سهى الوعل
هناك أفلام تأخذ قدراً كبيراً من الاهتمام، فتراها تترشح للجوائز، وتكسب العشرات منها، في حضور يندر أن يأخذه أي فيلم آخر على أهم الصحف العالمية.. وهذا بالضبط ما حدث مع فيلم “ذا بوست” الذي لا زال يعرض في دور السينما حول العالم ويحصد أعلى الأرباح، ومن المنتظر أن يترشح بعد قائمة الجوائز التي حصل عليها حتى الآن للأوسكار عن معظم الفئات، ومن المتوقع أن يحصد جوائز غالبية تلك الفئات إن لم يكن جميعها.
ما يحدث مع “ذا بوست” حالة لا تتكرر كثيراً، فنادراً ما يستطيع فيلم أن يقنعك بنجاحه دون أن تشاهده من الأساس، فالجميع يتحدث عن الفيلم رغم عدم مشاهدة الكثيرين له بعد، لكنها حمى النجاح، التي تنتقل أصداؤها لكل المسامع رغم أنها قد لا تكون مقنعة بنفس القدر من شخص لآخر.
ولو أردنا أن نُشرَح حالة النجاح التي يعيشها الفيلم بهذا القدر رغم بعض الملاحظات عليه كضعف الصراع بين الصحافة والبيت الأبيض والذي كنا ننتظره أن يكون أكثر شراسة، فبالتأكيد سيكون فريق العمل هو السبب الأول، حيث يجتمع توم هانكس مع ميريل ستريب بكل ما يملكانه من قدرات تمثيلية عظيمة سوياً ولأول مرة أمام الكاميرا التي يدير إخراجها ستيفين سبيلبيرغ، بينما يشارك في البطولة كل من أليسون بري، كاري كون، مايكل ستولبيرج، برادلي ويتفورد، وغيرهم.
يأتي في الدرجة الثانية موضوع الفيلم، خاصةً في الوقت الحالي حيث تواجه الصحافة الأميركية التي كانت تُصنف بالأقوى طوال عقود ماضية اتهامات بالكذب وعدم الشفافية، فموضوع الفيلم عن تحدي الصحافة للبيت الأبيض، حيث تُغلق قضية الفيلم في الأخير بجملة تنقلها كاري كون هاتفياً عن القاضية، قائلة:”الصحافة فوق الجميع وخارج كل الحسابات”.
وبرغم أن الفيلم يطرح سؤالاً مباشراً وهو هل بإمكان الصحافة مصارحة الرأي العام لما يدور في الخفاء دون أن يلحق بها الأذى ودون أن تتعرض للعقاب؟. إلا أنه يطرح أسئلة أخرى دون أن يناقشها أبداً، عن ماهية الصحافة، فالفيلم يجعل المشاهد يبدأ في التفكير فعلياً، هل الصحافة مجرد وصف لمشاكل العالم وأخباره، أم لها دور فعال وحقيقي في جعل هذا العالم مكاناً أفضل؟.
ولكن هل يستحق الفيلم حالة النجاح التي يعيشها أم لا، هنا يمكننا القول إنه وربما لغياب الفيلم المنافس ذي الموضوع والتوقيت المناسبين، والأداء عالي الحرفية، فالفيلم يستحق الضجة المُثارة حوله.. يكفي أن ميريل ستريب قدمت المشهد الأقوى في الفيلم خلال السنوات الأخيرة عن مجمل الأفلام الأميركية التي تم إنتاجها، وذلك أثناء حوارها عبر الهاتف مع أعضاء صحيفتها وصراع ملامحها وتعابيرها قبل اتخاذها قراراً بنشر أوراق سرية تخص الحرب ضد فيتنام؛ ففي هذا المشهد ميريل ستريب كانت استثنائية كما كانت طوال الفيلم بطريقة يعجز أحد عن وصفها، جعلتها وبكل سهولة تستحق لقب أعظم ممثلة حية في العالم.
أخيراً تبقى الحقيقة الأهم، فبرغم كل العناصر القوية التي اجتمعت في الفيلم، إلا أنه ولو تم تقديمه بنفس الموضوع والشكل مع أسماء مختلفة غير ستيفين سبيلبيرغ وتوم هانكس وميريل ستريب لما كان حصد نفس الحجم من النجاح والثناء، حتى وإن قدمه نجوم صف أول.. لأن السحر يكمن في المجموعة!.
المصدر: جريدة الرياض