبدالحكيم، بتكوين نواة أول فرقة موسيقية للجيش السعودي، نظرا لعدم وجود مثل هذه الفرقة في الجيش حينها، إذ أوفد إلى مصر لهذه الغاية في 1952، وعلى الرغم من التناقض في مهنة “عبدالحكيم”، الذي عمل قائدا للمدفعية في الفوج الثاني المتحرك، وغايته في تكوين فرقة “أوركسترا” موسيقية عسكرية.
وأتاحت الفرصة له خلال سنوات إقامته في القاهرة الالتقاء بكبار الفنانين في مصر، ليكتسب منهم فيما بعد الخبرات الواسعة، فكان أشهر من التقاهم من الموسيقيين: أحمد الحفناوي، وعبدالفتاح منسي، وأحمد عطیة، إضافة إلى مدير إذاعة صوت العرب آنذاك أحمد سعيد وشخصيات فنية عدة كان لها كبير الأثر فيما تعيشه الموسيقى السعودية اليوم.
وظهرت آثار وندوب الحس العربي في الموسيقى السعودية آنذاك، إذ ما شهده “عبدالحكيم” من أحداث في مصر، كان أبرزها نهاية العهد الملكي، وحريق القاهرة الكبير، وثورة يوليو 1952، وطرد الملك فاروق، إضافة إلى إزاحة محمد نجيب، لتزيد خصوبة الموسيقى فيما بعد لحمة ووطنية تجاه الهم العربي المشترك، ليكمل فيما بعد مشواره الفني ويتجه نحو بلاد الأرز ويلتقي العملاق الكبير وديع الصافي.
بدت مجرد فكرة تأليف لحن السلام الوطني وعزفه عسكريا أمام الملك عبدالعزیز – رحمه الله – أمرا مثيرا للمتاعب لولا تفهم ودعم وزير الدفاع الأمير منصور، الذي كان مصمما على إدخال الموسيقى في الجيش السعودي.
وبعد عودته من مصر استقر في الرياض، عاكفا على تأسيس أول معهد لموسيقى الجيش، وإعداد فرقة موسيقية قادرة على أن تكون النواة الأولى لترسيخ مفهوم الموسيقى السعودية، لتكون مهامها فيما بعد إعداد موسيقيين، متميزين يعزفون نشيد الوطن بأنفاس وألحان سعودية، وكلمات الشاعر الراحل إبراهيم الخفاجي.
مبادرات موسيقية
دخلت الموسيقى السعودية سباقا مع الزمن، لتخوض تجربة “أروكسترالية” تراثية، من خلال تعاون مشترك بين مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية “مسك” ووزارة الثقافة والإعلام، بإنتاج مقطع مصور بالتزامن مع اليوم الوطني الـ 87، من خلال تقديم العرضة السعودية بشكل مختلف وخارج عن المألوف.
وقدم “الفيديو الموسيقي” العراقة الوطنية، النابضة من تاريخ الجزيرة العربية، بمقدمة موسيقية، أدتها أوركسترا العرضة السعودية “سلايل”، التي قدمت الموروث الوطني بطريقة فنية عصرية، جمعت بين التراث السعودي والحداثة العالمية، مذكرة في ثناياها بدور الملك المؤسس، الذي كان يشهر سيفه على ألحانها في كل انتصار عند توحيد المملكة.
رأي فني سعودي
وفي حديث خاص لـ”الاقتصادية”، أكد إبراهيم التعزي المدير السابق للثقافة والفنون بجدة أن جهود ولي العهد المباركة ستجعل من أحلام السعوديين واقعا مشرقا، إذ إن “الأوركسترا” في السعودية، سترفع من الذوق العام في الموسيقى، إضافة إلى أنها ستكون بيئة خصبة لفتح المجال أمام الموسيقين السعوديين في تشكيل الموسيقى السعودية بشكل عام، من خلال أثرها الكبير الذي سينعكس على الموسيقي السعودي، مبينا أن هذه الخطوة ستسهم بشكل مباشر في رفع المستوى الجمالي.
وذكر التعزي أن هذا التوجه سيكون نخبويا في بداياته، وسيصبح أسلوب حياة فيما بعد، إذ ستعزز الذائقة الفنية العامة للمجتمع، من خلال الفرح والراحة والطمأنينة، التي تبعث في النفس حب النجاح ورفع راية المملكة في المحافل الدولية الموسيقية، حيث إن السعودية تضم نخبة سعودية فنية، كان لها كبير الأثر على الساحة الفنية العربية والعالمية، موضحا أن “الأوركسترأ” السعودية ستكون قفزة نوعية نحو العالمية، من خلال استعادة الموسيقى السعودية المهاجرة.
“الأوركسترا” باختصار
وتتكون الأوركسترا بشكل عام من أربعة أقسام وهي الآلات الوترية، وآلات النفخ، والنحاسيات، والإيقاع موزعة على آلات فردية، وهناك آلات مألوفة كالبيانو والأورغن والهارب، لا تصنف ضمن العائلة الكبيرة للأوركسترا وتعتبر آلات ترحيبية للمجموعة الموسيقية بين فترة وأخرى، إذ اشتهرت هذه الآلات الثلاث أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 في الموسيقى السيمفونية.
ويبلغ عدد عازفي “الأوركسترا السيمفونية” نحو 80 عازفا، إذ يتكون تشكيل الآلات الوترية من نحو 60 عازفا من هذا العدد، وبصفة عامة تعتبر الآلات الوترية أساس تناغم الألحان الموسيقية، التي تنقسم إلى خمسة أقسام بطبقات صوت مختلفة عبر المحيط الصوتي الواسع، منها 30 آلة كمان مقسمة إلى جزأين لكل منها 15 عازفا، إضافة إلى 12 آلة فيولا، وعشر آلات تشيللو، وثماني آلات الدبل باص.
ولا تقل آلات النفخ والنحاسيات شأنا من الوتريات، على الرغم من أنها أقل بكثير في العدد، إلا أن لها لونا مميزا ولحنا عذبا، يضيف إلى الأوركسترا قوة إلى قوتها، من خلال آلة البيكلو، إضافة إلى آلتي فلوت، وآلتي كلارنيت، وآلتي أوبوا وآلتي باسون مع آلات إضافية مثل كور أنجلاس، وأوبوا دامور وباس كلارنيت وكونترا باسون.
وتعود أصول الآلات النحاسية والنفخ إلى موسيقى الهواء الطلق، وغالبا ما ترتبط بأنشطة متعلقة بالفروسية إذ كانت هذه الآلات مثالية للهواء الطلق، لقوة صوتها، وتصدر الآلات النحاسية صوتا قويا واستثنائيا يطغى على الأقسام الأخرى في الأوركسترا ويضيف وزنا هائلا إلى الذروة السيمفونية.
وترجع أصول الآلات الإيقاعية والطبول في الأوركسترا إلى موسيقى الهواء الطلق وتعتبر هذه الآلات ضرورية جدا للأوركسترا السيمفونية وتشمل عادة آلتي تمباني أو “كتل درامز” وبما أنها أقل شيوعا فإنه يضاف إليها في كثير من الأحيان آلات الصنج والمثلث والطبل الكبير والطبل الجانبي.