توفيق الزايدي
هناك مقولة شائعة، تردد كثيرا وفي أزمنة متباعدة، تقول بأن كل إنسان هو في الأساس مُخرج، “بضم الميم”، والمخرج الحقيقي هو من يصنع “فيلمه” بطريقته.. بدأت أخيرا أعتقد بصحتها، بسبب عوامل كثيرة، آخرها تطور التكنولوجيا المتسارع.
كمنطلق رئيس، لدى كل شخص شاشته السينمائية الخاصة به، المزروعة داخل عقله، كشاشة يعرض عليها “فيلمه” الخاص، كأحلامه و أفكاره وأوهامه.. وغير ذلك!
هناك، إذا صرخ في وجهك صديق قائلا: “أنا لست الشخص الذي تتوهمه”، فيجب أن تعرف أن قصده أنه ليس الشخصية التي تشاهدها في “فيلمك”، وتعرضها على شاشتك السينمائية، وتديرها كأي مخرج.
أيضا.. عندما تكون بين أصدقائك، وتضحك فجأة، ويسألك أحدهم ما بك؟ تقول “تخيلت شكله”! لأنه – بشكل مجرد – شاشتك السينمائية عرضت هذه الصورة، أو بالأصح صنعتها. ومن ثم تحولت هذه الصورة إلي مشاعر ثم لقرار أو فعل.
في الحقيقة، عندما تشاهد “فيلما”، وعلى شاشة كبيرة في داخل صالة سينما، تتوحد مع الفيلم وتصبح هذه الشاشة السينمائية في اتصال مباشر مع شاشتك الخاصة، بحيث يصبح كل ما تشاهده في الفيلم عبر الشاشة الكبيرة يتعامل معه العقل، وكأنه شاشتك الخاصة، وبذلك تتحول هذه الصور إلي مشاعر – كما اسلفت -، فتصبح بكاء أو ضحكا أو قلقا، أو أي شيء آخر، يتعامل معها الجسد وكأنه واقع.. تعيشه، لأنه باختصار؛ أصبح عقلك مع عقل الشاشة السينمائية، يفكر مثلما يفكر الفيلم.
قرأت مرة، وتحديدا عن فيلم “أفاتار” – ثلاثي الأبعاد – الذي أخرجه الشهير “جيمس كامرون”، أن بعض المشاهدين غادروا صالة السينما، وهم يشعرون بصداع، بشكل جمعي، وهذا أمر طبيعي كما أراه، لأنه.. وأثناء المشاهدة، وصل عقل المشاهد إلى مكان لم يصل إليه من قبل من التخيل، وتعامل العقل معه، كصور أنتجها العقل، وليس كصور خلقها مصور هاوٍ.. والسبب إن الصور تمت صناعتها، وهي مرحلة تتجاوز التصوير.
من المعروف جدا أن صناعة السينما ليست سهلة، كما يتصور البعض، ويختزلونها في “حمل كاميرا وتصوير ما هو أمامهم”.. نعم التصوير مهم، وهو جزء أساسي، ومرحلة من العمل، ولكنه ليس كامل العمل. بفضل التقنيات الحديثة، أصبح من الممكن رسم أي صورة تخطر على بالك عن طريق الكمبيوتر (VFX)، وليس هذا فقط بل صناعتها بكل منطق الحياة الطبيعية وقوانيها الفيزيائية، وعرض “الفيلم” في داخل صالة سينما له متعه خاصة، تجعلك وكأنك داخل عقل شخص “الصانع” الذي قام بصناعة كل هذا الفيلم.
في النهاية.. كثيرون يقولون لك، وهي عبارة شبه شائعة ومتداولة بشكل كبير، عند تعذر الفهم لأي شيء قلته لهم: “أنا لست داخل رأسك”، وهو بذلك يقصد أنه لا يرى الصورة التي في عقلك، وهذا مختصر ما أود قوله في مقالي هذا.. خاصة أن “هوليوود” تفعل ذلك، “تدخلنا داخل رأسها”، لأن صناعة السينما هي صناعة الصورة، والصوت من أجل هذا العقل، “العقل السينمائي”!
المصدر: الرياض بوست