سوليوود (وكالات)
استطاع مهرجان دبى، بكثير من الدأب وفيض من الإصرار، أن يحتل مكانة استثنائية على الساحة العربية، وأن يرنو أيضا لآفاق عالمية تضعه بين المهرجانات التى يترقبها النقاد و(الميديا)، وبحسب مانشرت صحيفة المصري بالرغم أننا علينا ألا ننسى تلك الحقيقة وهى أن عدد المهرجانات السينمائية عالمياً تجاوز رقم 2000 وفى قول آخر 3000!! مهرجان دبى الآن صاحب القامة الأكبر والمنصة الأهم لانطلاق الأفلام العربية، أصبح هو (الترمومتر) الذى تقيس من خلاله صعود وهبوط (الفن السابع) فى عالمنا العربى، وتعود أن تنطلق منه أغلب الإبداعات عربيا، أعترف لكم أننى فى السنوات الأخيرة اكتشفت عددا من الأفلام والمخرجين المصريين لأول مرة فى مهرجان (دبى)، وأشعر حقا بأن القادم أفضل مصريا بعد مشاهدتى لعدد من أفلام هؤلاء الشباب.
مثلا فى الدورة الأخيرة، شاهدت لأول مرة المخرجة هالة القوصى وفيلمها الروائى الأول (زهرة الصبار)، وفى عام 2016 تعرفت أيضا لأول مرة على كل من محمد حماد (أخضر يابس) وشريف البندارى (على معزة وإبراهيم) ومحمد رشاد (نسور صغيرة) وغيرهم، بل إن شركة توزيع فيلم (مولانا) عند عرضه فى سوق مهرجان برلين العام الماضى، لم تجد سوى أن تضع على الأفيش المصاحب للعرض (لوجو) مشاركته فى مهرجان (دبى) رغم خروجه خالى الوفاض، حيث إن الشركة اعتبرت أن مجرد التواجد فى المهرجان إنجاز من الممكن أن يجذب إليه الجمهور.
فى نهاية هذا العام يحتفل مهرجان (دبى) بدورته رقم 15، وأثناء فعاليات مهرجان (برلين) حظى كل من عبدالحميد جمعة، رئيس المهرجان، والناقد السينمائى مسعود أمرالله، المدير الفنى، بجائزة شخصية العام سينمائيا، لمساهمتهما، كما أشار البيان، فى تطوير السينما العربية من خلال مهرجان (دبى)، يتم تنظيم هذه المسابقة عن طريق (مركز السينما العربية) بالتعاون مع مجلة (هوليوود ريبورتر).
كنت شاهدا عل انطلاق مهرجان (دبى) منذ عام 2004، وأتابعه سنويا وهو يؤكد مكانته الخاصة، ولدت بعده على الساحة الخليجية العديد من المهرجانات، وهذا هو ما يحسب لصالحه حيث إنه كان أيضا مبادرا وملهما فى هذا المجال الحيوى الذى يصب فى النهاية لصالح السينما عربيا، أنعش المهرجان حركة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة المتعثرة خليجيا، سر مهرجان (دبى) لا يجوز اختصاره فى ميزانية ضخمة ترصد له سنويا، ولكن (شفرة) نجاح هذا المهرجان تكمن فى خبرات سينمائية يقظة تعمل فيه، تعودت على أن تلتقط سنويا الأفضل عربيا وأجنبيا، والدليل أننى فى كل عام، خاصة السنوات العشر الأخيرة، أكتشف أن أربعة وأحيانا خمسة، من بين الأفلام الخمسة التى وقع عليها الترشيح فى (الأوسكار) باعتبارها الأفضل، يتضح لى عمليا أن مهرجان (دبى) قد تولى اختيارها فى تلك الليالى التى تعرض على هامش المهرجان، إطلالة منتقاة من سينما العالم، قبل حتى أن تعلن قوائم الاختيار الطويلة التى تحوى 15 فيلما، تجد أن المهرجان قد وقع مسبقا اختياره عليها، إنها حقا جوائز مستحقة لعبدالحميد جمعة ومسعود أمرالله.
