سوليوود (وكالات)
قبل يومين أدلى مدير مهرجان «كان» السينمائي تييري فريمو بتصريح لمجلة «لو فيلم فرنسيس» أعلن فيه إجراء تغييرات مهمّة كانت «الشرق الأوسط» قد أشارت إلى بعضها قبل بضعة أشهر، ومفاده أن المهرجان يبحث في الحد من صلاحيات الصحافة اليومية بدءاً من الدورة المقبلة التي تنطلق في الثامن من مايو (أيار) وحتى التاسع عشر منه.
وفق ما نشرت صحيفة الشرق الأوسط ستحمل الدورة الرقم 71 وستكون حاشدة ككل الدورات السابقة وسيتمتع الحضور الإعلامي بنحو 3000 ناقد وصحافي وأقل من ذلك بقليل من المصوّرين الفوتوغرافيين. لكن العروض الصباحية، يؤكد فريمو، للأفلام المتسابقة ستتوقف.
جرت العادة أن يتم عرض فيلم مسابقة في الصباح الباكر كل يوم للصحافة اليومية (أساساً) وهو الفيلم الذي سيشهد عرضه الرسمي في الساعة السابعة مساءً. وأن يتم عرض فيلم المسابقة الثاني في العاشرة ليلاً وهو الفيلم الذي سيشهد عرضه الرسمي في اليوم التالي.
لكن ذلك المنوال، الذي يعترف فريمو بأنه لم يتغير منذ عدة عقود، كان يسمح للصحافة بمعرفة ماهية الفيلم الذي سيحضره نجوم الأفلام ومنتجوها ومخرجوها قبل ساعات طويلة من عروض أفلامهم الرسمية والكتابة عنه قبل الحفلة الرسمية.
هذا كان لا بأس به أيام كانت الصحافة الورقية المنفذ الوحيد المتاح للكتابة. أيامها، التي ما زالت في البال كونها قريبة، كان الناقد يعود ليلاً إلى غرفته ويكتب مقالته لليوم التالي حيث لن يتعارض صدور المقال النقدي مع موعد الحفلة الرسمية بل يليه.
لكن منذ أن انتشر نقاد الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بات سهلاً على من يريد أن يكتب رأيه في الفيلم قبل حفلته الرسمية وبذلك يسرق الوهج منه. المشكلة هي أن العديد من الكتابات سلبية ما يجعل طاقم الفيلم، وخصوصاً المنتجين والموزعين، غير مرتاحين لتقليد يجعلهم في الصف الخلفي من القرار وهم من خصّوا المهرجان بفيلمهم على أمل أن يتمتع بالشروط الضرورية لكلمة «برميير» ومعانيها.
«الطريقة التي سارت فيها الأمور»، يقول فريمو «كانت تحرم العرض الرسمي الأول للفيلم من حقه في أن يكون العرض الأول فعلياً. كان العرض الرابع بسبب تعدد العروض المسبقة للفيلم ذاته للصحافة في بعض الأحيان».
– أمن وإرهاق
الشكوى جاءت من المنتجين الذين وجدوا أن إعلام وسائل التواصل الاجتماعي يكشف أفلامهم قبل عروضها الرسمية مما يجعلهم يشعرون بأن حقوقهم اختُرقت. وفريمو يصارح من قابلهم بأن هذا لم يعد مقبولاً: «كان فيلم الافتتاح يأتي رابعاً بعد عروض الصحافة والصناعة والجمهور».
لكن هل كانت المسألة غامضة طوال العقود الماضية حتى تأخر إيجاد الحل المناسب؟
الترتيب الجديد سيقضي بإلغاء حفلة الصحافة الصباحية واستبدال حفلة في الساعة السابعة بها، الموعد المحدد للافتتاح الرسمي. الصحافة في صالة ديبوسي والحفل في الصالة الكبرى في وقت واحد. أما فيلم العاشرة فسيُحذف ويُعرض في اليوم التالي. ليس واضحاً إذا ما كان العرض الصحافي في اليوم التالي سيقع صباحاً باكراً أو قبل الظهر، لكن العرض الصباحي المبكر كان يبدو أقرب إلى عقاب منه إلى عرض مناسب، كون الناقد عليه أن يترك دارته في السابعة والنصف ليكون موجوداً في الثامنة في الصف خارج الصالة لكي يضمن مقعده المفضل، قبل السماح له ولأترابه بدخول الصالة.
