فهد سليمان الشقيران
طوال ثلاثة عقود هيمنت فئة متطرفة على المسارح السعودية، وسيطرت على المنصات الاجتماعية، وألغت المشروعية الفنية، وشوّهت كل محافل الترفيه الغنائية والمسرحية والرياضية.
بقيت الحفلات الغنائية غائبة عن المشهد قرابة العقد من الزمان، وذلك قبل أن يصدر قرار شجاع بتأسيس هيئة الترفيه، التي وضعت روزنامة مميزة تلبي كل الأذواق والأعمار من سنّ الطفولة إلى الكهولة. موسيقيون كبار حضروا ضمن الروزنامة. عزفت موسيقى الرحابنة بالسعودية، وحضر الموسيقي العالمي ياني عارضاً أجمل مقطوعاته وسط إنصات جماهيري كبير، وحضر الفنان الشاب خالد، وكلهم اعتبروا الحضور إلى السعودية لعرض إنتاجهم الفني أمراً مهماً في تاريخهم الفني.
مشهد آخر يزرع الحياة، حيث احتفال هيئة الرياضة بتأهل المنتخب السعودي، وسط حضور كبار لاعبي العالم… احتفال مزج بين الرياضة والفنون. كل ذلك يأتي مع بدء الترخيص للسينما في السعودية، وهو المجال الحاضر منذ السبعينات بشركة أرامكو، وفي الأندية الرياضية في الرياض وجدة والطائف وبريدة. يروي خالد ربيع السيد في كتابه «الفانوس السحري» أنه في السبعينات الميلادية كانت هناك سينما معشي بالطائف داخل بناية بنيت على الطراز العثماني القديم وكانت نقطة التقاء ترفيهي للأسرة آنذاك (ص: 11).
لم تغب السينما عن الأندية الرياضية إلا مع صعود الصحوة وتجذرها في المجتمع وبخاصة في أواخر السبعينات.
ثمة قصة معروفة ومشهورة يرويها المؤرخ خالد البسام في كتابه «يا زمان الخليج» عن حضور الملك عبد العزيز للسينما في «مسرح البحرين» ونص القصة كالآتي: «إمعاناً في الحفاوة التي أظهرها صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة نحو جلالته وأنجاله الأمراء، فقد أبلغ ديوان صاحب العظمة الشيخ حمد إدارة مسرح البحرين بأن تحجز عرضين مساء السبت للجمع الملكي، فلا يباع شيء من التذاكر للجمهور. وقد شرف جلالة الملك عبد العزيز المسرح وفي معيته الأمراء السعوديون والأتباع. وكان عظمة الشيخ حمد سبقه إليه وشاهد الجميع رواية (الهارب) (العربية)، وفيلم الهارب، فيلم مصري أنتج عام 1936… وقصة الفيلم تدور حول هاربين من الجندية عاشا في الجبال حيناً من الزمن، ثم كتب لأحدهما الموت بينما يسعد الآخر بالحياة بجانب حبيبته التي يتزوجها. وقد عبرت تلك الزيارة عن حدث مهم فعلاً للسينما، وزادت من شعبيتها أنها أعطت الكثير من المشروعية، وأنهت أي معارضة متبقية لوجودها، سواء على الصعيد الديني أو الاجتماعي».
كذلك الأمر لدى الملوك المتعاقبين بعد الملك عبد العزيز، كانوا يحضرون أفلاماً سينمائية ووثائقية كلما زاروا شركة أرامكو، إذ تكون فرصة للاطلاع على العالم بفنونه وابتكاراته وصراعات العلم وقفزات التنمية، لهذا فإن العودة إلى الترفيه والسينما والرياضة ليست بداية جديدة من الصفر، وإنما استئناف لمجالات لها تاريخها في المجتمع السعودي ومؤسساته.
قبل فترة تم تداول مقطع فيديو للملك عبد العزيز يرعى مباراة نهائية لأول كأس ملكية سعودية، وقد علّق على الفيديو المهتم بتاريخ الرياضة السعودية محمد القدادي: «إن تلك المباراة بين فريقي الاتحاد والتوفيق، وكلاهما من الظهران، هي الوحيدة التي حضر فيها الملك عبد العزيز وقام بتسليم الكأس بنفسه للفائز، وسط احتفال الجمهور الذي كان يُحيط بأرضية الملعب».
القصة باختصار أن الحقبة التي اختطف بها المجتمع قد ولت وانتهت، ونحن الآن أمام إدارة سياسية وحكومية تعتبر الترفيه شرطاً أساسياً لتحقيق معنى المدنية… حررت المسارح وجميع المنصات من اختطاف المعاتيه من نجوم الشيلات والسناب والسوشيال من المتقافزين ببلاهة، ظنّاً منهم أن الترفيه يكون بالتهريج والصراخ والزعيق. يستحق المجتمع أن تكون لديه روزنامته الترفيهية بكل المجالات، والموسيقى جزء أساسي من الترفيه. بتعزيز الترفيه يمكننا إنعاش ثقافة الحياة، وهي أحد عوامل سحق ثقافة الكراهية واستئصال ثقافة الموت.
قول شهير للإمام ابن حزم: «إن الموسيقى مثل التنزّه في البساتين».
المصدر: الشرق الأوسط