ولايزال البحث جارياً عن الفيلم الذى يستحق أن ترشحه لجائزة الدب الذهبى؟
حتى الآن أجد أن الأفلام تنحسر بين المتوسط وما هو دون المتوسط، أتحدث عن أفلام المسابقة الرسمية، التى تحتل دائما المكانة الأولى لدى النقاد الذين يتكبدون سنويا مشقة الذهاب إلى مهرجان (برلين)، وسط انخفاض ملحوظ فى درجة الحرارة، وعلى الجانب الآخر تبقى المشقة مضاعفة للناقد والصحفى المصرى الذى عليه أن يواجه أيضا فى السفر سبعة مخاطر أولها تعويم الجنيه الذى صار مستكينا أمام قوة اليورو، عملة أروربا الموحدة أو بدقة أكثر شبه الموحدة لم تزد قوتها، الجنيه هو الذى ازداد ضعفا وهوانا بالقياس لكل العملات الأخرى.
لو أن النتائج التى ستعلن مساء السبت القادم انتهت إلى منح فيلم (الوريثات) من باراجواى الجائزة الكبرى (الدب الذهبى)، فإنه فى الحقيقة وحتى كتابة هذه السطور، صباح الإثنين، أى لايزال أمامنا نحو نصف أفلام المسابقة لم تعرض، فإن هذا الاختيار سيجد بالنسبة لى صدى وترحيبا، رغم أن فيلم (الوريثات) ليس هو التحفة السينمائية التى لا تُنسى، إنه قطعا ليس كذلك، إلا أن الفيلم يملك الكثير من جماليات السينما بوفرة واقتدار، من خلال سيناريو محكم كتبه أيضا المخرج (مارسيلو مارتينيسى)، فيلم قد يصنفه البعض تحت طائلة عنوان دأبنا على استخدامه فى الربع قرن الأخير (سينما المرأة)، حيث إن الحضور الطاغى فقط للنساء يغيب تماما الرجال عن (الكادر) إلا فقط فى أدوار صغيرة هامشية، ولا أتصور بالمناسبة أن الأمر مقصود أى أن المخرج حرص على أن يكتب السيناريو ليهمش الرجل هو فقط عبر عن المنطق الدرامى الذى فرض عليه هذا التناول.
نساء تجاوزن العقد السادس من عمرهن، ويعشن فى زمن قاسى، ورغم ذلك فإن كل شىء حتى الجنس لايزال يشكل بداخل كل من البطلتين الرئيسيتين هاجسا محوريا. المخرج فى كل التفاصيل يحرص على أن يظل الأمر متعلقا بتعبير سينمائى مبتكر وحميم، من خلال حالة الكشف التدريجى سواء بكلمات الحوار أو بتلك الرؤية البصرية المصاحبة، حيث تكتشف أن ملامح البطلتين النفسية والفكرية والأحداث بحالة تنساب تدريجياً فى الفيلم، الإطلالة الأولى بدت أقرب إلى حالة من التلصص بعين المخرج على بطلتيه، ورغم ذلك لا أعتبره فيلما نسائيا، حتى لو صنفه البعض كذلك، ولكنه فيلم إنسانى وتلك هى القيمة الحقيقية للعمل الفنى، أن يتناول الإنسان، وبالطبع تلك المرحلة العمرية فى العالم كله ومع اختلاف الدرجة مهمشة سينمائياً، لأن القسط الأكبر من قاطعى تذاكر الدخول لدور العرض فى العالم كله دون الثلاثين، ولكن الأهم هو أن تجد الخطوط والخيوط التى تجعلها تملك التعبير الإنسانى، هل يفعلها (الوريثات) ويقتنص الدب الذهبى؟ ربما، ولكن علينا أن ننتظر أيضاً الأفلام القادمة، فالأمر عادة لا يخلو من مفاجأة!!