A Bout de Souffle
(1960)
الفيلم الأول للطائر المنفرد غودار
عندما خرج «عند آخر نفس» للعروض السينمائية الأولى وجد النظارة أمامهم فيلماً غير مألوفاً وعملاً يبتعد عن السائد مع لغة فنية جديدة لاحقاً ما ميّزت سينما المخرج جان – لوك غودار وأصبحت من علاماته الخاصة.
فيلم غودار وقبله بعام فيلم فرنسوا تروفو «الـ400 نفخة» وضعا السينما الفرنسية الجديدة على سكة الحديد. انطلق قطارها بهما وبعدد من المخرجين الآتين، مثلهما، من مجلة «دفاتر السينما» (بينهم كلود شابرول وإريك رومير وجاك ريفيت) محمّلين بهمِّ توفير أفلام ذاتية الأسلوب، قوية المضمون وجديدة المنوال كأعمال فنية ذات مسار غير مطروق من قبل.
كتب فرنسوا تروفو سيناريو «عند آخر نفس» نقلاً عن حادثة حقيقية نشرتها الصحف ودار حول شاب سرق سيارة وقتل شرطياً لحق به قبل أن تشي به المرأة التي وثق بها. وقام غودار بتحقيق الفيلم بأسلوب ما زال مثيراً للإعجاب لمن يشاهد الفيلم اليوم.
في الفيلم هو ميشال (جان – بول بلموندو) الذي اختار سيارة أميركية موديل أواخر الخمسينات ليسرقها لسبب يعلن عنه لاحقاً بقوله «أنا معجب بصناعتين أميركيتين: السيارات والأفلام». يسرقها وينطلق وحين يصل إلى حاجز للشرطة على الطريق الريفي يقرر عدم التوقّف ما ينتج عنه ملاحقته من قبل ثلاثة رجال بوليس على درّاجات. ينحرف عن الطريق ويوقف سيّارته تحت شجرة. يمر الشرطيان ثم الثالث. لكن الثالث يعود أدراجه بعدما لاحظ وجود السيارة. يطلب الشرطي من ميشال ألا يتحرّك وإلا قتله، لكن ميشال يبادر بإطلاق النار. المشهد مأخوذ بلقطة بعيدة واحدة٠
بعد الجريمة يصل ميشال إلى باريس (التي يكرهها) ويعاود لقاء المرأة الأميركية الشابة باترشيا (جين سيبرغ) التي تعمل بائعة لصحيفة «ذا هيرالد تربيون» (آنذاك) مفصحاً عن حبه لها. يقول لها «الرجل لا يحب إلا من لا تناسبه» وهناك جزء طويل من الفيلم يدور في غرفة فندق يتبادلان فيها الكثير من الحديث الكاشف عن نقاط نفسية وعاطفية ستقود لما سيلي. تحاول باتريشا تجنّب فعل الحب معه رغم إصراره. يدرس غودار العلاقة بينهما من منطلق منظور ميشال أساساً إلى الحياة وموقف كل منهما حيال الآخر. هو مشهد طويل ليس لاختيار خطأ من المخرج، بل لأسلوبه في سرد الحكاية. الغاية إظهارهما قريبين – بعيدين: هي الباحثة عن شيء لا تعرفه، وهو ذو القناعة بأشياء يؤكد عليها: «أنتم الأميركيون معجبون بأغبى الشخصيات الفرنسية: لا فاييت وموريس شيفالييه» يقول لها موقظاً الحس بأن غودار هو الذي يقول. وغودار أيضاً هو الذي يضع على لسانها العبارة التالية (ولو في مشهد آخر): «لا أعرف إذا ما كنت غير سعيدة لأنني غير حرّة أو غير حرّة لأنني غير سعيدة».
في صبيحة اليوم التالي تبت أمرها فيما يتعلق بذلك التساؤل الذي لم ندر كنهه حين وروده. تتّجه صوب مقهى قريب وتطلب البوليس وتعلمه مكان اختباء صديقها. ميشال يسقط قتيلاً ورأسه ما زال مليئاً بأحلام غير محققة.
حين لم يتمكن المخرج من استئجار رافعة كاميرا على غرار لقطات سامويل فولر الأميركي (أحد المخرجين الذين كان لهم تأثير كبير على غودار) استخدم الكراسي. وحين لم يجد طريقة لاستخدام سكة حديد لمشهد يستخدم فيه ما يعرف بـ«تراكينغ شوت» (تصاحب الكاميرا مسيرة الممثل جانبياً) استخدم السيارة. لكن الإنجاز المنفرد هو التوليف المتوتر الذي نتج عن حذف فقرات من ثواني الفيلم بحيث تقفز اللقطة على الشاشة قصداً. هذه الحلول جاءت مدروسة وخالية من الخوف ما صنع عملاً فنياً نموذجياً لسينما جديدة أرادت تغيير وجه السينما الفرنسية وكان لها ما أرادت.
المصدر: جريدة الشرق الأوسط