إيمان الماجري
تمخضت أفلام الرعب في الاونة الاخيرة ، عن نزعة جديدة ومزعجة في السينما العالمية ، فقد تعرض الكثير من دور السينما لفيض هائل من الافلام التي تحول عالمها الى ساحة دموية تذبخ فيها الشخصيات بوحشية وقسوة مفرطة ، ومثل تلك الافلام لم تهتم كثيرا بالحبكة الدرامية ، او القصة المقنعة قدر اهتمامها بالموضوعات الجنسية المصحوبة بالعنف ، ومن هذا القبيل ، فإن هذه النوعية من الافلام ، لا تمت بصلة لافلام الرعب التي نقصدها ، فالرعب الذي نقصده هنا ، يأتي إلينا من قاموس بلاد العجائب ، التي تمثل امتدادا طبيعيا للعالم الاخر المألوف لدينا الان من خلال روايات الخيال العلمي ، او القصص الخاصة بالظواهر الخارقة للطبيعة ، او الفانتازيا ، ومفهوم الرعب اذن فيه مسحة من كل ما هو عجيب ومثير وغريب ، وله لمسة شاعرية تخفق لها القلوب ، وتتسع معها مدراك الانسان ، اما تلك النوعية من الافلام التي تنتمي اليها في الظاهر فقط ، الى فصيلة افلام الرعب ، وتحاول الاقتراب منها بتقديم الجرائم المفزعة ، فماهي الا محاولة ساذجة لتجسيد غرائز الانسان الحيوانية كالسادية ، والميول العدوانية الاخرى ، والغالبية العظمى من هذه الافلام الرخيصة تجعل من مشاهديها ، شركاء في سلسلة الجرائم التي ترتكب فوق شاشاتها ، ونميط اللثام هنا ، عن شخصية شهيرة من شخصيات الفزع والرعب ، وهو الكونت دراكولا مصاص الدماء الذي نسجت حوله الاساطير ، وحكيت الحكايات ، وشغل أذهان كتاب القصة والرواية ، ومخرجي الافلام حتي ذاع صيته وانتشر في مختلف دول العالم .
الاصل في أسطورة مصاص الدماء مجهول ، ومن الصعب معرفة أين وكيف نشأت على وجه التحديد ، على رغم شيوعها في معظم البلدان ، ولدى كل الاجناس ، وأيا كان أصلها ، فقد اتفقت الاساطير على ان مصاص الدماء ميت حي ، يستمد استمراريته بعد الموت ، من حيوات الاخرين ، وأنه عاجز تماما ، بلا حياة من شروق الشمس حتي غروبها ، وعندما ينهض من تابوته ، بعد حلول الظلام وترك قبره ، بحثا عن فريسة ، حيث ينوم ضحيته مغناطسيا ، حتى تفرغ أنيابه الحادة من مهمتها ، هذا عن مصاص الدماء في الاساطير ، أما عن عالم الواقع فإن مصاص الدماء قد ارتبط بجرائم أفراد قلائل ، اهتزت لها أركان العالم المتحضر رعبا و فزعا ، ومن أشهر هؤلاء البارون الفرنسي الجنسية ، جيلي دي داي الذي عاش في القرن الخامس عشر وصار اسمه متدولا عنه الحديث عن السادية ، والقسوة المفرطة ، ولقد عانى البارون الفرنسي من شهوة جامحة للدم دفعته ، إلى ارتكاب أفظع الجرائم ،
فراح يسفك دماء الادميين كلما عاودته الازمة ، التي فشل في التغلب عليها ، كما قيل إنه كان ينزع أحشاء الاطفال الاحياء ، بينما يشرب دماءها بعض الرجال والنساء في طقوس عربيدة شنيعة مشينة ، وقد شنق في العام 1440م .
