سوليوود (الرياض)
مع افتتاح السينما في السعودية، لا يسترجع الكاتب الصحفي عبدالرحمن الراشد -فقط- ذكريات مشاهدته فيلماً أمريكياً في إحدى دور السينما في الرياض، قبل 40 عاماً؛ بل يرصد حياة طبيعية كاملة لمدينة الرياض، ثم يرصد اندلاع ثورة إيران في عام 1979، وقيام حركة “الصحوة” السعودية بإغلاق الرياض، وتحويلها إلى “مدينة كئيبة”؛ حتى جاء سمو ولي العهد محمد بن سلمان ليُعيد المدينة إلى رونقها القديم.. أما الكاتب الصحفي خالد السليمان فيرصد مباشرة مشكلتين مع السينما الجديدة.
شاهدت هذا الفيلم
وفي مقاله “من أجل حفنة من الدولارات” بصحيفة “الشرق الأوسط”، يبدأ الراشد بهذا الفيلم الأمريكي ويقول: “هذا عنوان فيلم انطبع في ذاكرتي لسبب بسيط؛ شاهدته في إحدى دور السينما في الرياض قبل أربعين عاماً! شاهدته قبل أن تصبح السينما ممنوعة وتغلق أبوابها، وتغلق معها حياة اجتماعية كاملة في أعقاب ثورة إيران في عام 1979″.
قبلها بعام، كنت قد سافرت للدراسة في الولايات المتحدة، كنت من الفرقة الناجية؛ فلم تؤثر التغييرات عليّ شخصياً؛ لكنها غيّرت جيلاً من بعدي”.
الرياض قبل 40 عاماً
ويرصد الراشد أحوال الرياض، قبل الصحوة ويقول: “كانت الرياض مدينة صغيرة، مقارنة بما هي عليه اليوم. كان سكانها لا يتجاوز عددهم نصف المليون نسمة، وفيها ثلاث دور سينما في أندية رياضية. كانت تقدم الشاي والمشروبات الغازية مع ساندويتشات الجبنة. كانت منظمة، تذاكر على الباب، وبوسترات الأفلام ملصقة على الجدران الداخلية، وأكبرها فيها نحو مائة وخمسين مقعداً، تعرض ليالي نهاية الأسبوع فيلمين؛ عربياً وأمريكياً مدبلجاً، والأمسيات العادية فيلماً واحداً. القاعة عادة مزدحمة، ومن الجمهور مَن كان يخنقنا بالسجائر، وبالتفاعل العاطفي المبالغ فيه بالتصفير أو التصفيق مع المشاهد العاطفية أو البطولات الفردية. الأفلام الغربية تصل متأخرة، أحياناً عشر سنوات”.
“من أجل حفنة من الدولارات”
ويواصل الراشد رصده قائلاً: “A Fistful of Dollars بطولة كلينت إيستوود، قديم نسبياً، مع هذا كان لنا أكثر من ممتع لقضاء تلك الأمسية. لم تعد الرياض بعد تلك الثورة المشؤومة الرياض التي تركتها، صارت مدينة كئيبة، أطبق المتطرفون عليها من كل جانب، وتغير المشهد الاجتماعي برمته، غلب عليها الغلاة والمتحمسون للمزيد من الدعوة الدينية في أكثر مدن العالم تديناً. قبل ذلك -في السبعينيات والستينيات- عايشناها مدينة بسيطة، تكفي سكانها بعض النشاطات الصغيرة لتجعلهم سعداء. زارها محمد علي كلاي وكنا ننتظره بشوق عند برج المياه، معلم المدينة الرئيسي. وضم نادي الهلال لكرة القدم اللاعب البرازيلي العالمي ريفيلينو، وكان الملعب يكتظ بحضور المباريات. حتى ليالي رمضان كانت عامرة بالنشاطات الرياضية؛ دوري كرة السلة ودوري الكرة الطائرة، ولم نكن نجد مكاناً نجلس أو نقف فيه.. كانت العاصمة لا تخلو من وسائل الترفيه؛ فعدا دور السينما، كانت توجد محلات مخصصة في إيجار الأفلام السينمائية، في حي المربع، وماكينة عرض وأفلام للويكند. وحال المدينة لم تكن معيشياً تسمح بالكثير من الترف، مع هذا كانت هناك حفلات فنية، وفي الأعياد تسير الفِرَق الموسيقية العسكرية، وتقام الاحتفالات الشعبية التي تعكس فنون البلاد”.
ثم جاء التطرف
وعن ما جرى في الرياض، يقول الراشد: “هذه الروح المتقبلة المتسامحة، والمتشوقة، تدريجياً انحسرت وضاقت مع ظهور أناشيد الجهاد في حرب أفغانستان، وتسيد الدعاة الساحة، وتم تسييس المدرسة والمسجد، وانكمش المثقفون والمتنورون أمام سطوة جيل جديد من الشباب كان يجاهر بتكفيرهم في احتفالات رسمية وشعبية، ومن على منابر المساجد”.