– قصيدة سعودية
لكن ماذا نعرف عن الأفلام التي ستشترك؟
عادةً ما يتم الإعلان رسمياً عن الأفلام المشتركة في مؤتمر صحافي يعقده رئيس المهرجان لجانب مديره في الأسبوع قبل الأخير من يونيو (حزيران) المقبل. ما قبل ذلك تصدر تلميحات وتتوارد احتمالات بعضها يتبلور ليصبح مؤكداً وبعضها الآخر يتوارى لأسباب لا يتم الإفصاح عنها لأحد إلا إذا تبرّع بعض صانعي الفيلم بذلك.
لكن حتى على صعيد هذه الاحتمالات المبدئية (التي عادةً ما تصيب بنسبة تتجاوز الخمسين في المائة كما كان الحال عندما رصدنا هذه الاحتمالات قبل سنة) فإن الماثل أمامنا الآن متعدد وثريّ. والرقعة التي تمثلها تلك الأفلام المعروضة على لجنة الاختيار حالياً، تلك التي بدأت معاينة الأفلام المقدمة إليها منذ شهرين، عريضة تشمل أنحاء مختلفة من العالم.
في المستهل فيلم سعودي التمويل من إخراج الأسترالي أندرو لانكاستر. وليس التمويل وحده الذي يحمل الهوية السعودية بل الموضوع. عنوانه «جود» وكتب السيناريو كل من صافيا المري وحسام الحلوة اللذان استمدا الموضوع من فن القصيدة في فترة ما قبل الإسلام. وقام بإنتاجه عبد الله آل عياف الذي كان قد أخرج أفلاماً جيدة قصيرة شاهدها هذا الناقد تباعاً حين تحقيقها في العقد الأول من هذا القرن. هذا قبل أن تقل أعماله مخرجاً ليعود إليها بهذا الإنتاج الذي لا ريب يحمل، سواء دخل المسابقة أو لم يفعل، سمات فنية وجمالية مستوحاة من المادة التي يستلهمها الفيلم ومن جدية السينمائي آل عياف.
التونسي محمد بن عطية بعث بفيلمه الجديد «ولدي» للمعاينة. الفيلم يدور حول واقع قيام عدد كبير من الشباب العربي بالالتحاق بمحاربي الدولة الإسلامية (داعش). هنا نجد أباً يبحث عن ابنه الذي ترك تونس منضماً إلى الإرهاب. وكان المخرج التونسي الآخر رضا الباهي قد تناول في «زهرة حلب» حكاية تبدو، ونحن لم نرَ الفيلم الجديد بعد، مشابهةً حول أم (هند صبري) تترك تونس وتلحق بابنها إلى سوريا بحثاً عنه وفي محاولة لاسترداده من براثن الحرب.
وهناك فيلم تركي – فرنسي الإنتاج مقدّم باسم سوريا لكون موضوعه مصوّراً هناك، على الأقل، عنوانه «قماشي المفضل» (My Favourite Fabric) للمخرجة غايا جيجي وبطولة لفيف من الوجوه التركية (بينهم المخرجة ذاتها) والسورية (بينهم وسام فارس). لافتٌ هنا أن الفيلم لا يتناول الحقبة الحالية من الحياة الدمشقية بل تلك السابقة للحرب.
– فيلمان عن برغمن
من الحصاد العربي أيضاً قد نجد ماثلاً الفيلم الأول للمخرج المصري أبو بكر شوقي «يوم الدين». يدور حول قبطي أبرص وصبي أسمر يشتركان في رحلة تلفّ بهما مصر بكاملها بحثاً عن أسئلة وأشخاص وهويات الزمن والتاريخ. الفيلم من تمويل فرنسي قامت به شركة باسم «دُبلن»، تلك التي سبق لها أن حققت فيلم «بازوليني» الذي قام الأميركي آبل فيريرا بإخراجه وتم عرضه في مهرجان «فنيسيا» سنة 2014.
