طلال الحمود
مع بدء عروض الأفلام السينمائية في السعودية، بدأ الحديث عن عودة الفن السابع ليؤدي دوره في تثقيف المجتمع، ومنحه فرصة إضافية للتعرف على حياة كثير من الشعوب، من خلال ما تطرحه دور العرض من أفلام تنتمي إلى ثقافات مختلفة.
اللافت أن بعض وسائل الإعلام ومحدثيها، اعتبروا الأمر انتصارًا للسينما التي تم تغييبها بفعل التيارات المتصارعة، وأن في عودة هذه “الصناعة” فرصة للتنفس من جديد بعد سنوات طويلة من منعها، والحقيقة أن من يتخذون قرار افتتاح دور السينما فرصة لتصفية الحسابات والنيل من أنصار التيارات المنافسة، يتحدثون بلغة لا تستند إلى المنطق؛ لأن الرفض والتشدد جاء ضد “الفيديو” ومحلات بيع الأشرطة، ولم تكن السينما حينها تستحق مجرد التفكير بتدميرها أو حرقها؛ لأنها لم تكن موجودة أصلاً ضمن اهتمامات المجتمع السعودي منذ انتشار أجهزة التلفزيون والفيديو في البيوت!.
ولا يبدو أن لقاعات السينما التي ستفتتح قريبًا، علاقة بتلك الأجهزة التي كانت توضع في الأحواش والبيوت الخربة، من أجل عرض الأفلام الهندية على عشرات العمال الآسيويين، باجتهادات لا تمت بصلة لصناعة السينما؛ ما ساهم لاحقًا في إغلاقها بواسطة البلديات المحلية بسبب شكاوى السكان من الإزعاج الذي يصاحب خروج العمال من تلك البيوت الشعبية في أوقات متأخرة.
السينما التي نسمع عنها في السعودية، كانت خلال الخمسينيات حتى منتصف الستينيات، وتحديدًا قبل بدء البث التلفزيوني، وكانت تقتصر على عروض غير منتظمة وأماكن غير ثابتة، ما بين الأندية والمقاهي، فضلاً عن بيوت شعبية متجاورة مثل شارع السينما في الرياض، أو تلك التي تقام في الطائف خلال الصيف، وهي قائمة على استئجار آلة العرض ونصبها ليلاً أمام قطعة بيضاء من القماش!.
ولا يمكن تصنيف الاجتهادات السابقة ضمن نشاط السينما، باستثناء قيام المنتج فؤاد جمجوم بافتتاح دار سينما في جدة عام 1975، تحمل مواصفات صالة عرض سينمائية، من خلال تزويدها بشاشات مخصصة للسينما، فضلاً عن توفير مقاعد وثيرة وأجهزة تكييف، غير أن انصراف الناس إلى الفيديو، قاد جمجوم إلى إغلاقها وافتتاح محل فيديو!، علمًا أن فؤاد جمجوم كان يعتمد في نشاطه السابق على تأجير آلات العرض وتوصيلها لبيوت الوجهاء الذين يصعب عليهم مشاهدة الأفلام في البيوت الخربة وأرضياتها الترابية.
نحن أمام صناعة جديدة ومختلفة تمامًا عن تلك الاجتهادات، ومن الأفضل أن ندعم مستقبل هذه الصناعة بتشجيع الإنتاج والتوزيع والعرض من خلال نشر معلومات صحيحة عن السينما كأداة تثقيف وترفيه، وأداة يمكن للجهة المسؤولة عنها، مراقبة المحتوى بطريقة أسهل، تضمن تحقيق فائدة من هذه الوسيلة، وبدرجة تفوق استفادة المجتمع من وسائل ترفيه أخرى.
المصدر: صحيفة الرياضية السعودية