السينما.. عودة للزمن الجميل
ويرى الراشد أن افتتاح السينما عودة للزمن الجميل؛ راصداً تراجعات الأمم، ثم نهوضها ويقول: “مر دهر، وشاخ جيل، وشب جيل جديد فاتح العقل والعينين ليكتشف ماضيه، زمن أجداده الأكثر تحضراً وتسامحاً، الذي تعرض لمحاولات إلغائه من ذاكرة الناس الجمعية. وعندما افتتحت دور السينما الأسبوع الماضي في الرياض، كانت عودة للزمن الجميل، ورمزياً أهالت التراب على حقبة 1979.. كل أمة تمرّ بتراجعات اجتماعية سياسية، تخرج من محنتها إما قوية أو محطمة.. ولا شك أن السعودية تخرج اليوم برغبتها لتكون أقوى من تجربة قاسية، حقبة جاهلة عطلت التنمية وأرجعت المجتمع إلى الوراء، ولا تزال تعاني منها، وستمرّ سنوات قبل أن تتعافى كلياً”.
تجربة السعودية هادياً ومرشداً
ويُنهي الراشد مؤكداً أن تجربة السعودية ستكون ملهمة لغيرها، ويقول: “ستكون تجربة السعودية هادياً ومرشداً لأمم تمرّ بمحن مماثلة، لدول إسلامية تعاني أيضاً، وإيران واحدة منها. والسعودية مهمة لأنها قائدة وملهمة في المنظومة الإسلامية؛ ولهذا عندما قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: لم نأتِ بجديد؛ بل نعود إلى ما قبل 1979، ولن نسمح -بعد اليوم- بعودة الأفكار المتطرفة؛ فإنه يريد أن يجسر الهوة، أن يربط بين مرحلتين توقف تطور التاريخ بينهما برهة من أربعين عاماً بسبب محن الثورة الإيرانية ومنتجاتها المحلية. نحن ننظر إلى التغيير على أنه يوافق رغبة الناس وخياراتهم، ليسوا مجبرين عليها؛ لكنها تبقى خيارات متاحة للجميع”.
مشكلتان مع أول عرض سينمائي
يرصد الكاتب الصحفي خالد السليمان مشكلتين مع أول عرض سينمائي في الرياض، أولاً: أن سعر تذكرة السينما “75 ريالاً” مبالغ فيه، أيضاً أنه كان بالإمكان الانتظار حتى تجهيز صالات السينما المتخصصة بمقاعدها الخاصة، بدلاً من الاستعجال باستخدام قاعة محاضرات تفتقد لكراسي السينما المريحة، وتفتقر للتجهيزات السمعية للمؤثرات الصوتية التي تميز العروض السينمائية.
قاعة سينما غير مجهزة
وفي مقاله “العرض السينمائي الأول.. فيلم (الجشع)!” بصحيفة “عكاظ”، يقول السليمان: “أصابتني أكثر من خيبة أمل مع افتتاح العروض السينمائية الأولى في اختيار قاعة محاضرات لتقدم للجمهور على أنها صالة عرض سينمائي، والثانية تحديد سعر 75 ريالاً لقيمة التذكرة!.. فقد كان بالإمكان الانتظار حتى تجهيز صالات السينما المتخصصة بمقاعدها الخاصة؛ بدلاً من الاستعجال باستخدام قاعة محاضرات تفتقد لكراسي السينما المريحة، وتفتقر للتجهيزات السمعية للمؤثرات الصوتية التي تميز العروض السينمائية، وربما ظن المنظمون أن تقديم “الفيشار” يكفي لإعطاء أجواء العروض السينمائية؛ ناسين أن العنصر الأساسي في السينما هو المؤثرات البصرية والسمعية كان مفقوداً!
وأسعار التذاكر
ويضيف السليمان “أما أسعار التذاكر المعلنة فمُبالغ بها جداً، وهي نحو ضعف الأسعار في الدول الخليجية المجاورة، وحتى شبابيك تذاكر صالات السينما في معقلها الأمريكي؛ فإذا كان الهدف من افتتاح السينما في السعودية الحد من هجرة الإنفاق السياحي؛ فإننا لم نفعل شيئاً؛ فالحال تماماً كأسعار الفنادق المبالغ فيها في مدننا السياحية؛ بحيث أصبح قضاء إجازة في الخارج أقل تكلفة منه في الداخل؛ لكن يبدو أن ثقافة الربح السريع عندنا باقية وتتمدد؛ فأي ترفيه هذا الذي نقدمه للمجتمع بأسعار تذاكر حفلات وعروض موسيقية وغنائية وسينمائية تباع بأضعاف أسعارها في الدول الأخرى؛ إلا إذا كان الهدف -كما وصفته في مقال سابق “ترفيه المرفهين”- وليس عامة الناس؟!”.
فيلم “الجشع”
ويُنهي السليمان قائلاً: آمل أن تعيد هيئة الإعلام المرئي والمسموع النظر في أسعار التذاكر، ومقارنتها بمثيلاتها حول العالم؛ حتى لا يصبح العرض السينمائي الأكثر مشاهدة في السعودية.. فيلم “الجشع”!