ومن فلسطين يقدم سامح زعبي فيلمه الكوميدي «تل أبيب تحترق» حول منتج فلسطيني يعمل على مشروع فيلم حول المخابرات الإسرائيلية يجد نفسه في ورطة معها.
والمخرج العراقي – الكردي هاينر سليم الذي سبق له أن قدّم في نطاق هذا المهرجان عدداً من أفلام المسابقة آخرها «أرضي العذبة» (2013) يعود بفيلم كوميدي من إنتاج فرنسي أيضاً عنوانه «من قتل لايدي وينسلي». هو أيضاً يوفر عدداً كبيراً من الممثلين الأتراك، كون الحكاية تقع فوق جزيرة تركية تشهد جريمة قتل.
لكن ما هو شبه مؤكد أن تركيا ستمثَّل رسمياً بفيلم تركي بالكامل عنوانه «شجرة الإجاص البري» وهذا لأن مخرجه ليس سوى نوري بيلج سيلان الذي اعتاد المهرجان استقبال أفلامه في المسابقة الرسمية.
هذا العام يُتوقع أن يكون الحضور الأوروبي كبيراً آتياً من نتاجات السينمات الفرنسية والإيطالية والإسبانية وتلك الواقعة في نطاق الدول الإسكندنافية لجانب دول أخرى مثل روسيا وأكرانيا والنمسا. سيكون رائعاً إذا ما شاهدنا فيلم الألمانية مرغريت فون تروتا الجديد «إنغمار برغمن: إرث تعريف العبقري». ولعل العنوان يفي بالموضوع الذي تتطرق إليه المخرجة في هذا العمل التسجيلي. وهناك في جدول لجنة الاختيار فيلم آخر عن برغمن عليها أن تعاينه هو «برغمن: سنة في حياة» للسويدية جين ماغنوسون.
النمساوي ماركوس شلاينزر كان جديداً قبل 6 أعوام عندما قدّم في المهرجان الفرنسي فيلمه الأول «مايكل»، والدلائل تشير إلى احتمال أن يدخل المسابقة بفيلمه الجديد «أنجيلو» ويدور حول صبي أفريقي مهاجر يبلغ من العمر 10 سنوات ويعمل خادماً في المحكمة في مدينة فيينا.
– عودة المخرج الممنوع
من إيطاليا قد نرى «هم» الذي يبدو آيلاً إلى دخول المسابقة بكل تأكيد. إن لم يكن بسبب اسم مخرجه اللامع، باولو سورنتينو، صاحب «الجمال العظيم» و«شباب»، وكلاهما من عروض المهرجان ذاته، فبسبب موضوعه اللاذع، إذ يدور حول حياة السياسي المعروف سيلفيو برلسكوني (يقوم به توني سرفيللو).
صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية تحدثت بإعجاب عن فيلم إيطالي آخر بعنوان «دوغمان»، جديد ماتيو غاروني ووصفته بأنه دراما اجتماعية تتمحور حول الانتقام.
من المجر هناك عودة محتملة للمخرج لازلو نيميس الذي سبق ونال الكثير من المدح والجوائز عندما عرض في المهرجان الفرنسي فيلمه الأول «ابن شاوول» قبل 3 أعوام. هذه المرّة لديه فيلم بعيد عن موضوع الهولوكوست، الذي انتمى إليه ذلك الفيلم، عنوانه «غروب» ويدور عن فتاة شابة تواجه متاعب حادة في مستهل الحرب العالمية الأولى.