في عالم الأبدع الأدبي
أما في عالم الابداع الادبي فلنعد في الزمن إلى أواخر القرن التاسع عشر ، وأوائل القرن العشرين حيث فتن الشعب البريطاني المزهو بإمبراطوريته التي لا تغيب عنها الشمس بالروايات التي تحكي عن أماكن بعيدة لها أسماء غريبة مثل رورينانيا وشانجري ، ولم تكن مثل هذه الاماكن بالضرورة حقيقية أو لها وجود على خريطة العالم .
في عام 1897 اتخذت تلك النزعة الهروبية طابعا مخيفا مرعبا عند اصدار قصة دراكولا للاديب برام ستوكر التي تعد بحق أشهر مثال كلاسيكي لقصص الرعب التي ازدهرت في انجلترا منذ العام 1762 والتي تميزت بالاثارة المبنية على بث الخوف والتشويق في القارئ لما فيه من أشباح وحوادث خارقة للعادة ، ووصف قصور حراسة وريف عامر بقطاع الطرق ، وعواطف مدمرة وسحرة ، وما ستوكر كل العناصر اللازمة لكتابة قصة تثير الرعب ، الى أقصى حد ، فهنالك الاسم دراكولا وهو اسم الامير فلاد المخزوق ، وظلال شخصيته الرهيبة ، وأصداء تاريخه المملوء بالرعب
وكذلك تقاليد ومعتقدات وحكايات مصاصي الدماء ، التي كانت منتشرة في ترانسلفانيا ومن قصة باثوري أخذ ستوكر فكرة القلعة المرعبة والبنات في الزنزانة وشهوة الدم عند باثوري والتي حولها المؤلف بمهارة في قصته الى طريقة دراكولا في مص الدماء ، فقد وظف ستوكر هذه العناصر ، مضيفا عليها السحر والبريق من عبقريته الفذة ، ومزجها جميعا في قالب واحد ، فأخرج لنا قصة فريدة ، تعد من أشهر قصص الرعب في العالم.
من الأدب إلى السينما
وقدم صديق ستوكو ، واسمه هاميلتون دين ، أول معالجة لقصة دراكولا دراميا ، فأعد نصا عن الرواية ، لم يشهده المسرح الا بعد وفاة ستوكو في العام 1914 ، وراح دراكولا يصول ويجول على خشبة المسرح في ديمبلدون ، قبل أن يطير إلى نيويورك ، ليتقمص شخصيته الممثل المجري الراحل أبيلا لوجوزي نجم شركة يونيفرسال .
أيضا المخرج الالماني مورنو هو أول من عالج الرواية سينمائيا في فيلمه الصامت نوسفيراتو العام 1922 الذي استقى أبعاد شخصيته الرئيسية الكونت أورلوك
من دراكولا في الاسلوب والحيل الفنية ، فإن المخرج استعاض عن ذلك من خلال الممثل الالماني الموهوب ماكس شيريك بأدائه المعبر وماكياجه المرعب ، حيث أضاف أسلوبا جديدا على شخصية دراكولا ، حيث تغلب الجانب الشيطاني على الجانب الانساني ،
هنالك العديد من الافلام التي تناولت شخصية دراكولا من أشهرها زوجات دراكولا العام 1961, وقبلة الشر 1962 ودراكولا أمير الظلام سنة 1965 ، وندوب دراكولا سنة 1970 ، ثم فيلم دراكولا لفرانسيس كوبولا سنة 1992 ، وكان الفيلم من بطولة غاري أولدمان ، ونيونار أيدر وانطوني هوبكنز .
وقد تعددت الاقتباسات السينمائية لهذه الرواية على الاقل لفكرة مصاصي الدماء ، حتى ظهر ما لا يقل عن 200 فيلم سينمائي جميعها مستمدة ، ومستوحاة من شخصية الكونت دراكولا ، تفاوتت في مستواها الفني وغلبت على أكثرها النزعة التجارية.
المصدر: صحيفة فانتازيا برس