مَن تابع السينما الإسكندنافية في الأعوام القليلة الماضية يدرك أنها باتت تأتي في المقدمة بين الدول الحريصة على مستويات فنية طموحة، والتي تنتقل أعمالها بين المهرجانات الأولى حول العالم. هذا العام لدينا فيلمان من الدنمارك يتنافسان على استحواذ الوجود في جدول المسابقة؛ أحدهما للمخرج لارس فون تراير الذي كان قد حُرم من الاشتراك في المهرجان بعدما ذكر في لقائه مع الصحافة قبل 5 سنوات، إعجابه بهتلر. عودة تراير إذا تمّت (والمرجح أنها ستتم لكون تييري فريمو يرغب في عودة المخرج إلى لمهرجان) ستكون عبر فيلم تشويقي بعنوان «المنزل الذي بناه جاك» ومن بطولة ممثل أميركي جيّد قلّما وافته الحظوظ المناسبة مؤخراً هو مات ديون. وتشاركه أوما ثورمان البطولة.
السويد، التي خطفت السعفة الذهبية العام الماضي عبر فيلم «الميدان» لديها ما تدلي به: «غولياث» للمخرج بيتر غروندلند يدور حول ابن عائلة من تجار المخدرات يحاول الخروج من جحيم المهنة التي احترفها سواه. ويقوم المخرج جوهانس نيهولم بالسعي لإنجاز عمليات المونتاج والمكساج الأخيرة لفيلمه الجديد «كوكو دي، كوكو دا» لإرساله في الأسبوع المقبل للالتحاق إذا ما سنحت له الفرصة. والنرويج بدورها تطمح للاشتراك بفيلم أنيميشن عنوانه «البرج» حول عائلة فلسطينية تعيش في مخيم للاجئين في لبنان. يتابع الفيلم حياتها على مدى 3 أجيال من الحياة غير المستقرة.
كالعادة، فإن ما سيتم اختياره مما سبق من أفلام مرتبط بما إذا كان بيع لشركة توزيع فرنسية أو دخل التمويل الفرنسي واحداً من أبوابه من باب الشراكة. هذا الوضع ضيّق الخناق في الماضي على اختيارات المهرجان وأظهر الوصاية القوية لشركات التوزيع الفرنسية التي عادةً ما تدفع بأفلامها إلى عرين الأسد، ما يجعل من الصعب على فيلم خالٍ من الدمغة الفرنسية الاشتراك، أو يضيّق عليه فرصه.
هناك حماس إعلامي يحيط بفيلم «فتيات الشمس» لإيفا أوسون حول سَرِيّة من الفتيات الكرديات، بقيادة غولدشفته فارحاني، تقارعن مقاتلين رجالاً متطرفين في العراق. وفي «أمين» لفيليب فوسون قصّة حب بين مهاجر وفرنسية. وفي المضمار الشائك نفسه انتهت المخرجة مايا هانسن لَف (Love) من قصّة مراسل فرنسي سقط في قبضة المتطرفين المحاربين في سوريا.
خارج فرنسا، وإذ تتوارد الأنباء عن انتهاء المخرج ترنس مالك من إعداد فيلمه الجديد «Radegund» للعروض العالمية، فإن احتمالات أن تبدأ هذه العروض على الشاشة الكبيرة لمهرجان «كان» مرتفعة. لكن مالك مخرج مستقل القرار وربما اشتغل على فيلمه في هذه المرحلة لفترة أطول، ما يفوّت عليه فرصة الاشتراك في هذا المهرجان ويستدعي تحويل الدفة إلى مهرجان فنيسيا المقبل. في كل الأحوال هو فيلم ألماني الإنتاج ناطق بالإنجليزية ويقوم حول حكاية شاب ألماني يرفض القتال لحساب النازيين خلال الحرب.
في المقابل البريطاني، هناك أفلام عدة مطروحة من بينها فيلم مايك لي الجديد «بيترلو» الذي تقع أحداثه في مدينة مانشستر سنة 1819، ومنها أيضاً الفيلم المنتظر منذ عقود «الرجل الذي قتل دون كيشوت»، الفيلم – الأمنية الذي حلم به مخرجه تيري جيليام منذ سنوات وكابد متاعب تمويلية عديدة أوقفت المشروع عدة مرّات إلى أن استطاع تذليلها.